مصطفى إبراهيم يكتب: الجوع والدمار في غزة.. وأميركا والغرب يشاهدان

profile
أ. مصطفى إبراهيم كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
  • clock 3 أغسطس 2025, 1:56:13 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

على أبواب الشهر الـ23 لحرب الإبادة، ما زال العالم، والدول الداعمة لدولة الاحتلال، أميركا والغرب، مستمرين في متابعة ومشاهدة الجوع والدمار والقتل والتهجير في غزة، وإنزال المساعدات من الجو للمجوّعين، ولم تهزهم أهوال صور الهياكل العظمية التي أصبح عليها حال الأطفال والفئات العمرية المختلفة من الفلسطينيين.

في غزة، انتظار الموت أكثر رعباً من أي شيء اختاره الإنسان. ما زالت لدي مخاوف كثيرة من الحرب، وأشياء أكثر للتعبير عن خوفي في هذه المنطقة الصغيرة من العالم.
أشعر بالاختناق والموت في كل لحظة، ومع سماع صافرات الصواريخ والانفجارات المتتالية بين ثانية وأخرى، فنحن وسط الدمار والموت الذي ينتشر بيننا، ونعيش أوجاع الفقدان والخوف.
وتحوّلت أحلام الناس البسيطة إلى مستحيلة، هكذا نختصر حياتنا في هذه البقعة الصغيرة من العالم الذي جرّدنا من إنسانيتنا وما زال يدّعي الإنسانية وقيم العدالة.

فالحياة في غزة كانت قاسية، والآن أصبحت أكثر قسوة، ليس على الضعفاء والأطفال فقط، بل على الجميع، وأصبحنا جميعاً الأكثر هشاشة، ولم يساعدنا أحد في مدّ طوق النجاة، في ظل الأهوال التي يعيشها الفلسطينيون وترافقهم مشاعر الخيبة والتواطؤ والعجز والصمت.

أن يتخلى العالم عنا، وأن يشاهد الموت ببث مباشر، ورغم ذلك لا يحدث شيء، ألا يدفع موت طفل، بل آلاف الأطفال في بث مباشر، العالم إلى التحرك؟
كيف لا تتوقف الساعة عن الدوران أو تحدث معجزة ما؟ كيف يموت طفل من الجوع أو يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت الردم من دون أن ينتفض العالم حزناً أو تغضب السماء وجعاً؟ كيف يموت الأطفال ببطء وسهولة؟

كان وما زال الناس يشعرون بعد كل مجزرة بأن هذه هي النهاية، وسيحصل شيء يغيّر الحال ويوقف الحرب. مجازر وحشية مرت، وعائلات أُبيدت، لكنها مضت، وأصبحت مأساتنا اعتيادية.

يُشَبّهون الموت جوعاً بالتمثيل والكذب. الصحافة الإسرائيلية سخرت من فكرة أن إسرائيل تُجَوِّع غزة، حتى ظهرت صورة الأسير الإسرائيلي نمرود كوهين جائعاً وهزيلاً، فصدقوا فجأة أن هناك جوعًا، وأصبحوا إنسانيين.
الفلسطينيون لا وجود لهم في العقل والخطاب الإسرائيلي كأشخاص أحياء. هم إما تجلٍّ لأنانية داخلية، أو فزّاعة خيالية، لا يُنظر إليهم كضحايا، بل كأرقام أو تصنيفات.

حين يُصوَّر طفل مريض كضحية جوع، يغضب الإسرائيليون: لا يمكن أن يكون الاثنين معاً! ولا يعترفون بضحايا إلا إن طابقت حالتهم شروطاً دقيقة.

في ظل الكارثة الإنسانية الأكبر في التاريخ الحديث الحاصلة في غزة، إثر الدمار والتجويع والموت، وحقيقة أن الأوروبيين بمعظمهم يُلقون على إسرائيل المسؤولية الكاملة على هذه الكارثة، كان بالإمكان توقُّع أن يُمارس قادة أوروبا ضغطاً من أجل تحريك الناتو.

وحسب الباحث في العلاقة بين الجيش والمجتمع في إسرائيل، البروفيسور ياغيل ليفي، في مقاله في صحيفة “هآرتس”، قال: إنّه كان بإمكان الغرب أن يحصل على إيحاء من إسرائيل نفسها. فقبل أسبوعين فقط، عملت كأنها مندوبة المجتمع الدولي وطبّقت مبدأ “المسؤولية في الدفاع” (الذي أقرّته الأمم المتحدة عام 2005)، بمهاجمة سوريا كي تدافع عن الدروز، بعدما فشل الحكم في دمشق في الدفاع عنهم.

وفي حالة غزة، ثمّة شكّ إذا كان سيفكّر أحد ما بمهاجمة إسرائيل أو حتى فرض إغلاق جويّ عليها، أو القيام بعملية صغيرة ضدها، مثل نشر قوات تفصل بين الغزيين والجيش الإسرائيلي. ففي هذه الحالة، لن تجرؤ إسرائيل على الأرجح على مقاتلة قوات غربية، حتى لو دعا وزراء إلى ذلك.

وأضاف ليفي أن لا أحد في الغرب سيفكّر بذلك، إذ إن إسرائيل تتمتع بحماية أميركية، ولا تزال تُعتبر جزءاً من الغرب، وجزءاً من الستار الحديدي مقابل العالم الإسلامي، وكدولة يجب التعامل برأفة معها بسبب صدمة 7 أكتوبر التي تُثير ذاكرة المحرقة.
والولايات المتحدة والغرب سيستمرون بمشاهدة الجوع والدمار والقتل والتهجير، وكذلك الأطفال الذين يُدفنون في غزة ويدفنون معهم الهوية الأخلاقية الإسرائيلية.

ليس بإمكان إسرائيل الادّعاء بشكل مقنع أنها لا تنفذ هنا عملية تجويع ممنهجة، لأن معظم الخبراء الدوليين يرصدون أسلوب عمل واضحاً، ولأن وزراء وجنرالات متقاعدين إسرائيليين يصرّحون منذ بداية العدوان دعماً لتجويع منهجي. كما أن تحذيرات مسبقة تعالت من جانب منظمات دولية، وأيضاً من داخل المداولات التي عقدها جهاز الأمن الإسرائيلي نفسه.

مع انهيار المفاوضات وانتظار القرار الإسرائيلي بتوسيع الحرب واحتلال قطاع غزة بالكامل أو فرض حصار ، وعلى إثر المطلب الأميركي الواضح بتسهيلات، خضع نتنياهو للضغط، وعمل سريعاً من أجل تغيير السياسة الإسرائيلية من أساسها، بمنح هُدن إنسانية، وفتح طرق لحركة قوافل شاحنات الإغاثة، وحتى إنزال مساعدات بواسطة سلاح الجو الإسرائيلي، رغم أن فائدته ضئيلة.

وطبعاً، حتى اللحظة لم يتغير شيء، ولم تدخل المساعدات وتُنهب، والعالم يشاهد خداع نتنياهو الذي سيقول لشركائه في اليمين الخلاصي إنه قريباً، وبعد أن يُصالح ترامب، سيتمكن من شنّ عملية عسكرية حاسمة ضد حماس.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)