أمجد إسماعيل الآغا يكتب: استثمارات في مهبّ الريح.. حين تصبح العقود الاقتصادية أدوات نفوذ في سوريا غير المستقرة

profile
أمجد إسماعيل الأغا كاتب وباحث سوري
  • clock 1 أغسطس 2025, 1:58:18 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

للوهلة الأولى يبدو الحديث عن الإستثمارات في سورية بأنها بوابة لنسج معادلة قوامها التعافِ الإقتصادي والنهضة المعيشية وبداية مسارٍ تمت هندسته بغية النهوض بالواقع السوري بمستوياته كافة، إلا أن غاية القراءات الاقتصادية والسياسية لا تُبنى على الأمنيات ولا يمكن مقاربتها بناءً على واقع هشّ لا يملك أدوات الإستقرار، وهذا يُعد بديهياً بالنظر إلى عمق التعقيدات التي تشهدها سورية منذ سقوط نظام الأسد وحتى اليوم. نتيجة لذلك وفي ظل الفوضى السياسية والأمنية التي تعصف بسوريا، تبدو الاستثمارات "المليارية" مجرد سراب فوق رمال متحركة؛ فكل صفقة تُعلن، وكل عقد يُوقّع، يخفي خلفه صراع نفوذ إقليمي ومناورة سياسية أكثر مما يبشّر ببزوغ اقتصاد وطني متعافٍ.

هو واقع هشّ تحكمه معادلات القوة لا الشفافية، والرمزية لا الجدوى الحقيقية، حيث يظل الاستثمار محكوماً باستمرار حالة اللا يقين حول مستقبل سورية نفسها، ويعلّق مصيره على مشهد سياسي متصدّع، وأرضية قانونية مضطربة، وتنافس إقليمي لا ينتهي. وفي ظل هذا التداخل بين رؤوس الأموال ومشاريع النفوذ، يبقى المواطن السوري يتساءل: أي استثمار يمكن أن يزدهر فوق حقل ألغام سياسي وأمني؟.

حقائق الواقع السوري تؤكد بأن الاستثمار في سوريا يواجه معوّقات بنيوية عميقة تجعل أي حديث عن استثمارات حقيقية وجذابة أمرًا شبه مستحيل بدون بيئة سياسية واقتصادية مستقرة، وبصرف النظر عن توقيع صفقات واتفاقيات بمليارات الدولارات مؤخراً، إلا أن الكثير من الخبراء متفقون أن التحديات الجوهرية من غياب شبه الكامل للأمن القانوني، وهشاشة مؤسسات الدولة، واستمرار مناطق النفوذ المتعددة وضعف الشفافية، مروراً بالبنية التحتية المتضررة وبقاء جزء كبير من الإطار القانوني غير محدث، فإن كل ذلك يُعد عائقاً أمام استثمارات فعلية منتجة، وربطاً بذلك فإن الكثير من العقود المُعلن عنها هي في الأصل ذات طابع رمزي أو سياسي تهدف ققط لإظهار الانفتاح وجذب الانتباه الدولي، أكثر من كونها مشاريع قابلة للتحقق فعلياً على الأرض، خصوصاً وسط استمرار التقلبات الأمنية وتأخر إعادة الإعمار الفعلي.

في المقلب الآخر فإن السلطات السورية ومن خلال الحديث عن الإستثمارات وتوقيع العقود ونظم لقاءات استثمارية، تستفيد من كل ذلك سياسياً، فهذه العقود لا تختص بأي جانب إستثماري بقدر ما هي وسيلة جذب لاعتراف دولي أو تأكيد السيطرة الفعلية على عناوين الحدث السوري، بينما المستثمرون “الحقيقيون” ينتظرون وضوح القوانين وتبديد المخاوف الأمنية ورفع العقوبات فعلياً وليس فقط على الورق. من هنا فإن الجو العام للاستثمار شكلي إلى حد كبير في ظل الواقع السوري الحالي، ويصعب تخيل استثمار ناجح ومستدام بدون بيئة سياسية واقتصادية مستقرة وشفافة.

في المقلب الآخر فإن حالة الصراع على سورية تتبدى واضحة من خلال التنافس التركي السعودي والذي يتخذ شكلاً سياسيًا اقتصاديًا مركبًا منذ التحولات الكبرى الأخيرة. هو صراع بصبغة إقليمية يتجاوز فكرة الاستثمار المباشر نحو إعادة تشكيل النفوذ وإعادة تموضع القوى في عموم الإقليم؛ ضمن ذلك ثمة نقاط جوهرية تتعلق بما سبق ويمكن إيجازها بالآتي:

أولاً- تركيا تملك اليد الأعلى من حيث النفوذ الميداني والعسكري وعلاقاتها المتجذرة مع الإدارة السورية الجديدة وكذا الشركات العاملة في الشمال السوري تحديداً، وتسعى لاستغلال ميزة القرب الجغرافي وتعزيز نفوذها عبر مشاريع الإعمار والطاقة وإمدادات البنية التحتية.

ثانياً- السعودية بالمقابل، تدفع بثقلها المالي والسياسي عبر العروض الاستثمارية الضخمة، ودعم منتديات الاقتصاد والإعمار، وتهدف من خلال هذه الحزم المالية لما هو أبعد من الاقتصاد، أي وضع الإدارة السورية الجديدة مجددًا ضمن دائرة نفوذ الخليج العربي، وتقويض أي مشروع "هيمنة تركية منفردة".

بهذا المعنى وربطاً بما سبق، فإن بيئة العمل السورية حتى الآن غير مستقرة سياسيًا واقتصاديًا، ويقر المختصون بأن أي مشاريع أو صفقات معلنة هي غالبًا بوابة تنافس سياسي وشكل من أشكال الاعتراف أو اختبار نفوذ، أكثر مما هي فرص استثمارية بالمعنى الحرفي، خاصة أن كِلا الطرفين يوظف هذا الاستثمار كذراع نفوذ سياسي وحجز مقعد في صياغة المستقبل السوري، بينما تأجيل الحلول الأمنية والقانونية الحقيقية يجعل معظم الصفقات "شكلية أو تجريبية" حتى يستقر المشهد فعليًا.

ما تشهده سورية اليوم هو تنافس حقيقي. هو تنافس سياسي بامتياز لكن بغطاء اقتصادي، وكل إعلان عن مشاريع كبرى يبقى رهينة الاستقرار السياسي والتفاهمات الإقليمية، وبالتالي فإنه لا يمكن الحديث عن استثمارات حقيقية في سوريا بدون وضوح شكل الدولة النهائي واستقرار الإطار السياسي والقانوني، فالشركات والممولون يحتاجون بيئة عمل آمنة ومستقرة، وقوانين واضحة للحماية والتعاقد والربح، وفي هذا التوقيت فإن معظم المشاريع أو العقود الاستثمارية تبقى في الإطار الشكلي، أو ذات طابع استعراضي سياسي وتخدم أغراض النفوذ الإقليمي أكثر مما تنبع من جدوى اقتصادية، في ظل تنافس تركي-سعودي وآليات عمل مضطربة وتغيّر خريطة السيطرة، فإن الغاية من توقيع هذه العقود غالبًا خلق مشهد دعائي للاعتراف أو كسب الوقت والتأثير، أكثر من تحقيق مشاريع إنتاجية فعلياً على الأرض.

خلاصة الأمر. يمكن القول بأنه من دون ظهور دولة سورية واضحة المعالم، وبيئة قانونية مستقرة ومحايدة، ستبقى كل الاستثمارات تقريبًا صورية أو هامشية، وستتضح هذه النتيجة بجلاء خلال الأشهر الستة القادمة، مع استمرار غياب الشروط المطلوبة لأي تدفق استثماري جاد، خاصة في ظل حالة الفوضى واللا إستقرار بمستوياتها السياسية والأمنية.
 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)