كيف تنظر إسرائيل وأمريكا للخطاب المصري؟

د. محمد الصاوي يكتب: عندما يتحدث المفلس عن المفلسين: قراءة سياسية في خطاب عبد الفتاح السيسي تجاه غزة

profile
د. محمد الصاوي باحث في العلاقات الدولية
  • clock 7 أغسطس 2025, 3:26:55 م
  • eye 418
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
عبد الفتاح السيسي

غزة تحت الحصار.. وحصار الخطاب

حين تُقصف غزة بلا هوادة، وتُدفن فيها الأقدار بين الأنقاض، يأتي خطاب عبد الفتاح السيسي ليُطل بعبارات أثارت جدلًا واسعًا، حين وصف بعض الأطراف بـ”المفلسين”. هل هو واقع سياسي جديد يعكس إفلاس الرؤية؟ أم محاولة للتملص من المسؤولية التاريخية؟ بين هذه التساؤلات تتكشف دلالات سياسية عميقة لخطابٍ أعاد رسم ملامح الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية في لحظة مفصلية.

تفكيك خطاب “الإفلاس والمفلسين”

في مستهل خطابه، أكّد السيسي دعم مصر للشعب الفلسطيني، لكنه وضع هذا الدعم تحت سقف “الواقعية” و”الأمن القومي”، قائلاً: “إحنا بندعم الشعب الفلسطيني، لكن مش معقول نفتح حدودنا كده على طول… لازم نكون حذرين.” محولًا غزة من مأساة إنسانية إلى ملف أمني يهدد استقرار بلاده.

لاحقًا، حمّل المسؤولية جزئيًا للفصائل الفلسطينية، واصفًا البعض بـ”المفلسين” الذين لا يمتلكون رؤية واضحة لإدارة الأزمة: “أنا مش هخلي بلدي في مهب الريح بسبب ناس مفلسة… الكلام سهل، لكن المسؤولية صعبة.”

بهذا الخطاب، رسم السيسي نفسه كصاحب رؤية واقعية وسيادة لا تتزعزع، رافضًا الانجرار وراء عواطف الشارع أو شعارات المزايدة السياسية.

رد فعل الشارع المصري… هل حقق السيسي هدفه؟

لاقى خطاب “المفلسين” ردود فعل متباينة:
مناصرو النظام رحّبوا بالخطاب، معتبرين أنه تعبير عن “واقعية سياسية” وحماية للمصالح الوطنية في ظل تعقيدات الأزمة.
في المقابل، أبدى كثير من الشباب والناشطين الحقوقيين استياءً واسعًا، معتبرين أن وصف غزة وقيادتها بـ”المفلسين” إهانة تمس التضامن الوطني والتاريخي المصري مع القضية الفلسطينية.

وفي حين نجح الخطاب في ترسيخ موقف النظام رسميًا ودبلوماسيًا، لم يستطع تهدئة غضب قطاعات واسعة من الشعب المصري، ممهّدًا لنقاشات حادة حول مسؤولية مصر التاريخية والسياسية تجاه غزة.

كيف تنظر إسرائيل وأمريكا للخطاب المصري؟

رصدت تحليلات دولية أن خطاب السيسي يعكس رغبة مصر في الحفاظ على موقع “الوسيط العقلاني” في الصراع، بعيدًا عن المزايدات الإقليمية.
صحيفة هآرتس الإسرائيلية قالت: “السيسي يوجّه رسالة مزدوجة: يد تضغط على حماس، وأخرى تراقب انهيار غزة دون تدخل مباشر.”
معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي وصف الموقف المصري بأنه “حذر ومتوازن”، ساعيًا إلى الحفاظ على مصالحه الأمنية في سيناء والمنطقة.
في الولايات المتحدة، أشار محللون إلى أن واشنطن تراقب مسافة محسوبة بين القاهرة وتل أبيب، مع تحفظات على التردد المصري في اتخاذ مواقف أكثر حزماً.

موقف النواب الأمريكيين من الخطاب 
ومع ذلك، انتقد بعض النواب الأمريكيين القاهرة لتحمّلها “جزءًا من مسؤولية تعثر التهدئة”، معتبرين أن مصر تفقد مصداقيتها في دفع العملية السياسية.

النتائج السياسية لخطاب “المفلسين”

يترتب على خطاب السيسي أبعاد استراتيجية عدة: تصعيد رمزي في الموقف تجاه حماس، عبر تحميلها مسؤولية الأزمة، دون إعلان قطيعة رسمية، حفاظًا على هامش تفاوضي ؛ مزيد من التقارب الهادئ مع إسرائيل، خصوصًا في قضايا الأمن والحدود، تعبيرًا عن تقاطع مصالح استراتيجية ؛ تعزيز مكانة مصر كـ”الوسيط الموثوق”، مميزة نفسها عن قوى إقليمية أخرى ؛ إضعاف الخطاب الشعبي الداعم للمقاومة في غزة، وفتح الباب أمام سيناريوهات “ما بعد حماس”.

وأخيراً و ليس آخراً

 من المفلس الحقيقي؟

هل المفلسون فعلاً هم من يقاومون تحت الحصار؟ أم من يصمتون على المذبحة؟
في زمن تُقصف فيه المستشفيات ويُخنق فيه الأطفال تحت الأنقاض، ليس الإفلاس هو الصمت، بل تبرير الصمت.
والمفارقة الكبرى أن خطابًا سياسيًا يوجه الاتهام للفلسطينيين بينما يغيب عن الساحة العربية موقف موحد وحاسم، يشير إلى إفلاس أوسع، ليس فقط في الرؤية السياسية، بل في الضمير العربي.
فهل كتب السيسي خطابًا لـ”الواقعيين”؟ أم فتح فصلًا جديدًا في أزمة الخطاب العربي تجاه فلسطين؟


 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)