-
℃ 11 تركيا
-
12 يونيو 2025
مفاوضات غزة المعلقة: لماذا تنهار رغم الضغوط الأمريكية؟
لا اتفاق قريب.. والاحتلال ماضٍ في الإبادة
مفاوضات غزة المعلقة: لماذا تنهار رغم الضغوط الأمريكية؟
-
7 يونيو 2025, 12:22:27 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
تراوح مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في قطاع غزة مكانها منذ شهور، دون أن تلوح في الأفق أي مؤشرات حقيقية على اختراق قريب. وبينما تواصل إسرائيل فرض شروطها التعجيزية، تنحاز الإدارة الأمريكية بشكل فجّ إلى الرواية الإسرائيلية، فيما تبدو الوساطات العربية—خصوصًا القطرية والمصرية—عاجزة عن كسر الجمود القائم. وبين هذا وذاك، تستمر المعاناة في قطاع غزة، ويتعاظم الإحباط لدى الشعوب العربية، وحتى داخل الأوساط الأمريكية، من غياب أي تقدم ملموس.
المبعوث الأمريكي.. زيارات معلّقة وأولويات متداخلة
أحدث فصول هذا الجمود تمثّلت في الحديث عن إمكانية زيارة جديدة للمبعوث الأمريكي الخاص، بريت ماكغورك (المعروف داخل الدوائر الإسرائيلية باسم "ويتكوف")، في مسعى أمريكي متأخر لممارسة ضغوط مباشرة على الطرفين. إلا أن تقارير إسرائيلية، أبرزها من قناة "كان"، تشير إلى أن الزيارة لم تحدد بعد، وهناك شكوك جدّية حول فاعليتها حتى لو تمت، خصوصًا مع انشغال ماكغورك بملفات أخرى أكثر أولوية بالنسبة لواشنطن، كالمسألة الإيرانية، وملف لبنان واليمن.
هذه الحقيقة تكشف مجددًا التوظيف الانتهازي لملف غزة من قبل واشنطن، التي لم تُبدِ حتى الآن أي جدّية في انتزاع تنازلات حقيقية من الحكومة الإسرائيلية. بل على العكس، تواصل إدارة بايدن الضغط على حماس، وتحملها وحدها مسؤولية فشل الاتفاق، في تجاهل كامل لغياب أي ضمانات متعلقة بوقف دائم للحرب، وهو المطلب الأساسي والشرعي للحركة.
التعديلات الشكلية.. والمبادرة العاجزة
بحسب القناة الإسرائيلية، قد تكون هناك إمكانية لإدخال "تعديلات طفيفة" على المبادرة الأمريكية الحالية، إن قررت الأطراف الراعية (أي قطر ومصر والولايات المتحدة) المضي قدمًا بذلك. لكن من الواضح أن هذه التعديلات—إن حصلت—لن تمس جوهر الإشكالية: إصرار إسرائيل على مواصلة الحرب، ورفضها تقديم أي التزام بوقف دائم لإطلاق النار، أو احترام تسلسل زمني واضح لعملية تبادل الأسرى والمراحل السياسية التي ستلي ذلك.
حركة حماس قدمت بالفعل ملاحظات تفصيلية على بنود المبادرة، مطالبة بصياغات صريحة تضمن هدنة دائمة، وتحدد مراحل تبادل الأسرى بوضوح يمتد على 60 يومًا بعد التهدئة. إلا أن الرد الإسرائيلي والأمريكي جاء بالرفض القاطع، وهو ما أعاد المفاوضات إلى نقطة الصفر. في هذا السياق، لا يمكن اعتبار المبادرة الأمريكية أكثر من مجرد محاولة لإعادة إنتاج إخفاقات الماضي، مع تعديلات لفظية لا تغيّر من المضمون السياسي للمقاربة الأمريكية: شرعنة السقف الإسرائيلي.
وساطة عربية في مهبّ الريح
الدور القطري والمصري، على أهميتهما الرمزية، يواجه اليوم مأزقًا مزدوجًا: العجز عن التأثير في الموقف الإسرائيلي، والفشل في إقناع واشنطن بتبنّي نهج أكثر توازنًا. فعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها الدوحة والقاهرة، خصوصًا على خطوط الاتصال المفتوحة مع قيادة حماس، إلا أن غياب أدوات الضغط الفعلية—خصوصًا على الاحتلال—يجعل هذه الوساطات تدور في حلقة مفرغة. والأدهى من ذلك، أن بعض الأوساط الأمريكية تنظر إلى الدور القطري كأداة ضغط بالوكالة على حماس، بدلًا من أن يكون وسيطًا حياديًا فعليًا.
هذا الواقع يطرح سؤالًا مشروعًا: ما جدوى هذه الوساطات إذا كانت وظيفتها تقتصر على نقل الرسائل الأمريكية، بدلًا من اقتراح حلول حقيقية تتوازن مع حقوق الفلسطينيين؟ وإذا كانت مصر وقطر غير قادرتين على فرض حتى الحد الأدنى من التعديلات على المبادرة، فما الذي تبقى من مفهوم "الوساطة" أصلًا؟
المقاومة كعامل ضغط ميداني: جدوى محدودة أم رافعة ضرورية؟
بالتوازي مع الجمود السياسي، تصعّد حركة حماس وكتائب القسام من عملياتها الميدانية ضد قوات الاحتلال، خصوصًا في رفح وخان يونس، وبيت لاهيا. هذه العمليات، التي أوقعت قتلى وجرحى في صفوف الجنود الإسرائيليين، يعوّل عليها بعض المحللين كأداة ضغط على حكومة نتنياهو، التي تواجه تصاعدًا في الاحتجاجات الشعبية، وضغوطًا داخلية متزايدة.
لكن هذا التعويل لا يخلو من مبالغة. فبينما تشكّل العمليات ضاغطًا عسكريًا ومعنويًا، إلا أن مفعولها يبقى محدودًا في غياب ضغط سياسي خارجي مؤثر. كما أن حكومة الاحتلال، التي تتمسك بسردية "القضاء على حماس"، تستخدم هذه العمليات لتبرير استمرار الحرب، لا لإنهائها. ومع ذلك، لا يمكن التقليل من أهمية استمرار المقاومة، التي تحفظ التوازن الميداني وتُبقي على كلفة الحرب مرتفعة بالنسبة لإسرائيل.
مأزق المبادلة: من يساوم على من؟
النقطة المحورية في المفاوضات تبقى ملف الأسرى. حماس تطالب بمبادلة ما تبقى من الأسرى الإسرائيليين (نحو 57 محتجزًا) مقابل إطلاق سراح أكثر من 1200 أسير فلسطيني، وفق مقترحات مختلفة. أما إسرائيل، فتصر على إفراج مشروط، ومجزأ، دون تقديم أي مقابل سياسي أو وقف دائم لإطلاق النار.
هذه المعادلة المجحفة تحوّل عملية التبادل من صفقة متكافئة إلى ابتزاز سياسي مفضوح. ومن المدهش أن واشنطن تدعم هذا المنطق، بل وتضغط على حماس للقبول به، في ما يبدو كتمكين إضافي للاحتلال بدلًا من إلزامه بأي استحقاق سياسي أو أخلاقي. بل إن واشنطن، عبر مبعوثها ويتكوف، ما تزال تتمسك بالمبادرة الأمريكية كما طُرحت، دون تعديل، رغم تآكل صدقيتها داخل المنطقة.
رهانات واشنطن.. وعقارب الوقت في غير صالحها
في الوقت الذي تراهن فيه الإدارة الأمريكية على "تعب" حماس من طول الحرب، وعلى قدرة الوسطاء العرب على جرّ الحركة نحو تنازلات إضافية، تتزايد الشكوك في مدى فعالية هذه الرهانات. فحماس أعلنت مرارًا أنها قدمت ما يكفي من المرونة، وأنها لن تتنازل عن مطلبها بوقف الحرب الكامل، وضمانات دولية تمنع استئناف العدوان.
في المقابل، يظهر أن إسرائيل تراهن على عامل الوقت لتفكيك جبهة المقاومة، واستنزاف الحاضنة الشعبية للحركة داخل القطاع. أما الولايات المتحدة، فبين انشغالها بملفات إقليمية أخرى، وتراجع حماستها لمواصلة الضغط، يبدو أن نفوذها يتآكل ببطء في الملف الفلسطيني، لا سيما مع تنامي التذمر من موقفها المنحاز داخل المجتمع الدولي وحتى بين بعض دوائر القرار الأمريكية.
في ضوء المعطيات الراهنة، لا يبدو أن المفاوضات قادرة على كسر الجمود القائم، في ظل تشدد إسرائيلي، وتواطؤ أمريكي، وعجز عربي. وما لم تُفرض مقاربة جديدة تعترف بحقوق الفلسطينيين، وتُلزم الاحتلال بتقديم تنازلات حقيقية، فإن كل المبادرات ستبقى رهينة المماطلة، فيما تبقى غزة وحيدة في مواجهة آلة القتل والحصار.










