الحريديم vs الحكومة: معركة تهدد مستقبل الائتلاف.. و3 سيناريوهات محتملة

profile
  • clock 9 يونيو 2025, 2:32:42 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
مظاهرة للحريديم ضد التجنيد في 2024

متابعة: عمرو المصري

تشهد حكومة بنيامين نتنياهو أشد أزماتها منذ بدء الحرب على غزة في السابع من أكتوبر، إذ تعصف بها الآن أزمة داخلية حادة تتعلق بمشروع قانون تجنيد الحريديم (اليهود المتدينين). ورغم الأحاديث المتكررة عن تقدم في المفاوضات بشأن القانون، تؤكد الأطراف الرئيسية المعنية أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود. وفي الوقت الذي يدفع فيه الجيش الإسرائيلي نحو ضرورة تجنيد المزيد من الجنود لمواصلة الحرب، ترفض الأحزاب الحريدية فرض أي تجنيد إجباري على أبنائها، متمسكة بمبدأ "حماية عالم التوراة". هذه المعضلة تفجرت في وجه نتنياهو في توقيت بالغ الحساسية، إذ أصبحت تهدد استقرار حكومته وبقاءها.

التهديد بتفكيك الحكومة

أحزاب "يهدوت هتوراة" و"شاس" وجهت تهديدًا صريحًا إلى نتنياهو: في حال لم يتم التوصل إلى نص مكتوب ومتفق عليه لقانون التجنيد، فإنهم سيدعمون مشروع قانون لحل الكنيست والتوجه إلى انتخابات مبكرة. ويبدو هذا التهديد جادًا، لا سيما بعد إعلان مجلس كبار الحاخامات التابع لـ"أغودات يسرائيل" تأييده الصريح لحل الكنيست دون شروط. ومع عدم التوصل حتى الآن إلى صيغة مقبولة من الطرفين، يتجه الائتلاف نحو مواجهة داخلية قد تكون مدمرة. الحريديم يرفضون فرض العقوبات بشكل فوري على المتخلفين عن الخدمة، ويطالبون بفترة "تبريد" بين تجاوز أهداف التجنيد وبدء تنفيذ العقوبات. بالمقابل، يصر النائب يولي أدلشتاين (من الليكود ورئيس لجنة الأمن والخارجية في الكنيست) على تطبيق العقوبات مباشرة دون تأخير، في حال عدم تحقيق نسبة التجنيد المطلوبة.

عقوبات رمزية ورفض مبدئي

حتى الآن، وافق الحريديم من حيث المبدأ على فرض نوعين من العقوبات على المتخلفين عن الخدمة: منعهم من الاستفادة من برامج الإسكان المدعومة، وحرمانهم من دعم حضانات الأطفال. إلا أن هذه التنازلات لا ترقى لمطالب معسكر اليمين العلماني أو الجيش، بل تُعتبر رمزية وغير رادعة. الخلاف الحقيقي، كما تشير المصادر، ليس حول نوع العقوبات فقط، بل حول توقيت فرضها وطريقة تنفيذها. هذا ما يجعل تمرير القانون أقرب للمستحيل، ويُعيد الأزمة إلى المربع الأول.

شلل برلماني متصاعد

في سياق التصعيد، لوّح الحريديم بتوسيع مقاطعتهم للتصويت في الكنيست، إذ لم يكتفوا بمقاطعة الجلسات يوم الأربعاء (موعد التصويت على القوانين التمهيدية)، بل يهددون الآن بمقاطعة الجلسات يوم الإثنين أيضًا، حيث تُطرح القوانين الحكومية للقراءة الثانية والثالثة. مثل هذا القرار من شأنه أن يشلّ العمل البرلماني ويُفقد الائتلاف أغلبيته، مما قد يؤدي إلى انهياره. وأصبحت حكومة نتنياهو محاصَرة بين مطالب الحريديم الرافضة للتجنيد، وضغوط الجمهور العلماني الذي يطالب بالمساواة في تحمّل "عبء الأمن". هذه الفجوة بين المكونين الرئيسيين للمجتمع الإسرائيلي تُنذر بانفجار سياسي واجتماعي أوسع، في وقت لا تزال فيه الحرب مستعرة.

معادلة صفرية: الحرب أو التجنيد؟

في خضم هذا الجدل، تدخل كتاب الرأي من التيار الديني-الوطني، وعلى رأسهم محرر صحيفة "بشبع" الدينية، الذي نشر موقفًا صريحًا مفاده أن النصر في الحرب يجب أن يتقدم على مبدأ المساواة في الخدمة العسكرية. إذ كتب: "لا يمكننا تحقيق النصر على حماس وفي الوقت ذاته إجبار الحريديم على الخدمة". هذه المقاربة تعكس إدراكًا متزايدًا لدى بعض أوساط اليمين أن استقرار الحكومة أهم من الدخول في معركة فكرية ضد الحريديم، ولو كانت عادلة من حيث المبدأ. حسب هذا الرأي، فإن إسقاط الحكومة الآن سيقضي على فرصة "النصر" ويهدد بتحقيق مكاسب لحماس.

التباعد بين المجتمعين

تكشف هذه الأزمة عن الشرخ العميق والمتسع بين الحريديم وبقية المجتمع الإسرائيلي. فبالنسبة للحريديم، الحرب ليست مبررًا لتغيير نمط حياتهم، و"عالم التوراة" ينبغي أن يبقى محصنًا حتى في ظل الطوارئ. أما بالنسبة لبقية المجتمع، فقد أصبح الامتناع عن الخدمة العسكرية يُنظر إليه كخيانة للروح الجماعية في وقت تتعرض فيه البلاد لهجوم وجودي. هذا التباعد يتجاوز السياسة إلى مستويات اجتماعية وثقافية، ويُعيد إلى الواجهة الأسئلة القديمة حول دور الدين في الدولة، وحول من يجب أن يدفع ثمن "الديمقراطية اليهودية".

سيناريوهات محتملة

أمام هذه الأزمة، تقف حكومة نتنياهو أمام ثلاثة سيناريوهات رئيسية:

تمرير قانون معدل يرضي الحريديم: يتضمن عقوبات رمزية وتأجيل في التنفيذ، مما يسمح بتجنب الانفجار المؤقت داخل الائتلاف، لكنه يغضب الرأي العام العلماني والجيش.

فشل تمرير القانون وتفكك الحكومة: في حال واصل الحريديم مقاطعة الجلسات ولم يتم التوصل إلى حل وسط، قد تنهار الحكومة وتُجر البلاد إلى انتخابات مبكرة في ظل الحرب.

تجميد الأزمة مؤقتًا: عبر تأجيل التشريع بحجة استمرار العمليات العسكرية، في محاولة لشراء الوقت والحفاظ على تماسك الائتلاف إلى حين انتهاء الحرب.

في كل الأحوال، الأزمة أبعد من كونها خلافًا قانونيًا، بل هي مواجهة على شكل الكيان والمجتمع، وعلى دور الدين في الحكم، وعلى حدود النفوذ السياسي للحريديم الذين يملكون مفتاح بقاء الحكومة أو سقوطها.

التعليقات (0)