"السفارات المغلقة والشرعية المهددة: هل فقدت القاهرة موقعها الرمزي في القضية الفلسطينية؟"

د. محمد الصاوي يكتب: من تل أبيب إلى لاهاي: هل انهارت شرعية مصر الرمزية في عيون الشعوب؟

profile
د. محمد الصاوي باحث في العلاقات الدولية
  • clock 2 أغسطس 2025, 5:48:05 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

د. محمد الصاوي – كاتب وباحث في العلاقات الدولية

 

“حين تغلق الشعوب أبواب سفاراتك.. فاعلم أنك أغلقت أبواب التاريخ.”

 

في ظاهرة نادرة من نوعها، انتشرت خلال الأيام الماضية موجة احتجاجات عالمية أمام السفارات المصرية، وصلت إلى حد إغلاق أبوابها بسلاسل وأقفال حديدية في نحو 16 دولة حول العالم، من لاهاي إلى نيويورك، مرورًا بإسطنبول وتونس وكوالالمبور. أما المشهد الأكثر رمزية، فقد جاء من قلب تل أبيب نفسها، حيث تظاهر قياديون فلسطينيون من الداخل المحتل – ينتمون إلى الحركة الإسلامية – أمام السفارة المصرية، هاتفين ضد ما سموه “تواطؤ القاهرة مع حصار غزة”.

 

السؤال الصادم هنا:


هل أصبحت مصر متهمة في وعي الشعوب العربية والدولية، لا شريكة في دعم الفلسطينيين؟

 

من لاهاي إلى تل أبيب: رمزية مزدوجة للاحتجاج

 

في مدينة لاهاي الهولندية، قام ناشط مصري بإغلاق باب السفارة المصرية بالسلاسل، بحسب تقرير نشرته وكالة الأناضول التركية وأكّد فيه أن هذه الخطوة رمزية للاحتجاج على ما وصفه بـ”تواطؤ القاهرة في إدامة الحصار على غزة”.
 

في إسطنبول، أُعيد المشهد ذاته، فقد شهدت مدن أوروبية وعربية موجة احتجاجات رمزية ضمن حملة دولية منسّقة بعنوان “إغلاق من أجل غزة” (Lockdown for Gaza)، استهدفت السفارات المصرية عبر إغلاقها بسلاسل وأقفال رمزية.
 

رفعت شعارات تندد بموقف مصر من معبر رفح.

 

أما اللحظة الأكثر غرابة فحدثت في تل أبيب، حيث تظاهر فلسطينيون أمام السفارة المصرية، لا الإسرائيلية، في سابقة عكست انهيار الصورة التقليدية للقاهرة كـ”حاضنة تاريخية” للقضية الفلسطينية.
 

وقد وصفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية (Haaretz) هذه التحركات بأنها “تحول رمزي يوضح أن الثقة العربية في القيادة المصرية بلغت مستوى خطيرًا من التراجع”.

 

جذور الأزمة: دور وظيفي بلا شرعية

 

لطالما لعبت مصر دور الوسيط التاريخي بين غزة وتل أبيب، لكنها كانت دائمًا تعتمد على الشرعية القومية في هذا الدور، لا فقط على التنسيق الأمني أو الدعم الفني.
 

ما حدث في الشهور الأخيرة – خاصة مع الإغلاقات المتكررة لمعبر رفح، والتسريبات الغربية عن مشاريع لإفراغ غزة ديموغرافيًا نحو سيناء – أفقد هذا الدور صدقيته، وبدأت القاهرة تُرى في عيون الشباب العربي كـ”جزء من المشكلة” لا كـ”ضامن للحل”.

 

“ويؤكد تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية (Financial Times)”أن مصر تتعرض لضغوط أمريكية وإسرائيلية متزايدة للعب دور في استيعاب سكان من غزة مؤقتًا، في حال حدث اجتياح شامل. ورغم النفي الرسمي، فإن السلوك الحدودي المصري لا يدحض هذه الرواية، بل يُغذيها.

 

من رمزية ناصر إلى أزمة تمثيل

 

حين يُغلق شاب عربي باب سفارتك، أو يتظاهر فلسطيني ضدك في تل أبيب، فإن الأمر لم يعد خلافًا دبلوماسيًا؛ بل أزمة تمثيل عميقة.

 

لقد تحوّل الدور المصري إلى دور تقني/أمني محض، بينما فقد عمقه الأخلاقي في عيون الشعوب. يقول الدبلوماسي المصري السابق عزالدين فشير في مقال رأي نُشر بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية (The Washington Post):“يجب أن تستعيد مصر دورها عبر تولي مسؤولية وصاية مؤقتة على غزة بالتوافق مع الفصائل الفلسطينية، وإلا فستفقد آخر ما تبقى لها من رصيد رمزي في المنطقة.”

 

رأيي الشخصي:

 

أن ما يحدث ليس “موجة عاطفية عابرة”، بل إعادة تعريف للشرعية السياسية في الإقليم.


القاهرة تقف الآن أمام خيارين إما أن تعود لموقعها كداعم حقيقي لحقوق الفلسطينيين – لا كـ “وسيط متوازن” فقط؛أو أن تواصل الدور التقني-الأمني، وتخسر ما تبقى من عمقها العربي الذي بنيته عبر أجيال من التضحيات والمواقف التاريخية.

 

""""""""""""""""""""""
المراجع التحليلية:
• Anadolu Agency: https://www.aa.com.tr/en/world/activist-closes-egyptian-embassy-gate-in-netherlands-in-protest-of-gaza-siege/3241583
• Haaretz: https://www.haaretz.com/middle-east-news/palestinians/2025-07-29
• Washington Post: https://www.washingtonpost.com/opinions/2025/07/30/gaza-egypt-trusteeship-plan/
• Financial Times: https://www.ft.com/content/16ac1006-f030-401e-b438-3daa5347fd3c
• Human Rights Watch: https://www.hrw.org/news/2025/07/20/egypt-must-open-rafah

التعليقات (0)