أمر هيجسيث بإلغاء الأسلحة المخصصة لأوكرانيا يفاجئ البيت الأبيض

profile
  • clock 6 مايو 2025, 2:28:12 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث يراقب الرئيس دونالد ترامب أثناء إلقائه كلمة في المكتب البيضاوي، 21 مارس 2025. رويترز

بعد نحو أسبوع فقط من بدء دونالد ترامب ولايته الثانية كرئيس للولايات المتحدة، أصدرت القيادة العسكرية الأميركية أمرًا لثلاث شركات شحن جوي تعمل انطلاقًا من قاعدة دوفر الجوية في ديلاوير وقاعدة أمريكية في قطر، بوقف 11 رحلة محملة بقذائف مدفعية وأسلحة أخرى كانت متجهة إلى أوكرانيا. في غضون ساعات، بدأت تساؤلات عاجلة تصل إلى واشنطن من مسؤولين أوكرانيين في كييف ومسؤولين في بولندا حيث تُنسق الشحنات، وجميعهم يسألون: من الذي أمر قيادة النقل الأميركية "TRANSCOM" بوقف الرحلات؟ هل هذا وقف دائم لكل المساعدات أم أنه يقتصر على بعض الشحنات فقط؟ في تلك اللحظات، لم يتمكن كبار المسؤولين في الأمن القومي – في البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية – من تقديم إجابات واضحة. ولكن بعد أسبوع واحد، استؤنفت الرحلات مجددًا.

أمر شفهي من مكتب وزير الدفاع وراء القرار

تُظهر سجلات "TRANSCOM" التي اطلعت عليها وكالة رويترز أن الأمر الشفهي بوقف الرحلات جاء من مكتب وزير الدفاع بيت هيغسث، بعد اجتماع عقده ترامب في المكتب البيضاوي يوم 30 يناير لمناقشة الملف الأوكراني، بحضور هيغسث ومسؤولين آخرين كبار في الأمن القومي. وأفاد مصدران مطلعان على الاجتماع أن فكرة وقف المساعدات ظهرت خلال النقاش، لكن الرئيس لم يصدر أي أمر بوقف الدعم. في الواقع، لم يكن ترامب على علم بالأمر الذي أصدره هيغسث، ولم يكن أي من كبار المسؤولين الأمنيين في الاجتماع يعلم به، بحسب ثلاثة مصادر مطلعة على فحوى النقاشات في البيت الأبيض.

وعندما طُلب من البيت الأبيض التعليق على الأمر، قال للوكالة إن هيغسث تصرف وفق توجيهات من ترامب لوقف الدعم مؤقتًا، مشيرًا إلى أن ذلك كان موقف الإدارة في حينه. إلا أن البيت الأبيض لم يوضح لماذا لم يكن مسؤولو الأمن القومي المعنيون باتخاذ القرار على علم بالأمر، ولا لماذا تم التراجع عنه بهذه السرعة.

خسائر بالملايين وحالة من الارتباك المؤسسي

أدى وقف الرحلات إلى تكبد قيادة النقل العسكرية الأميركية خسائر بلغت 2.2 مليون دولار، بحسب الوثائق التي راجعتها رويترز. وأوضحت "TRANSCOM" لاحقًا أن المبلغ النهائي بلغ 1.6 مليون دولار، إذ أن إحدى الرحلات الملغاة لم تتحمل أي تكلفة. وبعد شهر تقريبًا، وتحديدًا في 4 مارس، صدر إعلان رسمي من البيت الأبيض بوقف المساعدات العسكرية التي تم التصريح بها في عهد إدارة بايدن.

ما كشفته رويترز حول هذه الحادثة يعكس حالة من التخبط في عملية صناعة القرار داخل إدارة ترامب، وهي بنية قيادية غير واضحة حتى بالنسبة لأعضائها. كما أن توقف الرحلات لأيام يؤشر إلى غياب التنسيق في تنفيذ السياسات الأمنية القومية. وداخل البنتاغون، يبدو أن هذه الفوضى باتت معروفة ضمنيًا، حيث أشار كثير من المسؤولين الحاليين والسابقين إلى أن الوزارة تعاني من انقسامات داخلية، وصراعات شخصية، وتعيينات لموظفين يفتقرون للخبرة في السياسة الخارجية.

أوكرانيا تصطدم بجدار الصمت

بدأ المسؤولون الأوكرانيون والجهات الأوروبية في الاستفهام عن الأمر منذ 2 فبراير، وفقًا لمصدرين، وأكدت سجلات "TRANSCOM" أن أمرًا شفهيًا من "وزير الدفاع" كان السبب في وقف الرحلات، والتي استؤنفت بحلول 5 فبراير. وقال مارك كانسيان، وهو ضابط سابق في مشاة البحرية وخبير دفاعي: "هذا يتماشى مع فلسفة الإدارة في التحرك السريع، وتحطيم القواعد، ثم تسوية الأمور لاحقًا. هذا جيد في وادي السيليكون، لكن عندما تتعامل مع مؤسسات عمرها قرون، ستصطدم بالمشكلات".

وكان لهذا التوقف أثر بالغ في كييف، إذ سارع الأوكرانيون لطلب توضيحات من الإدارة الأميركية عبر قنوات متعددة، دون الحصول على معلومات مفيدة. وفي اتصالات لاحقة، أرجعت الإدارة التوقف إلى "اعتبارات سياسية داخلية"، وفقًا لمسؤول أوكراني مطلع. ولم يصدر أي تعليق من الحكومة الأوكرانية للرد على استفسارات رويترز.

غياب التنسيق في تنفيذ سياسة الأمن القومي

تتطلب عملية شحن الأسلحة الأميركية إلى أوكرانيا توقيعًا وموافقة من عدة وكالات، وقد تستغرق أسابيع أو شهورًا حسب حجم الشحنة. ويُنقل الجزء الأكبر من المساعدات عبر مركز لوجستي في بولندا قبل تسلمها من الجانب الأوكراني. لا تُعرف تفاصيل دقيقة حول ما إذا كانت الرحلات الـ11 هي الوحيدة المقررة في ذلك الأسبوع من فبراير، أو ما إذا كانت هناك شحنات أخرى مخزنة في بولندا استمرت في التدفق رغم وقف الأوامر.

تأتي هذه التطورات في ظل توتر داخل وزارة الدفاع، حيث جرى طرد عدد من كبار مستشاري هيغسث في 15 أبريل، بعد اتهامهم بتسريب معلومات سرية، ويخضع الوزير نفسه لتحقيقات من الكونغرس بشأن اتصالاته الداخلية. وتشير الوثائق إلى أن الشحنات التي تم إيقافها كانت ضمن مساعدات سبق أن وافق عليها الكونغرس في عهد بايدن.

سوء تفسير للأوامر أم محاولة للتأثير على السياسة؟

لم يتضح ما إذا كان هيغسث أو مساعدوه يدركون تبعات الأمر الذي أُصدر لوقف الرحلات، أو أنه سيشكل تحولًا كبيرًا في سياسة الدعم الأميركي لأوكرانيا. وذكرت ثلاثة مصادر أن الوزير أساء تفسير نقاشاته مع ترامب بشأن سياسة أوكرانيا. كما أشارت أربعة مصادر أخرى إلى أن عددًا من المستشارين داخل البنتاغون – وهم غالبًا غير متمرسين في العمل الحكومي – نصحوه بالنظر في وقف المساعدات، وبعضهم يعارض دعم أوكرانيا منذ سنوات.

ونفى مصدران وجود نية حقيقية لقطع المساعدات، واعتبرا أن ما حدث كان "توقفًا لوجستيًا"، وأوضح أحدهم: "كان الهدف فهم ما يجري، لكن الآخرين فسروا الأمر خطأ على أنه وقف كامل لكل شيء".

مذكرة غير مصرح بها في اجتماع حاسم

قال مصدران مطلعان إن هيغسث دخل إلى اجتماع 30 يناير في المكتب البيضاوي ومعه مذكرة أعدها مستشاروه، تحثه على الدفع باتجاه وقف تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا لكسب ورقة تفاوضية في محادثات السلام مع روسيا. وشهد الاجتماع حضور مستشار الأمن القومي مايك والتز، والمبعوث الأوكراني كيث كيلوغ، وتناول اللقاء السياسة الأميركية تجاه روسيا وأوكرانيا، بما في ذلك احتمال تشديد العقوبات على موسكو.

ومنذ بدء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022، أرسلت الولايات المتحدة مليارات الدولارات من الدعم العسكري، غالبيته تم خلال عهد بايدن، لكن بعض الشحنات كانت لا تزال في الطريق خلال صيف هذا العام.

إدارة مشوشة وغياب محاسبة

ورغم أن ترامب هدد مرارًا خلال حملته بوقف المساعدات، فإنه لم يتخذ هذه الخطوة رسميًا. وخلال الاجتماع، رفض مرة أخرى إصدار أمر مباشر بوقف الشحنات. وعلى الرغم من ذلك، تم إلغاء الرحلات من دون التنسيق المعتاد بين وكالات الأمن القومي. وأكدت ثلاثة مصادر أن الأمر لم يخضع للنقاش الرسمي أو الموافقة الرئاسية، كما لم تُنسق مع شركات الشحن.

وجاء التوقف بينما كانت القوات الأوكرانية تعاني من صعوبات على جبهات القتال، خاصة في شرق البلاد ومعركة منطقة كورسك الروسية. وأفاد مصدران بأن مستشاري ترامب علموا بالأمر وتباحثوا معه بشأن استئناف الشحنات. وبحلول ذلك الوقت، كانت 11 رحلة قد أُلغيت. ومع أن بعض وسائل الإعلام تناولت القصة، فإن دور هيغسث لم يُكشف حتى الآن.

مستشار الأمن القومي يتدخل وسط تصاعد الخلافات

لم يُعرف ما إذا كان ترامب قد واجه أو وبّخ هيغسث، لكن مصدرًا أفاد بأن مستشار الأمن القومي مايك والتز تدخل لاحقًا لعكس القرار. ومن اللافت أن والتز أُقيل الخميس الماضي، ومن المتوقع أن يُرشح كسفير أميركا لدى الأمم المتحدة.

دخلت إدارة ترامب الثانية وسط انقسامات داخلية واضحة. فعلى الرغم من استمرار تدفق المساعدات في بداية ولايته، تعهد بالسعي لإنهاء الحرب، أو على الأقل التوصل إلى هدنة. وبدأ مبعوثوه كيلوغ وويتكوف مفاوضات مع الطرفين، بينما انشغل بعض مستشاري هيغسث بإعداد مقترحات لسحب الدعم الأميركي.

انقسامات داخلية وصراع تيارات

هؤلاء المستشارون ينتمون إلى تيار مناهض للتدخل الخارجي، وقد خدم بعضهم سابقًا كمستشارين لنواب جمهوريين يروجون لسياسة "أميركا أولًا"، ويدعون إلى تقليص الالتزامات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط وأوروبا. ويشاركهم الرؤية نائب الرئيس جاي دي فانس، ويؤيد بعضهم التركيز على مواجهة الصين بدلاً من روسيا.

وأثارت هذه الرؤية جدلاً داخل الإدارة، خصوصًا مع محاولات الوساطة للسلام. واعتبر مسؤولون أن دعوات الانسحاب الأميركي أزعجت المسؤولين الأوكرانيين وسببت ضغطًا على الحلفاء الأوروبيين. ويأتي هذا في وقت وقّعت فيه واشنطن اتفاقًا مع كييف للحصول على حقوق المعادن النادرة كنوع من تعويض التكاليف.

ومن بين هؤلاء المستشارين دان كالدويل، الذي طُرد من البنتاغون بتهمة تسريب معلومات، وهو ما ينفيه. وكان يشغل منصب كبير مستشاري هيغسث.

ورغم توقف الشحنات في فبراير ومارس، استؤنف لاحقًا إرسال ما تبقى من المساعدات التي أقرتها إدارة بايدن، دون إعلان أي سياسة جديدة حتى الآن.

المصادر

رويترز

التعليقات (0)