-
℃ 11 تركيا
-
2 أغسطس 2025
فاجعة الكوت: مقتل أكثر من 60 شخصاً وإصابة العشرات في حريق بمركز تجاري عراقي
مأساة من خمسة طوابق
فاجعة الكوت: مقتل أكثر من 60 شخصاً وإصابة العشرات في حريق بمركز تجاري عراقي
-
17 يوليو 2025, 10:55:27 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
أودى حريق مروّع اندلع مساء الأربعاء داخل مبنى تجاري وسط مدينة الكوت العراقية بحياة 61 شخصاً على الأقل، بينهم 14 جثة متفحمة لم تُعرَف هويتها بعد، فيما لا تزال فرق الإنقاذ تبحث عن مفقودين تحت أنقاض المبنى المؤلف من خمسة طوابق، والذي لم يمضِ على افتتاحه سوى أيام قليلة.
الحريق، الذي نشب داخل "هايبر ماركت" حديث الافتتاح يضم مطعماً ومركز تسوق، خلّف مشاهد مروعة من الفوضى والدخان والهلع، حيث قضى معظم الضحايا اختناقاً، بحسب وزارة الداخلية العراقية التي أكدت في بيان أن فرق الدفاع المدني تمكنت من إنقاذ أكثر من 45 شخصاً كانوا عالقين داخل المبنى المحترق.
تحقيقات وتعهدات حكومية
أمام حجم الكارثة، أعلنت وزارة الداخلية تشكيل لجنة تحقيق عليا للوقوف على أسباب الحريق وتحديد مواقع التقصير والمسؤولية. وأكدت أنها ستتخذ كافة الإجراءات لمحاسبة الجهات المتورطة، متعهدة بعدم التهاون في تحقيق العدالة وكشف الحقائق للرأي العام، الذي ينتظر إعلان نتائج التحقيق الفني فور اكتماله.
وفيما لا تزال ملابسات الحريق غامضة، أشار بعض الناجين إلى أن الانفجار بدأ من مكيف هواء في الطابق الثاني، وسرعان ما امتد ليبتلع المبنى بأكمله خلال دقائق. ونقلت وكالة "فرانس برس" عن أحدهم قوله: "انفجر مكيف في الطابق الثاني، ثم اندلع الحريق ولم نستطع الهرب".
صدمة محلية واستنفار رسمي
أعلن محافظ واسط، محمد جميل المياحي، الحداد ثلاثة أيام على أرواح الضحايا، واصفاً الحادثة بأنها "لا تخلو من ملابسات"، مشيراً إلى إقامة دعاوى قضائية على مالك المبنى وصاحب المول وكل من له علاقة بالمشروع، مع التعهد بنشر نتائج التحقيق الأولي خلال 48 ساعة.
من جهته، وجّه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وزير الداخلية بالتواجد الميداني في موقع الحادث وبدء تحقيق فوري في أسبابه، مع إرسال فريق طبي مجهّز بالكامل لإسعاف المصابين. وأكد المكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء أن السوداني شدد على إجراء "تحقيق فني دقيق" واتخاذ "إجراءات صارمة" لمنع تكرار مثل هذه الحوادث، معرباً عن "عميق تعازيه وتضامنه مع أسر الضحايا".
القضاء يتحرك.. والسياسة تعلّق
وفي تطور قضائي، أعلن مجلس القضاء الأعلى توجيه محكمة استئناف واسط بفتح تحقيق سريع وشامل، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق أي طرف يثبت تقصيره. كما عبّر المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني، عن حزنه العميق، وقدّم تعازيه لأسر الضحايا في بيان صدر عن مكتبه، داعياً بالرحمة للشهداء والشفاء العاجل للمصابين.
الطبقة السياسية، بدورها، أبدت ردود فعل متفاوتة. رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم وصف الحريق بأنه "فاجعة مؤلمة تضاف لسلسلة الحوادث المؤسفة"، داعياً إلى تحقيق فوري ومحاسبة المقصرين. أما زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، فرأى أن "فاجعة الكوت تكشف فسادهم"، في إشارة إلى المسؤولين عن المشروع والمنظومة الرقابية. كما دعا رئيس المجلس الأعلى الإسلامي همام حمودي إلى مراجعة إجراءات السلامة في المراكز التجارية، فيما قدم رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض تعازيه، واصفاً الضحايا بأنهم "شهداء أبرياء".
الكوت تبكي أبناءها
حتى ساعات الفجر الأولى، كانت سيارات الإسعاف لا تزال تنقل الجثث والمصابين إلى مستشفى المدينة، حيث امتلأت أقسام الطوارئ، وسط ذهول وصدمة الأهالي الذين فقد بعضهم أكثر من فرد من أسرته في دقائق معدودة. وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع مؤثرة تظهر العشرات ينتظرون في ممرات المستشفى، بعضهم ينهار باكياً، والبعض الآخر يحدق في فراغ لا نهاية له.
ومن بين هؤلاء، الطبيب ناصر القريشي، الذي فقد خمسة من أفراد أسرته أثناء زيارتهم للمول لتناول العشاء هرباً من حرارة الصيف وانقطاع الكهرباء في المنزل. يقول القريشي: "لقد حلّت بنا كارثة. ذهبنا إلى المول للهروب من الظلام... فكان الظلام هو المصير".
بنية هشة... ودرس لم يُستفد منه
حادثة الكوت ليست الأولى من نوعها في العراق، بل تأتي في سياق سلسلة من الحوادث المماثلة التي كشفت عن هشاشة البنية التحتية، وضعف الالتزام بإجراءات السلامة العامة في الأبنية التجارية والخدمية.
السرعة التي انهار بها المبنى، وعدد الضحايا الكبير رغم حداثة افتتاح المشروع، تطرح أسئلة جدية حول دور الجهات الرقابية وتراخيص البناء والتفتيش على أنظمة الإنذار والإطفاء، وهو ما يُعيد إلى الواجهة النقاش المؤجل حول معايير السلامة في الفضاءات العامة.
ما جرى في الكوت، وفق كثيرين، ليس مجرد "حادث عرضي"، بل نتيجة مباشرة لإهمال مزمن وفساد مؤسسي ونظام رقابي مثقوب، وهو ما أكده بوضوح أكثر من مسؤول سياسي وديني، في دعوات متكررة لمحاسبة "كل من شارك في هذه الكارثة بصمته أو تهاونه أو فساده".
كارثة الكوت لن تكون الأخيرة إذا لم تُترجم الوعود بالتحقيق والمحاسبة إلى أفعال ملموسة. فمع تكرار هذه الفواجع في العراق، بات السؤال الذي يتردد على ألسنة العراقيين عقب كل مأساة: "من القادم؟ وفي أي مدينة؟". يبدو أن أرواح المدنيين لا تزال تدفع ثمن الفساد وسوء الإدارة وغياب الدولة الحقيقية، في بلد أنهكته النيران... واعتاد أن يحترق ببطء.






