-
℃ 11 تركيا
-
14 يونيو 2025
أزمة الحريديم تفتح باب الانهيار: هل تسقط حكومة نتنياهو؟
أزمة الحريديم تفتح باب الانهيار: هل تسقط حكومة نتنياهو؟
-
7 يونيو 2025, 12:53:56 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
تشكل أزمة إعفاء طلاب المدارس الدينية (الحريديم) من الخدمة العسكرية الإلزامية الشرارة الأخطر التي تهدد تماسك الائتلاف الحاكم في إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو. فالأحزاب الدينية المتشددة، وعلى رأسها "يهدوت هتوراه" و"شاس"، ترفض رفضًا قاطعًا أي صيغة قانونية تُخضع طلاب المعاهد الدينية للتجنيد، معتبرة أن التعلم في "الييشيفوت" لا يقل أهمية عن الدفاع المسلح في الجيش. ورغم تعهد نتنياهو منذ تشكيل الحكومة بتقديم تشريع يكرّس هذا الإعفاء، إلا أن فشله في تمرير القانون فاقم الاستياء داخل الحريديم، الذين يرون أن مصالحهم الدينية باتت مهددة في ظل تردد الحكومة، ما دفع بكبار الحاخامات إلى إصدار توجيهات علنية للانسحاب من الائتلاف.
ما يجعل هذه الأزمة مختلفة عن سابقاتها هو أن التهديدات الحريدية هذه المرة لم تعد مجرد أوراق ضغط تفاوضية، بل أخذت طابعًا وجوديًا يتعلق بهوية الدولة وأولوياتها. إذ إن تمرير قانون تجنيد صارم قد يهدد البنية الاجتماعية للطائفة الحريدية، بينما التراجع عنه قد يشعل غضب التيارات العلمانية، ويضع الحكومة في مواجهة مباشرة مع المحكمة العليا. وسط هذا التوازن الهش، تبدو الحكومة وكأنها تمشي على حافة الهاوية.
شرخ في قلب الائتلاف: عندما ينهار الداخل قبل هجمات المعارضة
الائتلاف الحكومي الذي يقوده نتنياهو يتألف من مزيج غير متجانس من الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة واليمينية التقليدية. هذا التباين الأيديولوجي كان دومًا مصدرًا للتوتر، لكنه بات الآن على وشك الانفجار بسبب ملف التجنيد. فقد تلقى حزب "ديغل هتوراه"، وهو أحد فصيلي "يهدوت هتوراه"، تعليمات مباشرة من الحاخامات بالخروج من الحكومة، بينما لمّح فصيل "أجودات يسرائيل" إلى إمكانية تبني موقف مماثل.
اللافت أن هذه التهديدات لم تأتِ فقط من أطراف هامشية داخل الطيف الحريدي، بل من قيادات مركزية، ما يعني أن القرار السياسي لم يعد بيد النواب المنتخبين فقط، بل بات محكومًا بتوجيهات المرجعيات الدينية. هنا تتجلى هشاشة البنية السياسية الإسرائيلية، التي تسمح لطائفة صغيرة ذات وزن ديموغرافي محدود بفرض معادلات حاسمة على الحكومة المركزية.
وإذا ما قررت هذه الأحزاب الانسحاب الفعلي، فإن حكومة نتنياهو ستفقد أغلبيتها البرلمانية المريحة، مما يجعلها حكومة أقلية، مفتوحة على احتمالات السقوط في أي لحظة أمام مقترح لحل الكنيست.
المعارضة تترقب لحظة الانقضاض: حسابات ما بعد الانشقاق
في ظل هذا التصدع الداخلي، تسعى المعارضة بقيادة حزب "يش عتيد" بزعامة يائير لابيد إلى استغلال الفرصة التاريخية لإسقاط حكومة نتنياهو. وقد بادر الحزب مؤخرًا بتقديم مشروع قانون لحل الكنيست، من المقرر التصويت عليه في جلسة 11 يونيو، في خطوة تهدف إلى جرجرة إسرائيل نحو انتخابات مبكرة قبل موعدها المقرر في خريف 2026.
لكن تمرير هذا المقترح يظل رهينًا بلعبة الأرقام داخل الكنيست. إذ إن المعارضة، رغم قوتها التنظيمية، لا تملك وحدها أغلبية 61 صوتًا اللازمة لإقرار القانون، ما يجعلها في حاجة ماسة إلى دعم عدد من النواب المنشقين عن الائتلاف، وعلى رأسهم نواب الحريديم الغاضبين.
التحرك المعارض ليس تكتيكيًا فقط، بل يحمل دلالة على إدراكهم العميق بأن الحكومة بلغت درجة من التآكل الداخلي تجعلها عاجزة عن الاستمرار، خصوصًا في ظل تراجع شعبيتها بسبب تداعيات الحرب على غزة والضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة.
نتنياهو في الزاوية: إنكار الأزمة وتكتيك كسب الوقت
رغم التصدعات الواضحة في حكومته، يصر بنيامين نتنياهو على إنكار الأزمة، والتصرف كما لو أن الوضع تحت السيطرة. فالرجل الذي أتقن إدارة التحالفات الهشة على مدى عقود، لا يزال يراهن على "تكتيك الوقت"، عبر تقديم وعود مبهمة للحريديم، ومحاولة تأجيل التصويت على قانون التجنيد أو تمريره بصيغة ملتبسة تُرضي الجميع مؤقتًا.
لكن هذه الاستراتيجية لم تعد فعالة كما في السابق. فالشارع الإسرائيلي بات أكثر استقطابًا، ومعارضة الإعفاءات الحريدية تتزايد بين الجمهور العلماني. ومن جهة أخرى، لم يعد الحريديم مستعدين لقبول تنازلات على حساب هويتهم، ما يجعل مناورات نتنياهو محدودة الجدوى.
الاجتماعات العاجلة التي يعقدها مع قيادات الأحزاب الحريدية، والاتصالات المحمومة داخل الائتلاف، تشير إلى إدراكه العميق لخطورة اللحظة، لكنه لا يملك حتى الآن حلاً سحريًا يُرضي الجميع ويمنع الانهيار.
هل تسقط الحكومة فعلًا؟ السيناريوهات الممكنة
السيناريو الأكثر ترجيحًا في حال انسحاب الحريديم هو تحول الحكومة إلى صيغة أقلية، ما يجعلها عُرضة للسقوط في أي لحظة أمام تصويت بحجب الثقة أو اقتراح حل الكنيست. وقد تختار بعض الفصائل الحريدية الانسحاب الرمزي دون دعم مشروع المعارضة، كخيار يُبقيهم في موقف المراقب ويتيح لهم العودة لاحقًا إلى تحالف جديد.
أما السيناريو الثاني، فهو التوصل إلى تسوية جزئية تضمن تأجيل القانون وتهدئة الشارع الحريدي مؤقتًا، وهو ما يمنح نتنياهو فرصة لكسب مزيد من الوقت، لكنه لن يزيل التهديد القائم، بل يؤجل انفجاره إلى مرحلة لاحقة.
السيناريو الثالث، وهو الأقل احتمالًا لكنه الأكثر دراماتيكية، يتمثل في توافق حقيقي بين الحريديم والمعارضة على حل الكنيست، ما يعني الذهاب لانتخابات مبكرة في أجواء مشتعلة، وسط تآكل شعبية نتنياهو وصعود أسماء جديدة مثل ليبرمان ونفتالي بينيت في استطلاعات الرأي.
الأزمة أعمق من قانون التجنيد
في نهاية المطاف، لا يمكن النظر إلى أزمة الحريديم وقانون التجنيد باعتبارها خلافًا تقنيًا داخل البرلمان، بل هي مرآة لأزمة بنيوية في النظام السياسي الإسرائيلي، حيث تتقاطع الانقسامات الدينية والاجتماعية والسياسية في لحظة حرجة من تاريخ الكيان.
حكومة نتنياهو تقف اليوم على مفترق طرق حاسم، بين محاولة الحفاظ على تحالفها الهش بأي ثمن، أو مواجهة استحقاق الانهيار والذهاب إلى انتخابات لا يمكن التنبؤ بنتائجها. وإذا كانت المعارضة عاجزة عن حسم الأمور وحدها، فإن مفتاح التغيير هذه المرة قد يكون في يد الحاخامات، لا السياسيين.








