-
℃ 11 تركيا
-
20 سبتمبر 2025
رغد الحيالي تكتب: لماذا يتم تخوين المقاطعين للانتخابات العراقية؟
رغد الحيالي تكتب: لماذا يتم تخوين المقاطعين للانتخابات العراقية؟
-
20 سبتمبر 2025, 12:05:18 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في كل دورة انتخابية يشهدها العراق، يتكرر المشهد ذاته: دعوات متحمسة للمشاركة تقابلها أصوات غاضبة أو محبطة تدعو إلى المقاطعة. وبين هذا وذاك، يخرج خطاب التخوين الذي يلاحق المقاطعين، فيُصوَّرون وكأنهم يعملون ضد الوطن أو يتآمرون لإسقاط الدولة. لكن السؤال الجوهري يبقى: لماذا يُعامل من يقرر عدم المشاركة في الانتخابات وكأنه عدو للوطن، بدل أن يُنظر إليه كصوت احتجاجي مشروع؟
الجذور السياسية للتخوين
الأحزاب الحاكمة ترى في المشاركة العالية صكّ شرعيةٍ لوجودها واستمرارها. فكلما امتلأت صناديق الاقتراع، زادت قدرتها على القول أمام الداخل والخارج: "نحن نمثل الشعب". لذلك تصبح المقاطعة تهديداً مباشراً لهذه الشرعية، ولهذا تسعى القوى السياسية إلى شيطنتها عبر وصفها بالخيانة أو التآمر. فالسلطة التي تعجز عن إقناع المواطن بجدوى المشاركة، لا تجد أمامها سوى تخويفه أو وصمه.
البعد الاجتماعي والنفسي
العراقيون عاشوا عقوداً من الأزمات: حصار، حروب، فساد، انقسامات طائفية. هذه التراكمات جعلت المجتمع متوجساً من أي موقف قد يُفهم على أنه مساس بالاستقرار. وهنا يجد خطاب التخوين بيئة خصبة للانتشار: فالمُقاطع يُقدَّم لا كإنسان فقد ثقته بالمنظومة السياسية، بل كخطر داخلي يهدد الجميع. وبدلاً من الاعتراف بأن المقاطعة انعكاس لخيبة أمل، يُراد تصويرها كطعنة في ظهر الوطن.
الإعلام وتضخيم الصورة
وسائل الإعلام المرتبطة بالأحزاب تلعب الدور الأكبر في صناعة هذا الخطاب. فهي لا تكتفي بالترويج لفكرة أن "المشاركة واجب وطني"، بل تصوّر المقاطعة كعمل يعادل التنازل عن السيادة أو خيانة دماء الشهداء. وبذلك تُزرع في أذهان الناس صورة نمطية: من يرفض المشاركة هو إنسان سلبي، غير مبالٍ، وربما عميل لأجندات خارجية.
الجانب القانوني والدستوري
لكن الحقيقة أن الدستور العراقي لم يجعل المشاركة واجباً إلزامياً، بل اعتبرها حقاً اختيارياً. فالمواطن حر في أن يشارك أو يقاطع. والحق حين يتحول إلى واجب قسري يفقد معناه الديمقراطي. ومع ذلك، تصر بعض القوى على قلب المعادلة، وكأنها تريد أن تحوّل الصندوق من وسيلة للتعبير الحر إلى أداة لشرعنة بقائها في الحكم.
النتائج والعواقب
خطاب التخوين لا يحقق سوى مزيد من الانقسام. فبدلاً من معالجة أسباب المقاطعة ـــ من فساد وضعف خدمات وانعدام ثقة ـــ يجري إنكار الواقع عبر مهاجمة الناس. هذا الأسلوب لا يقنع المقاطعين بالعودة إلى صناديق الاقتراع، بل يزيد من شعورهم بالعزلة والإقصاء. النتيجة: شرعية أضعف، فجوة أوسع بين المجتمع والنظام، واستمرار للدائرة المغلقة ذاتها في كل انتخابات
الخاتمة
المشاركة والمقاطعة خياران مشروعان في أي تجربة ديمقراطية. لا يجوز أن تتحول المقاطعة إلى تهمة أو وصمة عار. فالمواطن الذي يقاطع لا يخون وطنه، بل يعبّر عن رفضه بأسلوب سلمي مشروع. أما تخوينه، فهو تعبير عن خوف الأحزاب من مواجهة الحقيقة: أن الشرعية لا تُنتزع بالصوت العالي ولا بالاتهامات الجاهزة، بل تُبنى بثقة الناس، وهذه الثقة لا تُشترى بالوعود ولا تُفرض بالتخويف.







