-
℃ 11 تركيا
-
4 أغسطس 2025
فؤاد بكر يكتب: حين تختلّ بوصلة الوحدة الوطنية.. هل يُصلح الحوار ما أفسده التفرد؟
فؤاد بكر يكتب: حين تختلّ بوصلة الوحدة الوطنية.. هل يُصلح الحوار ما أفسده التفرد؟
-
30 أبريل 2025, 11:22:04 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الدورة الـ32 للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية التي انطلقت في رام الله 23 أبريل 2025 (إ.ب.أ)
في عام 2018، كلّف المجلس الوطني الفلسطيني –وهو الهيئة التشريعية العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية ويضم أكثر من 400 عضو– المجلس المركزي الفلسطيني بصلاحياته التشريعية، وذلك نظراً لصعوبة انعقاده، خاصة بعد حلّ المجلس التشريعي التابع للسلطة الفلسطينية. وبموجب هذا القرار، أصبح المجلس المركزي، الذي يتألف من نحو 180 عضواً من أعضاء المجلس الوطني، الجهة التشريعية الأعلى فعليًا ضمن النظام السياسي الفلسطيني.
عقب هذا التحول، عقد المجلس المركزي أول اجتماعاته بالتشكيل الجديد في عام 2018، لكنه واجه مقاطعة من خمس فصائل فلسطينية رئيسية: الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية – القيادة العامة، المبادرة الوطنية، وطلائع حزب التحرير الشعبية.
كما امتنعت حركتا حماس والجهاد الإسلامي عن الحضور رغم توجيه دعوات لهما بصفتهما خارج إطار المنظمة. وقد برّرت هذه الفصائل قرارها بالمقاطعة احتجاجًا على ما وصفته بتفرّد الرئيس محمود عباس، الذي يشغل رئاسة كل من السلطة الفلسطينية واللجنة التنفيذية للمنظمة، في اتخاذ القرار السياسي، إضافة إلى تجاهل تنفيذ قرارات سابقة صادرة عن اجتماعات المجلسين الوطني والمركزي في عام 2015.
تكررت المقاطعة في اجتماع المجلس المركزي عام 2022، حيث امتنعت ثلاث فصائل عن الحضور: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية – القيادة العامة، وطلائع حزب التحرير الشعبية. بينما شاركت الجبهة الديمقراطية والمبادرة الوطنية بهدف "المعارضة من الداخل"، في محاولة لتحدي التفرد بالسلطة وتعزيز مبدأ الشراكة الوطنية.
وفي آخر دورة عقدها المجلس في عام 2025، شهد الاجتماع انسحابًا جزئيًا بعد مشاركة محدودة؛ إذ قاطعته أربع فصائل: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية – القيادة العامة، المبادرة الوطنية، وطلائع حزب التحرير الشعبية، في حين شاركت الجبهة الديمقراطية لكنها انسحبت لاحقًا خلال الجلسة، ولحق بها حزب الشعب الفلسطيني.
تطرح هذه الوقائع تساؤلات جوهرية حول مستقبل التمثيل الفلسطيني ومشروع الوحدة الوطنية: لماذا تتكرر مقاطعة الفصائل لاجتماعات المجلس المركزي؟ وهل تعكس هذه المقاطعة أزمة تمثيل حقيقية داخل منظمة التحرير الفلسطينية؟ وهل ما زال المجلس المركزي مؤهلًا للقيام بدوره كإطار وطني جامع؟
أولًا: مقارنة بين قرارات المجلس المركزي في الأعوام الأخيرة
شهدت اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني منذ عام 2018 صدور قرارات توصف بالمصيرية، وجاءت كرد فعل مباشر على التحولات السياسية الإقليمية والدولية، وعلى رأسها إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في عام 2017 اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.
في دورة 2018، تبنى المجلس حزمة قرارات حاسمة، أبرزها: تعليق الاعتراف بإسرائيل، وقف التنسيق الأمني معها بكافة أشكاله، دعم حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بجميع الوسائل المشروعة. كما دعا إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني وإجراء الانتخابات العامة.
في اجتماع عام 2022، كرر المجلس رفضه للاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، وقرر إنهاء التزامات منظمة التحرير تجاهها، مجددًا التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في مواصلة النضال الوطني. كذلك شدد على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية تمهد الطريق لانتخابات شاملة.
أما في دورة 2025، فقد طرأ تغيير ملحوظ على نبرة الخطاب ومضمون القرارات، حيث اتجه المجلس نحو التأكيد على ما وصفه بـ"البعد الوطني الجامع"، مشددًا على أن قرار الحرب والسلم يجب أن يكون قرارًا جماعيًا لا يملكه فصيل بعينه. كما أعلن أن المقاومة السلمية هي الخيار الوحيد لتحقيق الأهداف الوطنية، داعيًا إلى حوار شامل بين الفصائل الفلسطينية، وأقر استحداث منصب "نائب رئيس اللجنة التنفيذية" لمنظمة التحرير.
ويُلاحظ هنا تراجع واضح في سقف القرارات السياسية، خاصة عند مقارنتها بدورتي 2018 و2022، الأمر الذي يطرح تساؤلات جدية حول طبيعة هذا التحول: هل هو نتيجة ضغوط خارجية؟ أم انعكاس لأزمة داخلية في البنية السياسية للمنظمة؟
ثانيًا: أسباب مقاطعة المجلس المركزي في دورة 2025
انعقد اجتماع المجلس المركزي في 2025 في سياق إقليمي ودولي بالغ التعقيد، وسط ضغوط غربية مكثفة – وعلى رأسها الأميركية – لفرض ترتيبات سياسية وأمنية جديدة تتعلق بمستقبل قطاع غزة والنظام السياسي الفلسطيني عمومًا.
وقد تمثلت هذه الضغوط في شروط لوقف الحرب تضمنت: نزع سلاح الفصائل الفلسطينية، استبعاد حركة حماس من الحكم، وفرض ترتيبات أمنية بإشراف دولي يضمن "احتياجات إسرائيل الأمنية".
إلى جانب ذلك، طُرحت مطالب إصلاحية شكلية تحت عنوان "إعادة تأهيل السلطة"، شملت إعادة هيكلة النظام السياسي الفلسطيني بما يسمح بتدخل خارجي مباشر، من خلال فرض شخصيات توافقية، على غرار استحداث منصب نائب للرئيس يحظى بموافقة أميركية، فضلًا عن محاولات لتفريغ المنهاج التعليمي والخطاب الإعلامي من مضمونه الوطني.
مقاطعة عدد من الفصائل جاءت كرد فعل على هذا السياق الضاغط، ورفضًا لعقد المجلس دون توافق وطني مسبق، حيث طالبت هذه الفصائل بتأجيل الجلسة وإعطاء فرصة للحوار الشامل، إلا أن هذه المطالب قوبلت بالرفض من القيادة الرسمية، التي أصرت على الانعقاد وفق جدول زمني يتماشى مع الإملاءات الخارجية.
ثالثًا: التوترات خلال الجلسة
اتسمت جلسة المجلس المركزي لعام 2025 بتوترات حادة منذ بدايتها. فمع افتتاح الاجتماع، رفض رئيس المجلس، روحي فتوح، السماح للمشاركين بطرح تساؤلات تتعلق بعدد الحضور والغياب، كما مُنع النقاش حول توسيع عضوية المجلس من 180 إلى 200 عضواً رغم غياب التوافق السياسي حول هذا التغيير. وقد اتضح أن الأغلبية الحاضرة تمثل في معظمها حركة فتح، في حين تم استبعاد شخصيات بارزة شاركت في المؤتمر الوطني الفلسطيني في الدوحة، مثل حنان عشراوي ومصطفى البرغوثي وأحمد عزم.
الأجواء توترت بشكل أكبر عندما أطلق الرئيس محمود عباس تصريحات هجومية ضد حركة حماس، واصفًا إياها بعبارات نابية، وطالبها بتسليم الأسرى الإسرائيليين دون أي شروط، ما أثار استياء عدد من الأعضاء الذين طالبوا بتأجيل الاجتماع لغياب الحد الأدنى من التوافق الوطني. وبلغ التوتر ذروته عند التصويت على استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية، حيث مُنع دخول المراقبين لتسجيل الاعتراضات، وتم اعتماد التصويت برفع الأيدي، ما أفقد الجلسة الحد الأدنى من الشفافية.
رابعًا: هل حققت الجلسة أهدافها؟
أقرّ المجلس المركزي الفلسطيني استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية دون المرور بآلية انتخابية واضحة، تاركًا مهمة التسمية للرئيس محمود عباس، على أن تنال توصيته لاحقًا موافقة اللجنة التنفيذية. وبالفعل، لم تمضِ أيام قليلة حتى وجّه الرئيس دعوة لعقد اجتماع للجنة التنفيذية بعد أن رشّح حسين الشيخ، المسؤول عن ملف التنسيق الأمني مع إسرائيل، لتولي المنصب الجديد، إلى جانب توليه منصب نائب رئيس السلطة الفلسطينية
أيضًا. هذا المسار يعزز المؤشرات حول حجم الضغوط الأميركية الممارسة على القيادة الفلسطينية، والتي سبق الإشارة إليها. أما مخرجات الاجتماع، فقد جاءت فاقدة للمعنى والوزن السياسي، ولا ترتقي إلى مستوى التحديات الكارثية التي يواجهها الشعب الفلسطيني، خصوصًا في ظل المجازر المستمرة في غزة وعمليات هدم المخيمات في الضفة الغربية. فهي مخرجات لا تعكس تطلعات الشعب ولا تحاكي واقع قضيته، بل تكرّس استمرار نهج التفرد في القرار السياسي، بعيدًا عن أي محاولة جادة لإنهاء الانقسام على أسس وطنية وديمقراطية سليمة.
خامسا: ما الحل إذًا؟
تقتضي المرحلة الراهنة كسر حلقة التفرد السياسي من خلال تفعيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي يشمل جميع الفصائل، بما فيها تلك غير المنضوية في المنظمة، على قاعدة التوافق كما ورد في اتفاق بكين.
ويُعدّ قبول طلبات الانضمام الرسمية لهذه الفصائل خطوة أولى نحو إعادة بناء المؤسسة التمثيلية على أسس تشاركية، تُفضي إلى عقد دورة جديدة للمجلس المركزي تُفرز لجنة تنفيذية جديدة وتتبنى استراتيجية كفاحية جامعة.
وفي موازاة ذلك، لا بد من تشكيل حكومة توافق وطني تُهيئ لانتخابات عامة، وتُرافقها إعادة تشكيل الوفد التفاوضي الفلسطيني ليشمل مختلف القوى الفاعلة، وعلى رأسها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، تحت مظلة منظمة التحرير. أما المقترحات الشكلية التي تُفرض تحت ضغط خارجي – مثل استحداث منصب نائب رئيس المنظمة وفق شروط دولية – فهي تعكس مسعىً للالتفاف على الأزمة البنيوية بدلًا من معالجتها.
وعليه، فإن المخرج لا يكون عبر تجميل المشهد القائم، بل بإطلاق عملية إصلاح سياسي جذرية تستند إلى الإرادة الشعبية، وتجدد شرعية مؤسسات النظام السياسي عبر آليات ديمقراطية. كما أن استئناف الحوار الوطني الشامل ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية لبلورة موقف فلسطيني موحد يُواجه التحديات المفصلية، ويُمهّد لانعقاد مجلس مركزي توافقي يكرّس مخرجات هذا الحوار، ويُعيد الاعتبار لوحدة القرار الوطني.








