"خطة إسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة تحت غطاء أمريكي: تقويض للأمم المتحدة وإعادة تشكيل للواقع الميداني"

profile
  • clock 25 مايو 2025, 8:27:42 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
المجاعة في غزة

180 تحقيقات – رامي أبو زبيدة
:
كشفت صحيفة نيويورك تايمز، مساء أمس، عن تفاصيل خطة سرية لتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، قدمت للرأي العام على أنها مبادرة أمريكية مستقلة، بينما تؤكد الوثائق والمعلومات أن الخطة هي في الأصل مبادرة إسرائيلية، تهدف إلى الالتفاف على الأمم المتحدة، وتقويض دور حركة حماس، وفرض ترتيبات جديدة للواقع الإنساني والسياسي في غزة تحت إشراف مباشر من جهات أمنية ومدنية إسرائيلية وأمريكية.


أهداف الخطة الإسرائيلية:


تتعدد الأهداف المعلنة وغير المعلنة للخطة الجديدة، التي اعتبرها مراقبون تحركًا استراتيجيًا لإعادة هندسة "اليوم التالي" في غزة، ومن أبرزها:

تفكيك سلطة حماس في القطاع عبر سحب ورقة السيطرة على المساعدات.

منع تسرب الإغاثة إلى السوق السوداء أو وقوعها بيد الفصائل المسلحة.

تجاوز الأمم المتحدة وتهميشها، في ظل تصاعد الانتقادات الإسرائيلية لها واتهامها بـ"العدائية".

إنشاء مراكز توزيع تحت السيطرة الإسرائيلية تمهد لمرحلة ما بعد الحرب، في ظل غياب رؤية سياسية واضحة حتى الآن.

الجهات المنفذة والداعمة:


الخطة تُدار ميدانيًا من قبل مجموعة ضباط احتياط إسرائيليين خدموا في وحدات بارزة، تحت قيادة الجنرال الاحتياطي رومان غوفمان. وتم إنشاء "منتدى مكفيه إسرائيل" لتنسيق العمليات بين الأطراف الفاعلة.

من الجانب الأمريكي، استعانت إسرائيل بشركة أمنية خاصة تُدعى Safe Reach Solutions، يرأسها فيليب رايلي، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) ويملك تاريخًا في تدريب ميليشيات يمينية وتنفيذ عمليات في أفغانستان ونيكاراغوا.

كما جرى تأسيس صندوق GHF (صندوق المساعدات الإنسانية لغزة)، بقيادة جاك وود، وهو جندي سابق في قوات المارينز الأمريكية، ليتولى التمويل والإشراف المالي، بدعم من رجال أعمال بعضهم من داخل إسرائيل.

تفاصيل التنفيذ:

المرحلة الأولى من الخطة تشمل إنشاء 4 نقاط توزيع في جنوب قطاع غزة، بعيدًا عن مراكز سيطرة حماس.

شركات خاصة مسلحة ستتولى توزيع المواد الغذائية، ضمن إجراءات أمنية مشددة.

سيتم إقصاء وكالات الأمم المتحدة تدريجيًا من العملية، لتحل محلها شركات ومؤسسات خاصة موالية للخطة.

الشركة الأمنية التي يديرها رايلي سبق أن نفذت عمليات تفتيش أمني خلال الهدنة في غزة، في تنسيق غير معلن مع الجيش الإسرائيلي.


التمويل الغامض:

تلقى صندوق GHF تمويلًا أوليًا من رجال أعمال غير إسرائيليين، لم تُكشف أسماؤهم.

هناك دولة أجنبية تعهدت بتقديم 100 مليون دولار لدعم الخطة، فيما لا تزال تفاصيل الجهات الداعمة خاضعة للسرية، ما أثار مخاوف حول دوافع المشروع وغياب الشفافية.

ردود فعل وتحذيرات:

الأمم المتحدة أعربت عن رفضها للخطة، محذّرة من أنها قد:

تقلص عدد مناطق توزيع المساعدات.

تجبر المدنيين على الانتقال لمسافات طويلة عبر مناطق مهددة عسكريًا.

تُستغل لتهجير السكان من شمال القطاع إلى جنوبه ضمن ترتيبات ميدانية غير معلنة.

المتحدث باسم وكالة "الأونروا" قال: "السبيل الوحيد لمنع تفاقم الكارثة في غزة هو تدفق المساعدات من خلال الأمم المتحدة، بما يشمل ما لا يقل عن 500-600 شاحنة يوميًا. سكان القطاع لا يستطيعون الانتظار أكثر من ذلك".

صحيفة يديعوت أحرونوت نقلت عن مراسلها العسكري أن "نجاح الخطة الجديدة لا يزال هشًا للغاية"، مشيرًا إلى أن أي فشل في التنفيذ قد يؤدي إلى انفجار شعبي داخل القطاع.

يسرائيل هيوم أفادت نقلًا عن مسؤولين إسرائيليين أن بدء تنفيذ الآلية الجديدة لتوزيع المساعدات سينطلق غدًا، ما يعزز التكهنات حول تعجيل إسرائيل بإعادة ترتيب الوضع الميداني.

قناة "كان" العبرية أكدت أن "الخطة وُضعت منذ ديسمبر 2023 من قبل عسكريين ومدنيين إسرائيليين، وينفذها حاليًا مسؤولون وشركات خاصة أمريكية".
من جه اخرى، كشف تحقيقًا لصحيفة هآرتس أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اختار الشركة الأمريكية دون الرجوع إلى الجيش أو فتح مناقصة، مع وجود شراكة جزئية لرجال أعمال إسرائيليين ضمن هيكلية الشركة نفسها.

الخطة الإسرائيلية-الأمريكية الجديدة لتوزيع المساعدات في غزة تمثل تحولًا جذريًا في إدارة الملف الإنساني في القطاع. ما يُقدَّم كمبادرة إغاثية، يراه مراقبون أداة هندسة سياسية-أمنية لإعادة تشكيل قطاع غزة ما بعد الحرب، عبر أدوات مدنية ذات طبيعة استخبارية وميدانية، مع تهميش ممنهج لدور المؤسسات الدولية.

في ظل هشاشة الأوضاع الميدانية وغموض التمويل والنيات، تثير هذه الخطة قلقًا دوليًا وإنسانيًا متزايدًا، وتعيد طرح تساؤلات كبرى حول الجهة التي ستتولى إدارة غزة بعد الحرب، ومصير أكثر من مليوني إنسان يعيشون تحت الحصار والنار.

التعليقات (0)