د.محمد الصاوي يكتب: السعودية وباكستان واتفاقية الدفاع المشترك: بين “ناتو إسلامي” وأداة ظرفية

profile
د. محمد الصاوي باحث في العلاقات الدولية
  • clock 18 سبتمبر 2025, 11:00:29 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في 17 سبتمبر 2025، أعلنت الرياض وإسلام آباد توقيع اتفاقية دفاع مشترك تنصّ على أن أي عدوان على أحدهما يُعد عدوانًا على الآخر. خبر قد يبدو عابرًا، لكنه يحمل في طياته تحولات استراتيجية كبرى، ويطرح تساؤلات حول قدرة هذا التحالف على أن يكون أكثر من مجرد رسالة رمزية.

خلفية تاريخية: نصف قرن من التعاون الدفاعي

العلاقة العسكرية بين السعودية وباكستان تمتد منذ سبعينيات القرن الماضي، ويمكن تقسيمها إلى أربع مراحل:
 

السبعينيات والثمانينيات:
استعانت السعودية بخبرات آلاف الضباط الباكستانيين لتدريب قواتها، وتعزيز الدفاع الجوي والبحري، ودعم الأمن الداخلي. كما كان التعاون الاستخباراتي بارزًا خلال دعم المجاهدين الأفغان ضد السوفييت، ضمن شبكة تنسيق سعودي–باكستاني–أمريكي.
 

برنامج الردع النووي الباكستاني:


منذ الثمانينيات، تداولت تقارير غربية عن دور سعودي في دعم قدرات باكستان النووية، ربما لضمان مظلة ردع مستقبلية للمملكة، خصوصًا بعد الثورة الإيرانية وحرب العراق–إيران.


حرب الخليج الثانية 1990–1991:


أرسلت باكستان قوات رمزية لدعم المملكة والخليج، في رسالة سياسية تؤكد التزامها الدفاع عن السعودية، ما عزّز العلاقة العسكرية بين البلدين.
التحالف الإسلامي العسكري (2015):
ضمّ أكثر من 40 دولة لمحاربة الإرهاب، وشارك الجيش الباكستاني بالتنسيق الاستخباراتي، لكن القيود البرلمانية حدّت من دور القوات المباشر، ما جعل التحالف أقرب إلى مظلة سياسية منه إلى قوة عسكرية فعلية.

هذه المحطات تظهر أن الاتفاق الجديد ليس قطيعة مع الماضي، بل تتويج لمسار طويل من التعاون العسكري والسياسي، مع فارق مهم: هذه المرة يُصاغ الاتفاق بشكل رسمي مكتوب، مع التزام صريح بالدفاع المتبادل.

مقارنة مع الاتفاقيات الدفاعية السابقة

الاتفاقيات مع مصر (1955 وما بعدها): التعاون العسكري كان مركّزًا على دعم القوات السعودية، لكنه ضعيف التنفيذ بسبب الانقسامات العربية.
الاتفاقيات السابقة مع باكستان: شملت إرسال قوات، تدريب مستمر، ودعم استخباراتي، لكنها كانت غير رسمية بالكامل أو محدودة بالوقت والظرف.
التحالف الإسلامي العسكري 2015: إطار واسع، لكنه ظل سياسيًا أكثر من كونه قوة قتالية متماسكة.

الاتفاق الحالي يتميز بكونه يجمع بين العمق التاريخي للقوة الباكستانية، القدرات النووية، والحاجة الاستراتيجية السعودية، وهو ما يرفع سقف التوقعات حول فاعليته المحتملة.

دوافع الاتفاق: توازنات جديدة

تعزيز الردع السعودي: الاستفادة من الخبرة القتالية الباكستانية، لا سيما الصواريخ الباليستية والدفاع الجوي.
دعم باكستان اقتصاديًا: الاتفاقية تتيح لإسلام آباد الحصول على استثمارات ومساعدات سعودية في وقت تواجه فيه أزمة مالية خانقة.
إعادة تشكيل التحالفات: رسالة واضحة للولايات المتحدة بأن السعودية لم تعد تعتمد حصريًا على المظلة الأمريكية.

بيانات وإحصاءات داعمة

القوات الباكستانية: حوالي 943,000 عسكري فعال، ما يجعلها من أكبر الجيوش الإسلامية.
الإنفاق العسكري السعودي: بلغ 75.8 مليار دولار في 2024، و78 مليار دولار في 2025 (~7.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي).
التصنيع المحلي السعودي: من 4٪ عام 2018 إلى نحو 19٪ في 2024، مع هدف الوصول إلى 50٪ بحلول 2030.
التبادل التجاري بين البلدين: ارتفع من 546 مليون دولار إلى 700 مليون دولار في أوائل 2025، مع خطط مضاعفة صادرات تكنولوجيا المعلومات.

الأبعاد الاستراتيجية

على مستوى الردع النووي فإن باكستان قوة نووية، ما يمنح الاتفاقية بعدًا ردعيًا إضافيًا ؛ العمق العسكري والاقتصادي ، يوفر للشراكة إمكانات واسعة، بما يشمل الدفاع الجوي، التدريب، والاستثمارات الاقتصادية المتبادلة بما يحقق التوازن الإقليمي ، ويعد رسالة مزدوجة لإيران والهند، وتعزيز مكانة السعودية في معادلة جنوب آسيا والخليج.


بين “ناتو إسلامي” وأداة ظرفية

الاتفاقية ليست مجرد وثيقة دفاعية ثنائية، بل مؤشر على اتجاه استراتيجي أوسع نحو بناء تحالف دفاعي إسلامي محتمل. ومع ذلك، يبقى الاختبار الحقيقي عند تعرض أي طرف لتهديد فعلي؛ حينها ستتضح طبيعة الالتزام: هل ستكون هذه الاتفاقية خطوة تاريخية نحو “ناتو إسلامي” فاعل، أم مجرد وثيقة ظرفية تعكس توازنات اللحظة؟

 


 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
المصادر

المصادر : 
وكالة الأنباء السعودية (واس)

وكالة الأنباء التركية (AA)

صحيفة الشرق الأوسط

وكالة رويترز

وكالة الأنباء الأمريكية (AP)

التعليقات (0)