أمجد إسماعيل الآغا يكتب: مؤتمر وحدة الموقف لمكونات شمال وشرق سوريا في الحسكة.. خطوة جريئة في مشهد سياسي مرتبك!

profile
أمجد إسماعيل الأغا كاتب وباحث سوري
  • clock 12 أغسطس 2025, 9:41:55 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تقف سورية اليوم أمام واقع سياسي غاية في التعقيد، من صراع على الهوية والسلطة، إلى تفاوت في الرؤى حول شكل الدولة، وتباين في شأن توزيع الموارد والسيطرة الأمنية. في ظل هذا المشهد المعقد، عُقد مؤتمر وحدة المكونات في الحسكة كمحاولة تنظيمية وسياسية لاستشراف مسار لا مركزي يحفظ الوحدة الوطنية مع احترام التنوع العميق للمكوّنات السورية. فهل يمكن أن يشكل هذا المسار جسراً بين الواقع الميداني والتوافق الوطني، أم يبقى حبراً على ورق يخفي وراءه صراعات القوة وتوازنات الخارج؟

المؤتمر يُعد مشهداً سياسياً يُحفّز نقاشاً حيوياً حول شكل الحكم في سوريا. المشهد في الحسكة يمثل معادلة حراك مجتمعي وسياسي مركّب، فالحسكة تجمع بين مكوّنات متعددة من كرد وعرب وسريان آشوريين وأرمن وإيزيديين وتركمان وشركس، ما يجعل المؤتمر منصة مهمة لعرض مطالب مجتمعية وهندسة مسارات سياسية توافقية، في ظل وجود إدارة ذاتية تزداد حركيتها ووجود قوى تسعى لتثبيت حكم لامركزي، وضمن ذلك فإن المؤتمر يتجاوز التوصيف التقليدي للمسألة السورية إلى نقاشات على شكل الدولة وطرق توزيع السلطة والموارد. هذه الدينامية تعكس رغبة فعلية لدى المكوّنات السورية في إطار لا مركزية تحفظ انخراط جميع الأطراف في صناعة القرار، لكن في المقابل تُثار أسئلة حاسمة حول مدى قدرة هذه الرؤية على الانتقال من خطاب عام إلى آليات فعلية على الأرض، خصوصًا في سياق علاقة مع دمشق لا تزال غامضة في مضمونها والتزاماتها.

من ناحية أخرى، فإن الإدراك الدولي يتجه ضمناً إلى تشجيع مسار لا مركزي كإطار محتمل لتسوية النزاع في سوريا، خصوصاً إذا ما تم البناء على مسار سياسي واضح وشفاف يتيح ضمانات حقيقية للمكوّنات كافة وحقوقها الثقافية والسياسية. إلا أن هذا الدعم يبقى مشروطاً بقيام دمشق بخطوات فعلية نحو تبني حوار شامل وإطار دستوري يحكِم المشاركة الفعلية للمكونات، وتوثيق الالتزامات ضمن آليات تنفيذ قابلة للتحقق. وبذلك، يمكن النظر إلى المؤتمر كإطار سياسي محتمل يقبل به المجتمع الدولي كمخرج مرحلي حين تتوفر آليات رقابة وشفافية ومخرجات قابلة للتنفيذ، لكنها تبقى غير مضمونة ما دام الطرف الأساسي في دمشق يجهل حتى اللحظة حجم التحديات السياسية والأمنية المؤطرة للحدث السوري، وتجاهله مبدأ التشاركية العادلة وتوفير بيئة مناسبة لعمليات التفاوض وضمان الحقوق للمكونات كافة.

مخرجات المؤتمر تحمل في طيّاتها تصورين رئيسيين: الأول إعتماد خطوة سياسية باتجاه رسم ملامح حوار وطني شامل يفتح بابًا لإعادة بناء الثقة عبر إطار دستوري يعزز المشاركة الفعلية للمكونات في مؤسسات الدولة، مع تعديلات دستورية تعزز اللامركزية وتضمن عدالة انتقالية ومصالحة مجتمعية؛ أما التصور الثاني فينبئ بأن مطالب المؤتمر ومخرجاته قد تبقى في سياق بيان سياسي يفتقد إلى آليات تنفيذ ملموسة، جراء التعقيدات والتحديات التي يشهدها الملف السوري. التحدي الحقيقي هنا يكمن في مدى قدرة هذه المخرجات على ترجمة المطالب إلى واقع عملي يحافظ على وحدة البلاد ويمنع إقصاء أي طرف من عمليات الحكم، خصوصًا إذا لم تتوفر صيغة دستورية قابلة للتطبيق وتحتوي ضمانات ملموسة للمشاركة والحقوق.

أما التقدير الواقعي للمؤتمر كمسار سياسي يعتمد عليه الغرب أو المجتمع الدولي فيظل رهناً بشروط دقيقة، كـ وجود جسم تمثيلي واسع تتوافق عليه جميع الأطراف من دون غبن، وآليات رقابة شفافة لتوثيق الالتزامات وتنفيذها بمساعدة إطار دستوري قابل للتحقق، كما أن جدية دمشق في فتح باب الحوار وتوفير بيئة حاضنة للتفاهمات، مع وضوح في آليات التنفيذ وحقوق المكونات. هذا المسار سيُرى دولياً إذا ما نظر إليه بأنه يحفظ وحدة الأراضي السورية ويضمن تمثيلًا عادلًا وتوزيعًا منصفًا للسلطة والموارد، ولكن في حال غياب مسار رسمي واضح من دمشق أو ظهور مقاومات داخلية تمنع من تطبيق المطالب، سيتحول المؤتمر إلى خطوة رمزية قد لا تترك أثرًا سياسيًا ملموسًا، بل قد يعمّق الشكوك حول الاستدامة السياسية لهذا النهج.

من المهم التنويه في سياق عناوين الحدث السوري، إلا أن الخطاب السياسي والإعلامي للإدارة السورية يُمثل جزءاً حاسماً من تشكيل الرأي العام وتوجيه المسار السياسي. والمطلوب هنا أن يُراعي هذا الخطاب الطابع التعدّدي للمجتمع السوري وحقوق المكونات كافة، وأن يكون خطاباً يركز على بناء الثقة وتقديم صورة مؤسسية شفافة ومسؤولة، لا تهميش فيها ولا حلول جزئية تُخفي التزامات حقيقية، وأن يكون في ذات السياق خطابٌ متوازن وجامع يشرح ماهية التغيرات المقترحة، ويبيّن مسارات التنفيذ وآليات الرقابة، ويُبرز الالتزام بإطار دستوري يحفظ وحدة البلاد وتنوعها. مثل هذا الخطاب يعزز الثقة بين المواطن والسلطة ويقوّي سند الحوار الوطني، بدلاً من الانزلاق إلى خطاب استقطابي يفاقم التوترات ويعرقل فرص التوافق.

في المحصلة، مؤتمر وحدة المكونات في سورية يحمل إمكانات سياسية هامة كونه جسراً نحو حل لا مركزي وتعددي، لكن نجاحه يعتمد على ترجمة المطالب إلى مسار واضح وملموس يحقق مشاركة فعلية للمكونات، ووجود التزام سياسي حقيقي من دمشق، مع آليات رقابة وتوثيق ومتابعة دولية قوية.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)