-
℃ 11 تركيا
-
12 يونيو 2025
بين التنمية والاستغلال.. مؤتمر نيس للمحيطات ينطلق وسط تحديات مناخية وسياسية
بين التنمية والاستغلال.. مؤتمر نيس للمحيطات ينطلق وسط تحديات مناخية وسياسية
-
9 يونيو 2025, 3:35:44 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
انطلقت فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات (UNOC3) في نيس الفرنسية من 9 إلى 13 يونيو 2025، تحت شعار “تسريع العمل وتحريك جميع الجهات للمحافظة على المحيطات”. تشارك فيه فرنسا (الدولة المضيفة)، بحضور أكثر من 60 زعيم دولة، إلى جانب آلاف المندوبين من الحكومات والمنظمات والجمعيات وأهل العلم، في محاولة لبلورة تنفيذ ملموس للهدف الـ14 من أهداف التنمية المستدامة، بما يشمل الحفاظ على البحار واستخدامها المستدام.
تحديات المناخ والتنمية الزرقاء
تناقش القمة الأزمة الساحقة التي تواجه المحيطات من انعكاسات الاحتباس الحراري، التلوث البلاستيكي، الصيد الجائر، وارتفاع درجة الحرارة وقلّة الأكسجين. ولعل المعضلة الأبرز عدم مطابقة المناطق المحمية على الخريطة مع الواقع على الأرض، إذ لا تزال 2.7–3 % فقط من المسطحات المائية محمية فعليًا، بعيدًا عن الهدف الطموح المتمثل في حماية 30 % بحلول 2030.
كما تستحوذ قضية التعدين في أعماق البحار على قدر من الاهتمام الخفي، سيما في ظل إعلان الولايات المتحدة أواخر أبريل فتح إمكانية منح تراخيص للتنقيب في المياه الدولية، ما أثار غضب الصين والهيئات البيئية الدولية.
الأطر القانونية: دعم معاهدة أعالي البحار
تعتبر المصادقة على معاهدة التنوع البيولوجي في المياه الدولية (BBNJ/High Seas Treaty) حجر الزاوية القانوني للمؤتمر، شرط انضمام 60 دولة، في حين بلغت المصادقات الحالية 50 دولة و15 أخرى أكدت التزامها.
الرئيس الفرنسي ماكرون شدّد على ضرورة حشد توقيعات جديدة، ورفض "بيع أعماق البحار"، بينما الأمين العام غوتيريش حذّر من أن "أعماق البحار لا يمكن أن تتحول إلى غرب أميركي" .
العرب في ساحة نيس: مشاركة ومواقف
شهد المؤتمر حضورًا عربيًا لافتًا، أبرزها:
- الأردن: بعثة برئاسة الملك عبدالله الثاني، ألقى كلمة خلال الحفل الافتتاحي، أبرز فيها ضرورة التصدي للتهديدات المناخية التي تواجه الدول الساحلية .
- دول الخليج وشمال أفريقيا: شاركت بوفود تضم وزراء البيئيّة والطاقة، ممن قدموا عروضًا عن مشروعات "الاقتصاد الأزرق" لتعزيز فرص العمل والاستثمار المستدام في مجالات مثل الاستزراع البحري والطاقة النظيفة، بالتنسيق مع منتدى الاقتصاد الأزرق ومؤسسة UNCITAD .
- الموقف المشترك: دعا الوفد العربي إلى توسيع نطاق حماية المناطق البحرية، وتفعيل أطر الاستثمار والأبحاث العلمية، خاصة لمواجهة ارتفاع مستويات سطح البحر الذي يهدد دول الجزر والسواحل العربية.
صدام المصالح: بين التنظيف وغربلة المصالح
يركّز المؤتمر طموحًا على ثلاثة محاور رئيسية: إضفاء صفة التنفيذ القانوني على معاهدات حماية البحار، تمويل التنمية البحرية بشكل مستدام، وتعزيز المعرفة العلمية للتخطيط والقرار السياسي .
مع ذلك، يواجه هذه الطموحات صراعات سياسية داخلية:
- فرنسا تواجه انتقادات بسبب استمرار "الصيد القاعي" في معظم مناطقها المحمية البحرية (98 %)، وهو ما يهدد موثوقيتها في قيادة التحوّل الأزرق.
- الولايات المتحدة تخلّت رسميًا عن حضور المؤتمر مع غياب موقفها من المعاهدة، وأعلنت عن نيتها استثمارًا تجاريًا في الأعماق البحرية، مما يعد تنكرا للعمل المشترك.
توصيات وتوقعات: ماذا ينتظر “خارطة نيس”؟
بحلول يوليو، من المتوقع أن تُصار إلى "خطة عمل نيس للمحيطات" تُقدّم إلى الأمم المتحدة، لتكون خارطة طريق للتنفيذ. ومع تأجيل الملف الجبّي (التعدين)، تبقى القضايا الأساسية على طاولة البحث:
- حماية 30 % من المسطحات البحرية: بوصفها أحد أهم أهداف الاتفاق، وستشهد متابعة فعلية لترسيخ المحميات البحرية وتفعيل العقوبات للمخالفين.
- معاهدة البلاستيك البحري: وضع أولي لتفاهمات حول قيود النفايات، لا يزال نص مشروعها بحاجة للاتفاق الدولي.
- بدائل اقتصادية: تشجيع أدوات التمويل مثل "السندات الزرقاء" وابتكارات التجارة البحرية، خصوصًا في التعاون مع الدول النامية.
- حوكمة دولية فعالة: ترسيخ دور الهيئة الدولية لقاع البحار لمنع تجزئة السلطة، وضمان العودة عن قرارات أحادية مثل تلك التي أعلنتها واشنطن.
وفي ظل أزمة طبيعية وسياسية متعددة الأبعاد، يفتح مؤتمر نيس الأبواب أمام تحوّل نوعي في إدارة المحيطات. من جهة، يشكل التحرك العربي محاولة لدمج الأجندة البيئية في السياسات الوطنية وتحفيز الإسهامات العلمية والاقتصادية. من جهة أخرى، يظهر التوتر بين طموح التعاقد العالمي وبين التحديات المحلية، سواء في فرنسا أو الولايات المتحدة.
إذا نجحت الدبلوماسية متعددة الأطراف في نيس، فسيكون بوسع العالم أن يرى نموذجًا جديدًا للتنمية المستدامة المرتكزة على المحيطات. أما في حال استمرار الانقسامات وتفكك الإجماع على المعاهدات والاستراتيجيات، فقد يكون مؤتمر نيس مجرد حالة رمزية لا تتجاوز حدود الكلام.










