-
℃ 11 تركيا
-
13 يونيو 2025
د. رامي أبو زبيدة: مرحلة "عربات جدعون".. قراءة في أهداف التوغّل الإسرائيلي المرتقب في غزة
د. رامي أبو زبيدة: مرحلة "عربات جدعون".. قراءة في أهداف التوغّل الإسرائيلي المرتقب في غزة
-
24 مايو 2025, 8:20:08 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
دخلت الحرب الإسرائيلية على غزة فصلاً جديداً تحت مسمى "عربات جدعون"، في خطوة عسكرية تشير إلى تحوّل نوعي في أهداف الاحتلال وتكتيكاته. مرحلة يُروّج لها على أنها فاصلة، ليس فقط في مسار المعركة، بل في مستقبل القطاع وتركيبته الجغرافية والديمغرافية. وبحسب مصادر أمنية إسرائيلية، تهدف هذه المرحلة إلى فرض "السيطرة العملياتية" على نحو 75% من مساحة القطاع، تمهيداً لعزل حماس عن محيطها الشعبي وإعادة رسم الواقع الأمني داخله.
تقليص غزة وإرباك بنية المقاومة
الجيش الإسرائيلي أعلن رسمياً عن انطلاق عملية "عربات جدعون" البرية، مبيناً أنها تقوم على ثلاثة مبادئ:
1. السيطرة العملياتية الميدانية.
2. تطهير المناطق المستهدفة وتحريك السكان منها.
3. ضرب بنية قيادة حماس حتى الانهيار.
الهدف، بحسب ما نقل عن مسؤول أمني كبير، هو "جعل غزة صغيرة"، أي تقسيمها فعلياً إلى مناطق مفصولة أمنياً يمكن مراقبتها والتحكم بها عبر نقاط تفتيش، بهدف تصفية خلايا المقاومة وعزل حماس عن السكان، في محاولة لحرمانها من عمقها المجتمعي.
هذا التصوّر، الذي يقوم على "تفكيك البيئة الحاضنة للمقاومة"، يختلف بوضوح عن تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي أكد أن الهدف النهائي هو "السيطرة الكاملة على كافة مناطق قطاع غزة". التباين في الخطاب بين المستوى السياسي والعسكري يُشير إلى غياب استراتيجية موحدة أو اتفاق واضح حول مآلات هذه الحرب.
توسّع بلا استقرار
الجيش الإسرائيلي يسيطر فعلياً اليوم على أكثر من 50% من مساحة القطاع، بعضها تحت سيطرة ميدانية مباشرة، وبعضها تحت سيطرة نارية عبر الطائرات والمدفعية، لكن هذه السيطرة تفتقد للعنصر السكاني، إذ تم تهجير جزء كبير من السكان قسراً نحو الجنوب.
في هذا السياق، أصدر المتحدث باسم الجيش، تحذيرات متكررة بإخلاء أحياء جديدة في شمال القطاع، ما يعكس التوجه نحو "توسيع نطاق القتال"، كما وصفه المتحدث باسم الجيش العميد إيفي دوفيرين، الذي شدد على أن "العملية دخلت مرحلة الحسم".
سيناريوهات التفتيت والسيطرة المجزأة
ما تسعى إليه إسرائيل لا يبدو كاحتلال تقليدي شامل، بل أقرب إلى نموذج "السيطرة المجزأة"، المستوحى من تجربتها في الضفة الغربية. عبر إنشاء "جُزر أمنية" معزولة عن بعضها، تحاول تل أبيب تقليص المساحة المتاحة لحماس للمناورة والعمل، وتحويل القطاع إلى مناطق تحت المراقبة الصارمة دون الحاجة للوجود الدائم.
في الوقت نفسه، تلعب إسرائيل بورقة الرهائن كورقة ضغط أخيرة، إذ هدّد رئيس الأركان إيال زامير بأن حماس أمام خيارين: "إما إطلاق سراح الرهائن أو مواجهة قوة نيران غير مسبوقة". هذه الرسائل تكشف أن الحملة العسكرية ما تزال تُوظف أيضاً في سياق التفاوض السياسي والضغط الإعلامي.
تحديات ومخاطر ميدانية
رغم التقدّم الميداني، يواجه الاحتلال جملة من التحديات الاستراتيجية والعسكرية:
الاستنزاف البشري واللوجستي: العمليات البرية المكثفة في بيئة معقدة مليئة بالأنفاق والكمائن ترفع من كلفة التوغّل.
التحام المقاومة بالمدنيين: يصعب على إسرائيل تحقيق فصل كامل بين المقاتلين والمدنيين، ما يُعقّد أهداف "التطهير".
ردود المقاومة المتصاعدة: عمليات التفخيخ، الأنفاق، الكمائن، وضربات العمق بالصواريخ ما تزال مستمرة، ما يُربك مسار التقدم الإسرائيلي ويمنعه من فرض الاستقرار.
غياب خطة "اليوم التالي": حتى لو أُنجزت السيطرة الجزئية، يبقى سؤال "من سيحكم غزة؟" بلا إجابة واضحة.
السيناريوهات المحتملة
1- توسّع تدريجي للتوغّل: تعزيز السيطرة على وسط وجنوب القطاع - مكاسب ميدانية غير حاسمة
2- انسحاب تكتيكي لاحق: إعلان نصر محدود وانسحاب جزئي - تكرار لنموذج 2014
3- معركة استنزاف طويلة: استمرار المقاومة وتصعيد العمليات - كلفة باهظة لإسرائيل
4- تدخل وسطاء دوليين: فرض وقف إطلاق نار عبر تفاهمات - تجميد الوضع على أرضية هشّة
المرحلة الجديدة من الحرب في غزة، وإن جاءت بعنوان "عربات جدعون"، لا تحمل حتى اللحظة بشائر نصر استراتيجي لإسرائيل، بل تشير إلى محاولة يائسة لإعادة تعريف غزة جغرافياً وميدانياً. غير أن البيئة العملياتية المعقدة، والمقاومة المستمرة، وحساسية المشهد الإقليمي، تجعل من هذه العملية محفوفة بالمخاطر وتضع الاحتلال أمام استحقاقات لا يمكن تجاوزها بسهولة.






