-
℃ 11 تركيا
-
13 أغسطس 2025
محمد فياض يكتب: السلوك الديموغرافي.. وهندسة الفقر
محمد فياض يكتب: السلوك الديموغرافي.. وهندسة الفقر
-
12 أغسطس 2025, 9:29:15 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في النظرية التقليدية للقوة يكون الوزن النسبي لعدد السكان من أهم البناءات التي يمكن قياس القوة بالإستناد إليها.وكانت الكثرة العددية حافزاً للدول كي تخرج للتوسع على حساب جيرانها بما وطّدَ ترسيخ المفهوم الجيوجغرافي ذهاباً إلى الجيوسياسية التي مكنت الامبراطوريات القديمة من فرض وجودها. في حين يعتقد بعض الفلاسفة والمفكرين أن الديموغرافية السياسية شكلت عبئاً ثقيلاً على البلدان التي أصيبت بالخصوبة فازدادت المواليد ومع التقدم العلمي وتحسن الصحة ارتفعت أعمار البشر وقلت الوفيات.. وفضلاً عن تدخل الدولة أو الحكومة في إحداث تغيرات في تركيبة السكان وتسكين الشعب في تقسيمات مناطقية وعقائدية وطبقية بالقطع.الأمر الذي جعل من الهجرة الداخلية أو الخارجية سبباً رئيساً في تغير بنيوية الشخصية السكانية للشعب الواحد.
وظهرت في السنوات الأخيرة قناعات مغايرة تماماً قادت إلى التدخلات السياسية لتحديد التعداد السكاني والسيطرة على الإنجاب وفي حال عدم قدرة الأنظمة الحاكمة على جني ناتج ماذهبت إليه عبر عشرات السنين وما أنفقته من أموال طائلة لتقليص عدد المواليد بما فاقم من المشكلة الضاغطة على الإقتصاد..هكذا تم التسويق..لتنحرف الرغبة الإمبريالية والصهيونية لتفعيل آليات التدخل الناعم لحصار الخصوبة بالأدوية.الا أن الملاحظ عدم جدوى السلوك الديموغرافي وإن تم التدخل بالحرب الفيروسية. وظلت لسنوات وعقود طويلة مضت يربط المفكرون معدلات التنمية والتقدم بخفض القدرة على الإنجاب.. وبمراجعة إحصاءات القرن العشرين من بداياته حتى أوائل التسعينيات منه نقف على حقيقة تنسف كل مدعاه بأن السلوك الديموغرافي الآخذ في التصاعد من أسباب تراجع مستويات المعيشة لأن زيادة السكان تشكل ضغطاً على حجم التنمية والموارد..لكن الحادث في الفترة المأخوذة للقياس في القرن العشرين تلاحظ أن عدد السكان في العالم تضاعف ثلاثة مرات..وأن دخل الفرد تضاعف أربعة مرات.
ويظل العامل الديموغرافي محل تناول في السياسات الحكومية. تضعه الأنظمة الفاشلة سبباً للتخلف وتضعه الأخرى أحد أهم الأسباب للتطور الشامل. فلمن يريد أن يرى تزايد أعداد السكان وحركتها وتنقلاتها بمفهوم التنقل الكلي في الداخل.تشكل أهم الأعباء الوظيفية لفشل السياسات..سيرى مايريده..ومن يرغب في رؤية قوة الدولة في تعدادها وقدرتها الإنتاجية ووعي قوتها السياسية سيرى هنا أن عدد السكان كلما ازداد يشكل قوة هائلة للدفع في مسيرة التنمية وللدفاع عن الدولة. بشروط أن تتوافر في الحكم قوة سياسية ناضجة تستطيع استخلاص مكامن العطاء والجهد في القوة البشرية بمعناها الأشمل في التكنولوجيا والإبتكار والتناغم من خلال حريات تكفل مناخات رحبة للإبداع العادل.وتتبدى القوة السياسية هنا في قدرة الحكومة على إدارة الموارد وخلق اليقين الجمعي وتنظيمه..أما وأن تجد الشعوب أحوالها المعيشية من سيء إلى الأسوأ بالرغم من توافر ركني التقدم الكتلة السكانية في ازدياد وعدد الشباب بوفرة نسبية فائقة.والموارد تتكشف لتعلن عن نفسها بشكل حاد..فإننا إذن نكون أمام ضعف سياسي غير قادر على استخلاص الموارد من القوى البشرية وفاشل في إعادة توظيفها وتعدم هذه القوى السياسية مشروعاً جاداً يمكن أن تستنهض الشعب لأجله وتستفز قدراته الكامنة.
وتذهب الحكومات إلى تهييج الثبات السكاني من أجل غايات غير معلنة.وإن أعلنتها فهي غير مبررة لايقتنع بها الشعب ولم تبذل الحكومات الجهد المطلوب لإقناع شعوبها بمسلكها الماس بديموغرافيا الحالة. فمنذ عشرات السنين قررت الحكومة في مصر أن تغير إتجاه البوصلة في السياسة الخارجية الشاملة دبلوماسية وعسكرية.
ووجدت نفسها وقد قدمت مشروعاً تنازلياً بالمجان إلى جماعات الضغط الإقتصادي والسياسي ودون حاجة ملحّة آنئذٍ . ولم تضع الحكومة الشعب في الحسبان.وقادت التنازلات للمعسكر العدو في البيت الأبيض إلى تجريف الوعي والسياسة والثقافة والتعليم. وأخذت التنازلات بيد الدولة المصرية إلى مكاتب صندوق النقد الدولي للإستدانة ثم تلا ذلك الإجراء الطبيعي ببيع القطاع العام..ودون أي حسابات للشعب المالك للثروة.ووحده شعب مصر يتحمل الفشل الحكومي..ووحدهم شلل الليبرالية الإقتصادية المتوحشة تجني الثمار..كل الثمار..وتعاظم دور القطاع الخاص الطفيلي وتغول في دواليب السلطة التنفيذية ولم تكفِهِ فاعتدى كلياً على غرفتي السلطة التشريعية ليقف على ناصية الفعل..في وقت تراجعت أداءات رجال المال في الإقتصاد الوطني التنموي..والفرق بيِّن هنا ونقصده بين التنمية والنمو..فتم تجريف الثروة والاستحواذ على السلطة في أعنف إقتصاد ريعي هدد ولازال السلام الإجتماعي ويضع الشعب بين نارين..نار تحرق الوطن إن هو خرج من شدة الظلم الإجتماعي والإقتصادي وانحراف الأحوال إلى قسوة الجوع التي تتهدده..ونار السيطرة على ذاته حفاظاً على وطن لايهم من قريب أو من بعيد رجالات المال وأصحاب الحظوة والمصالح.
ولربما لايوافقني البعض عندما نتعرض هنا للقانون 164 لسنة 2025 لأن الذين يهللون لصدوره وإصداره والنشر في الجريدة الرسمية ربما ليس لديهم إلمام بمعطيات ونتائج القانون ومشكلاته. وماسينتج عنه من ظواهر في الحالة الديموغرافية السياسية والاقتصادية للسكان في مصر..وأثر ذلك على الأمن بمفهومه الكلي في الإقتصاد والصحة والتعليم والثقافة..والإنتماء.والسلوك الجنائي.وقد صدر القانون وبات قَدَراً - بفتح القاف والدال والراء - .في وقتٍ عصيب وحالة مزاجية معتلة ومشحونة تصبو إلى إنتاج فرصة لتفريغ فائض الهم..وأنتجت الحكومة الفرصة. ومافعلته الحكومة في تشريعها الصادر من بث روح الطمأنة لدى المصريين ليس إلا أنها أرادت أن تُفَرّق بين مسلكها في هذا القانون عن مسلكها في القانون 96 لسنة 92.
هناك تركت مسافة زمنية لما أسمته وقتها توفيق الأوضاع بين المالك والمستأجر - وهو نظام الحكم العالِم بأن مبررات الفسحة الزمنية فقط لجاهزية أمنية للردع والبطش ضد المستأجرين - .. وهنا كانت ذات المسافة الزمنية الخمس سنوات لتوفيق الأوضاع وتدخل الرئيس وزادها لسبع..محض تأجيل في تأقيت إندلاع الأزمة في تغيير ديموغرافي حالة.وبينما الدولة صاحبة مشروع القانون الذي صدر .وقد قدمته إلى النواب لا لمناقشته بل لطباعته وإرساله إلى السيد الرئيس ليتولى إصداره وفق الصلاحيات الدستورية.وقد جاء القانون مستفيداً من الحالة التي صاحبت تطبيق القانون 96لسنة 92 في الأراضي الزراعية..حيث لم تشفع مدة السنوات الخمس في توفيق الأوضاع.. وحدث ما حدث قبيل إجراءات التطبيق واعتقلت الأجهزة الأمنية زمرة من المدافعين عن المستأجرين في الأراضي الزراعية وكان من بينهم..كاتب المقال..هنا في القانون 164 لسنة 25 وضعت الدولة نصاً أضيف..تم تصديره إعلامياً إلى شعب مصر القاطن في المساكن الإيجارية أن أحداً من المستأجرين لن يترك مسكنه بهذا القانون إلا وقد أعطته الدولة مسكناً بديلاً..والسؤال هو: هل كان الخطاب الإعلامي وتصريحات الحكومة على كافة طبقاتها السيادية تكفي لطمأنة الشعب المستأجر..؟ الإجابة بالقطع: لا.
لأن النص لم يلزم الدولة بمسكن بديل تشترطه نصوص القانون للإخلاء من المسكن الحالي وفي حال لم تلتزم الدولة لايلتزم المستأجر..ولغرابة النص.ان القانون يخاطب المالك والمستأجر ولا يخاطب الدولة ولايفرض عليها إلتزام سوى وعد أن تكون الأولوية للحصول على الوحدات السكنية التي تبنيها الدولة للمستأجرين كمسكن بديل..لكن هل تستطيع توفير المساكن لاستيعاب المطرودين من السكن..؟ .. ثم كم من الأموال مطلوبة للوحدة السكنية حال توافرها..؟ وهل باستطاعة المستأجر المطرود؟
الإجابة: لا.
والخطر كامن في ماهية الأمن والسلام الإجتماعي عند الأشاوس داخل أروقة الحكم. وهل عشرات الملايين من السكان.وهي توازي تعداد عدة دول خليجية يمكن السيطرة الديموغرافية عليها دون انفلات في الناتج الذي قد يصيب السكان بشيخوخة الإستقرار وينعكس ذلك على المناخات الآنية والمستقبلية التي نرجوها متماسكة متراصة دفاعاً عن مصر..؟! ..ومن أجل مَن مِن الشعب الساكن في الساحل الشرير والساحل الضرير والساحل الحقير والساحل الطيب ذهبت الدولة إلى فك أواصر العلاقات بين مكونات بنيوية الشعب الصابر؟!
وهل الدولة الرسمية تملك رفاهية سياسية مسؤولة. لتقرر بقانونٍ واحد شق صف الكتلة الغاطسة في المجتمع المصري وهي الأخيرة ظهير الجيش ووقود يقينه في الدفاع والإنتصار وبذل الدم؟
هل تعرف الحكومة ماهية الفقر..وهل لديها احصاء دقيق أو حتى مقترح..وهل يظن الحكم أنه قادرٌ على الفقراء حالما تجدب فيهم مفردات الصبر ويلسعهم فحيح رجالات المال.وتشويهم الأسعار.؟!...هل يظن حكامنا أننا بمكنتنا الإحتماء بالوطنية دون الخبز..ووحدنا فقراء هذا الوطن ندفع كل الفواتير دون غيرنا...والظن في زماننا إثمٌ عظيم.. هل يظن؟!
إن النظام الذي يعرض الوحدات السكنية بالملايين وينتظر أن يسكنها الفقراء.. ويرى بأم عينيه إعلانات عقارية تعرض على هذا الشعب الحجرة الواحدة بقرابة الأحد عشر مليوناً وتمر عليه مر اللئام.. هل هذا سلوك سياسي ملائم؟
إن هندسة الفقر باتت حلم الطامحين لبناء وطن دون الفقراء لأجل رائحة غير كريهة. إن تغيراً ديموغرافياً واحداً يمكن أن يكون -وإن كان- تتصادم الخرائط الإجتماعية بما تحتفظ به من غضب.. لا نرغبه ولا تعوذه مصر.








