تكبير الخط تصغير الخط

هل تتحضر إسرائيل لمواجهة غير معلنة مع تركيا؟

مع تصاعد سباق التسلح التركي وتغير موازين القوى الإقليمية، تتبدّل خرائط العدو والصديق ؛ وتظهر أنقرة كرقم يثير القلق في تل أبيب، ما يزيد احتمالات احتكاكات خطيرة في سوريا وشرق البحر المتوسط.

في وقتٍ تبدو فيه أعين العالم مشدودة على بقايا حربٍ إقليمية أخرى، يبرز ملف آخر قد يشعل جبهة جديدة هى "تركيا" ؛ لقد تحوّل خطاب الاستراتيجية في تل أبيب من احتراز تجاه إيران إلى مراقبة مُركّزة لتركيا ،  ليس بسبب عداء أيديولوجي فحسب، بل لسبب أكثر عملية وخطورة وهو قدرة أنقرة المتنامية على المشاهدة، المناورة، والضرب بدقة ؛ ظهور منظومات تركية دقيقة الصنع، تصاعد النفوذ التركي في سوريا، ومحاولات أنقرة لملء فراغ نفوذ إقليمي، جعلت منها هدفاً محتملاً في حسابات أمن إسرائيلية لا تقبل بالمنافسة.

منظومة الأسلحة الدقيقة التركية: من العرض إلى واقع الردع

يجعلنا نتسائل ما الجديد؟ في معارض الدفاع هذا العام وعبر عروض صناعية وسياسية رسمية، أعلنت تركيا عن قفزات تكنولوجية في منظومات الصواريخ الموجهة والطائرات من دون طيار الدقيقة، إضافةً إلى تطوير قدرات الصيانة والتصنيع المحلية، ما يخفف اعتمادها على إمدادات أجنبية ويزيد من قدرة أنقرة على المناورة الاستراتيجية.
وما هى الآثار الإقليمية المحتملة ؛ قدرات التوجيه الدقيق تخفض هامش الخطأ وتجعل من أي مواجهة محتملة أكثر «انتقائية» وأقل عشوائية،  وهو ما يغيّر قواعد الاشتباك في سوريا والبحر المتوسط. هذه الحقائق؛ لا يمكن أنكارها ؛ لم تعد تركيا مجرد لاعب إقليمي قوي ؛ بل صارت تملك أدوات قادرة على تهديد خطوط إمداد أو مواقع استراتيجية مهمة لطرف ثالث في أقل زمن ممكن، مما يقودنا إلى تساؤل غاية في الأهمية.

لماذا باتت إسرائيل تصب اهتمامها على تركيا الآن؟ 
 

بات هناك تحول في موازين القوى بعد صِراعٍ إقليمي طويل مع إيران وتحوّل قواعد الاشتباك، مما أرغم  تل أبيب على إعادة  حساباتها ، إسرائيل تسعى لتأمين "الفضاء الإقليمي " أمام أي قوة صاعدة قادرة على خلق توازنات عسكرية جديدة.
أضحت تركيا كقوة متعددة الأبعاد ، أنقرة ليست فقط قوة عسكرية؛ هي لاعب سياسي ــ دبلوماسي ــ اقتصادي، عضو في حلف الأطلسي وفي مجموعة العشرين، وتتمتع بقدرة ناعمة سنية واسعة. هذه التوليفة تعني أن احتواءها ليس بسيطاً ولا رخيصاً.
إسرائيل ترى في تركيا احتمالاً لتشكيل منافسة جيو‑عسكرية قد تهدد تفوّقها الإقليمي على المدى المتوسط، لذا تحول الاهتمام من «التهديد التقليدي» إلى «التهديد الناشئ» — وهو ما يفسّر تغير لهجة التخطيط الاستراتيجي في تل أبيب.

تحول تدريجي نحو تفاقم مشروط في العلاقات التركية‑الإسرائيلية
 

الشرارة والشرط ؛ ليست هناك أزمة واحدة بل تراكم من الملفات ؛ الملف السوري  (الوجود الميداني والمناطق ذات الاهتمام المشترك)، وملفات المعارضة والعمليات الاستخبارية، وسباق التسلح.
مقاربة “التفاقم المشروط” ، بمعنى أن التصعيد لن يكون دائماً شاملاً أو مباشراً؛  بل يمرّ عبر سلسلة من الاحتكاكات المحددة (قصف مواقع، اعتراض دوريات بحرية، ضربات سيبرانية، دعم فصائل) التي قد تتصاعد إذا فشلت القنوات الدبلوماسية ، من هنا يمكننا أن نتوقع الميدان الأكثر احتمالاً للاشتعال ؛ سوريا وشرقي المتوسط  ،  حيث تتداخل قواعد الاشتباك وتتصادم الأهداف (وجود قواعد، مراقبة خطوط الإمداد، قواعد دعم الفصائل).

ماذا يعني ذلك للإقليم والعالم؟

خطر التمدّد التصعيدي ؛ صدام مباشر بين إسرائيل وتركيا سيجرّ دولاً إقليمية ودولاً كبرى إلى حسابات ردع جديدة، ويهدد خطوط الإمداد والطاقة في شرق المتوسط.
مما يحفز دور القوى الكبرى ؛ فالولايات المتحدة الأمريكية تُفضّل احتواء التصادم لأن تصاعده يهدد مصالح اقتصادية واستراتيجية؛ لكن ميزان الضغط قد يجبر واشنطن على اتخاذ مواقف متضاربة بين حلفائها ؛

من هنا نصل إلى نتيجة مفادها ؛ السيناريو الأكثر احتمالًا هو سلسلة احتكاكات متقطعة مع محاولات وساطة ؛  لكن خطر تصعيد عرضي يظل قائمًا إذا لم تُدار الأمور بحنكة دبلوماسية ؛ فالمنطقة تقف عند مفترق طرق ، إن تجاهل قدرة تركيا الجديدة أو التقليل من القلق الإسرائيلي قد يقود إلى اشتباكات تُغيّر خريطة الأمن الإقليمي ؛ المطلوب الآن ليس الضجيج الإعلامي بل استراتيجية واضحة للتهدئة، قنواتٍ دبلوماسية مشروعة، وضوابط شفافة على مناطق الصراع  ؛  وإلا فالتاريخ سيكتب فصلاً جديدًا يراكم خسائر لا تحمد عقباها.

السؤال الذي يفرض نفسه:
هل ستنجح أنقرة وتل أبيب في إدارة هذا الصراع تحت سقف الممكن، أم أن الشرق الأوسط يستعد لاستقبال حرب غير معلنة… قد تكتب تاريخه من جديد