خطة إسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة: أداة جديدة للابتزاز والتجويع والإبادة الجماعية

profile
  • clock 6 مايو 2025, 9:57:12 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في خطوة تُوصف على نطاق واسع بأنها امتداد لسياسات الاحتلال الإسرائيلي في استخدام الغذاء كسلاح ضد المدنيين، كشفت وسائل إعلام عبرية عن خطة إسرائيلية جديدة لإقامة منظومة توزيع مساعدات إنسانية داخل قطاع غزة، وتحديدًا في منطقة رفح الواقعة جنوبي القطاع. وتقوم الخطة، وفق ما أوردته "القناة السابعة" الإسرائيلية، على إنشاء ثلاث نقاط توزيع تخضع لسيطرة الجيش الإسرائيلي بشكل مباشر، في محاولة لفرض وقائع ميدانية جديدة تحت غطاء "إنساني".

لكن خلف هذه الإجراءات "المنظمة"، تتكشف نوايا عسكرية وسياسية واضحة، تهدف إلى توظيف المساعدات كأداة ضغط، وإعادة إنتاج سياسة التجويع الجماعي، ضمن استراتيجية موسّعة لتركيع السكان، وإجبارهم على الخضوع لشروط الاحتلال، لا سيما بعد فشل رهاناته العسكرية في تحقيق أهدافه على الأرض.

آلية مشبوهة ومصمّمة على أساس الابتزاز

تقوم الآلية الإسرائيلية المقترحة على فحص أمني دقيق للمدنيين، والسماح لممثل عن كل عائلة فقط بدخول نقاط التوزيع لتسلّم 70 كغم أسبوعيًا من المواد الغذائية. ويتم تنفيذ هذا النظام بواسطة شركات خاصة وجمعيات أميركية، في محاولة لخلق بنية موازية لمنظومات الإغاثة الدولية، لا سيما وكالة الأونروا. ويزعم الاحتلال أن هذه المنظومة "تمنع سيطرة حماس" على المساعدات، في حين أن الهدف الحقيقي هو إخضاع السكان لمنظومة تجويع مراقبة، وتحويلهم إلى رهائن للقرار العسكري الإسرائيلي.

وتربط هذه المنظومة بين الغذاء والتنقل القسري، إذ تهدف ضمنيًا إلى دفع السكان للنزوح جنوبًا، بعيدًا عن مناطق الشمال المنكوبة، في عملية تهجير بطيئة وممنهجة تمارس تحت عباءة "المساعدات".

رفض فلسطيني ومؤسساتي واسع

رفضت الحكومة الفلسطينية في رام الله الخطة الإسرائيلية بشكل قاطع، ووصفتها بأنها انتهاك سافر للقانون الدولي الإنساني، وتعدٍّ خطير على صلاحيات وكالة الأونروا والمؤسسات الإنسانية الفلسطينية. وأكد مجلس الوزراء الفلسطيني أن الآلية الجديدة ستؤدي إلى إقصاء فئات هشة ككبار السن وذوي الإعاقة، ما يرسّخ سياسات التمييز والضغط والابتزاز.

من جهتها، حذّرت حركة حماس من محاولات تحويل المساعدات إلى ورقة سياسية، وشدّدت على أن ما تطرحه إسرائيل يشكّل خرقًا لاتفاقيات جنيف، ويهدف إلى إطالة أمد الحرب وإخفاء معالم الجريمة الإنسانية التي تُرتكب بحق سكان غزة. ورأت الحركة في هذه الآلية إعادة إنتاج لسياسة "المجاعة المقنّنة" ووسيلة لتشتيت العائلات واستنزافها نفسيًا وجسديًا.

المجتمع الدولي يرفض ويقاطع

لم تقتصر المعارضة على الفلسطينيين، إذ أعلنت الأمم المتحدة ووكالاتها العاملة في غزة، بما فيها "أوتشا" وبرنامج الغذاء العالمي، رفضها الكامل لأي خطة إسرائيلية تتجاوز المبادئ الإنسانية الأساسية كالحياد والاستقلالية والنزاهة. وأكدت في بيان مشترك أنها لن تشارك في أي نظام يخضع لشروط جيش الاحتلال أو يستدعي إدخال المدنيين إلى مناطق عسكرية لتلقي الغذاء.

التحذيرات الدولية لم تقتصر على البيانات، إذ قال الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، يان إيغلاند، إن الاقتراح الإسرائيلي "ينتهك جوهر المبادئ الإنسانية"، فيما رأت منظمة العفو الدولية أن الخطة تمثل استمرارًا لجريمة الإبادة الجماعية عبر التجويع.

بدوره، حذّر المرصد الأورومتوسطي من أن الخطة تمثل "إدارة لجريمة التجويع لا إنهاءً لها"، وأنها تمهد لشرعنة الحصار وتبرير الإبادة عبر تحكم الاحتلال بكل مفاصل الإغاثة، من المواد، إلى التخزين، إلى التوزيع، وحتى اختيار المستفيدين.

تحذير من تفاقم الكارثة الإنسانية

الخطط الإسرائيلية تأتي في وقت يواجه فيه قطاع غزة حصارًا شاملًا دخل أسبوعه التاسع، حيث أغلقت سلطات الاحتلال كل المعابر منذ مارس، مانعة دخول المواد الغذائية والطبية، ما أدى إلى شلل في المخابز والمطابخ المجتمعية، ونفاد مخزون المستودعات، وفق ما أورد فريق الأمم المتحدة الإنساني.

وتفاقم هذا الوضع مع انهيار المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بعدما انقلبت إسرائيل عليه في مارس الماضي، واستأنفت حربها الشاملة بدعم أمريكي، مخلفةً أكثر من 170 ألف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 11 ألف مفقود.

الاحتلال يحوّل المساعدات إلى "سلاح" لإخضاع غزة

في جوهرها، لا تمثّل الخطة الإسرائيلية سوى نموذج إضافي من "العنف المُقنّع"، تُستخدم فيه المساعدات كسلاح ضد المدنيين، عبر إخضاعهم لسلطة عسكرية تُقرّر من يأكل ومتى وكيف. إنها محاولة فجة لتطويع الجوع في خدمة الأجندة السياسية والعسكرية للاحتلال، ووسيلة لابتزاز مجتمع محاصر، منهك، ومهدد بالإبادة.

ومع استمرار هذا النهج، يصبح الصمت الدولي تواطؤًا، وتتحول الخطة من مجرد آلية توزيع إلى جريمة موثقة ضد الإنسانية.

التعليقات (0)