-
℃ 11 تركيا
-
6 أغسطس 2025
د. محمد الصاوي يكتب: بندقية واحدة في غزة.. هندسة السيطرة وكشف خيوط التواطؤ
د. محمد الصاوي يكتب: بندقية واحدة في غزة.. هندسة السيطرة وكشف خيوط التواطؤ
-
5 أغسطس 2025, 8:24:14 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
د. محمد الصاوي يكتب: بندقية واحدة في غزة.. هندسة السيطرة وكشف خيوط التواطؤ
في غزة، لم تعد البنادق فوضى. بل مشروع منضبط تم هندسته بدقة، بتمويل عربي، وتخطيط أمريكي، وتوقيع أمني إسرائيلي.
منذ عقود، ظلّت غزة مساحة معقّدة تَفلت من الضبط، متأرجحة بين الحصار والمقاومة، وبين محاولات الإخضاع وخيارات الصمود. لكن منذ حرب 2023 وحتى النصف الثاني من 2025، بدأت ملامح مشروع أمني سياسي تُعرف في الأوساط الاستخباراتية الإسرائيلية باسم “بندقية واحدة في غزة” تتبلور بقوة: مشروع لا ينهي المقاومة بالسلاح، بل يعيد هندسة “السلاح” نفسه ليعمل لصالح من يفترض أنه خصم.
نستعرض كيف تبلور هذا المشروع، من موائد البيت الأبيض مرورًا بصفقات استخباراتية إماراتية – مصرية – إسرائيلية، إلى صفقات مياه وإنشاءات في القطاع، لنكتشف أن ما يجري في غزة ليس إعادة إعمار، بل إعادة هندسة للهوية السياسية الفلسطينية بأدوات ضغط ناعمة وقسرية.
من فكرة “تجفيف منابع المقاومة” إلى “احتكار البندقية”
مشروع “بندقية واحدة في غزة” لم يبدأ في العلن، بل كان وليد نقاشات خلف الأبواب المغلقة في واشنطن وتل أبيب، وتبنّته لاحقًا عواصم إقليمية لديها تطلعات أمنية في ملف غزة. جوهر المشروع يقوم على احتكار السلطة الأمنية في غزة بيد “قوة فلسطينية جديدة” يتم تدريبها وتمويلها خارجيًا ؛ استبعاد فصائل المقاومة المسلحة وعلى رأسها حماس من أي هيكل أمني مستقبلي ؛ إغراء شعبي عبر مشاريع إنسانية ضخمة لربط “الأمن مقابل الغذاء”، و”الهدوء مقابل الماء والكهرباء”.
الدور الأمريكي – التخطيط والضغط الناعم
الولايات المتحدة، التي لعبت دورًا محوريًا في دعم إسرائيل عسكريًا في حرب 2023، انتقلت إلى طور إعادة تشكيل المشهد الأمني، مدفوعة بالقلق من تفكك القطاع إلى كيانات مسلّحة متعددة. ووفق تقرير في Foreign Policy وWashington Post ؛ تبنت إدارة بايدن ومن بعدها إدارة ترمب فكرة “إدارة مدنية آمنة” بقيادة السلطة الفلسطينية، محمية بقوة أمنية “تدريبية احترافية” ؛ الضغط يتم على مصر، قطر، والإمارات لتمويل هذه القوة وتجهيزها، ضمن خطة تقدر بـ 63 مليار دولار لإعادة الإعمار المشروط.
إسرائيل – إشراف استخباراتي وحق الفيتو
إسرائيل لا تريد العودة المباشرة إلى غزة، لكنها ترفض ترك الساحة مفتوحة ؛ لذلك تحتفظ بأدوات المراقبة الجوية والبرية، وتملك حق الاعتراض على تشكيل أي قوة أمنية فلسطينية ؛ تشارك عبر جهاز الشاباك في تقييم ملفات القيادات الفلسطينية المقترحة لهذه القوة، خشية من تسرب عناصر مقاومة تحت عباءة الأمن ؛ تطالب أن يكون السلاح في غزة “مقننًا، مرصودًا، وتحت عين تل أبيب”.
مصر – التدريب والتصفية الباردة
القاهرة التي لطالما أمّنت ملف الوساطة، وجدت نفسها جزءًا من خطة إدارة أمن غزة، عبر تدريب قوات فلسطينية خاصة في سيناء على نمط الشرطة المدنية، بعيدًا عن روح الكفاح ؛ تنسيق ميداني مع الاستخبارات الإسرائيلية حول أسماء العناصر المقبولة، مع استبعاد من لديهم انتماء سابق لأي فصيل مقاوم ؛ وهناك تقارير استخباراتية – لم تنكرها مصر – عن تصفيات باردة جرت بحق عناصر فلسطينية رُفض انضمامها لهذه القوات.
الإمارات – ماء بديل عن الدم
في زاوية مغايرة، اختارت الإمارات دور “المنقذ الإنساني” في غزة. لكن خلف شاحنات المياه التي دخلت رفح برعاية “مؤسسة الهلال الأحمر الإماراتي”، تكشف عدة تقارير ميدانية (Haaretz، Middle East Eye) ؛ توزيع المياه والمساعدات يتم بالتنسيق مع جهاز الشاباك لضمان عدم استفادة أي فصيل مقاوم منها ؛ هناك دور واضح لشخصية غامضة تدعى “أبو شباب”، رجل الإمارات الميداني، الذي يدير عمليات الإغاثة بما يشبه “وزارة داخلية إنسانية بديلة” ؛ المساعدات مشروطة بسحب السلاح، أو على الأقل بالحياد السياسي، ما يجعلها أداة “شراء ولاءات” أكثر من كونها مساعدة إنسانية.
المال مقابل السلاح – كيف تم هندسة 63 مليار دولار؟
الخطة الكبرى التي ترعاها الولايات المتحدة تشمل تمويل إعادة الإعمار في غزة بمبلغ يتجاوز 63 مليار دولار، وفق خطة “أورورا” التي تم تسريب بعض بنودها ؛ المشاريع تشمل بنى تحتية، مياه، كهرباء، إسكان، ولكن بشروط ( نزع سلاح المقاومة ، قبول السلطة الفلسطينية كجهة تنفيذية أمنية ، قبول إسرائيل كجهة راعية غير مرئية، كل دولار يُمنح، يُقابله بندقية تُسحب، ضمن معادلة خفية لكنها صارمة).
من الذي يملك “البندقية” فعلًا؟
قد تبدو فكرة “بندقية واحدة” مدخلاً إلى ضبط الفوضى في غزة، لكن واقع الحال يقول إن تلك البندقية لم تعد فلسطينية ؛ الرصاصة تُطلق بإذن أمريكي، والزناد يخضع لموافقة إسرائيلية، ومخزن الذخيرة تموله العواصم العربية ؛ الشعب الفلسطيني يُحاصر بين خيارين كلاهما خاسر: سلاحٌ خاضع لعدوه، أو سلاحٌ يجلب له الحصار والدمار.
وهنا، يبرز السؤال الأهم: هل نزع سلاح المقاومة مقدمة للسلام، أم تمهيد لتصفية القضية؟
توصيات:
ضرورة كشف تفاصيل خطة “البندقية الواحدة” على المستوى الدولي، وإثارة المساءلة الحقوقية حول ارتباط المساعدات الإنسانية بشروط سياسية.
تشجيع الأطراف الفلسطينية على تقديم مشروع بديل للأمن الذاتي، لا يخضع للخارج ولا يتورط في عسكرة الصراع الداخلي ؛
مطالبة الهيئات الدولية بفصل المسار الإنساني عن المسار الأمني في مشاريع الإعمار.
إطلاق حملة إعلامية مضادة تسلط الضوء على خطورة تحويل العمل الإنساني إلى أداة إخضاع سياسي.
وأخيرا وليس آخراً
في المشهد السياسي الفلسطيني، البندقية لم تعد رمزًا فقط للمقاومة، بل تحولت إلى أداة في ميزان الهيمنة والسيطرة. وبين رغيف خبز مرهون، وبندقية مأجورة، ينهض السؤال الأخلاقي والسياسي الأهم: هل ما زال للفلسطينيين خيار ثالث؟
هل يُعاد بناء غزة لتُصبح نموذجًا لـ“التطبيع الأمني”، أم أن المقاومة الشعبية ستفاجئ الجميع مجددًا؟ ففي معادلة اليوم، يبدو أن الأطراف تُعيد رسم غزة… لكن دون سكانها.
كلمات مفتاحية:
الحصار، الشرعية الفلسطينية، القوى غير الحكومية
تصنيف المراجع المستخدمة في المقال
1. مراكز أبحاث وتحليل سياسي
• Carnegie Middle East Center – دراسات في الترتيبات الأمنية بعد الصراعات.
• International Crisis Group – تقارير تحليلية حول إدارة ما بعد الحرب في غزة.
• Brookings Institution – أوراق سياسات حول إعادة الإعمار وأثره على ميزان القوى المحلي.
2. مقالات وتقارير صحفية موثقة
• Foreign Policy: تقرير حول خطط أمريكا لإعادة صياغة المشهد الأمني في غزة.
• Washington Post: تغطية لمشروع “إدارة مدنية آمنة” بتنسيق فلسطيني – إسرائيلي – عربي.
• Haaretz: تحقيقات حول الدور الإماراتي وتنسيق “أبو شباب” مع الشاباك.
• Middle East Eye: تقارير ميدانية حول توزيع المياه والمساعدات بشكل سياسي مشروط.
3. وثائق وخطط مسربة
• خطة أورورا (Aurora Plan): تسريبات جزئية من مشروع أمريكي – عربي لإعادة إعمار غزة بميزانية 63 مليار دولار.
• إعلان نيويورك (2024): اتفاقية دبلوماسية سرية شملت مصر وإسرائيل والولايات المتحدة بخصوص “إدارة ما بعد الحرب”.








