-
℃ 11 تركيا
-
12 يونيو 2025
الهجوم على "مادلين": إسرائيل تقمع محاولة جديدة لكسر الحصار الإجرامي على غزة
بين قرصنة إسرائيلية في المياه الدولية وصمت أممي مخزٍ
الهجوم على "مادلين": إسرائيل تقمع محاولة جديدة لكسر الحصار الإجرامي على غزة
-
9 يونيو 2025, 9:57:44 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
في عملية قرصنة تم تنفيذها فجر الإثنين، هاجمت قوات الاحتلال الإسرائيلي سفينة "مادلين" التابعة لأسطول الحرية وهي في طريقها إلى غزة، واعتقلت طاقمها المؤلف من 12 ناشطًا، بينهم الناشطة البيئية السويدية غريتا ثونبرغ وعضوة البرلمان الأوروبي الفرنسية رِيما حسن. السفينة التي كانت ترفع العلم البريطاني وتحمل كمية رمزية من المساعدات الإنسانية – تشمل حليب أطفال وأرزًا وبعض الإمدادات الطبية – كانت تهدف إلى لفت أنظار العالم إلى المجاعة التي تضرب قطاع غزة تحت الحصار الإسرائيلي الوحشي المتواصل منذ أكثر من 18 عامًا. لكن البحرية الإسرائيلية، مدفوعة بتصريحات مسبقة من وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أعلنت أنها ستمنع بأي وسيلة وصول السفينة إلى غزة، وهو ما تحقق فعليًا باعتراضها في المياه الدولية.
السفينة كانت قد انطلقت من صقلية يوم الجمعة، وكان من المتوقع أن تصل إلى غزة مساء الإثنين. قبل لحظات من الاعتقال، أفادت تقارير من طاقم السفينة أن طائرات إسرائيلية مسيّرة (كوادكوبتر) حاصرت السفينة ورشتها بسائل أبيض غامض أدى إلى تهيج في العيون لدى بعض النشطاء، كما تم التشويش على أجهزة الاتصالات وبث أصوات مزعجة على موجات الراديو. وفي مشهد صادم، ظهرت صورة لطاقم السفينة جالسين جميعًا على سطحها، مرتدين سترات النجاة، رافعين أيديهم بينما تُصوَّر العملية من قبل جنود الاحتلال الذين فرضوا سيطرتهم الكاملة على السفينة واقتادوها إلى ميناء أشدود.
الاحتلال يبرر.. والعالم يصمت
في بيان ساخر ومخزٍ، أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن "العرض قد انتهى"، مدعية أنها عاملت النشطاء بـ"الرفق" عبر تقديم "ساندويتشات ومياه" لهم بعد اختطافهم من المياه الدولية. كما نشرت فيديوهات تظهر الطاقم المعتقل جالسًا في صفٍ واحد، في محاولة لتقزيم أفعالهم الإنسانية وتشويه غاياتهم. بل إن وزير الحرب كاتس أمر بعرض مشاهد من هجمات 7 أكتوبر على النشطاء فور وصولهم إلى الميناء، في خطوة تُظهر النزعة الانتقامية الإسرائيلية تجاه كل من يتضامن مع غزة.
وفي الوقت الذي تجاهلت فيه أغلب الحكومات الغربية الواقعة، سارعت منظمات حقوقية لإدانة العدوان. منظمة "الحق" الفلسطينية وصفت العملية بأنها "انتهاك صارخ للقانون الدولي"، مؤكدة أن إسرائيل "ليس لها أي سلطة قانونية لمنع الوصول إلى فلسطين، فهذا من حق الشعب الفلسطيني وحده". أما الناشطة والمحامية الحقوقية حُويدا عرّاف، إحدى منظمات أسطول الحرية، فصرحت بأن العملية تشكل خرقًا مباشرًا لأوامر محكمة العدل الدولية التي طالبت بضرورة ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة دون عوائق.
رغم التصريحات الأممية الخجولة، فإن الاستجابة الدولية تبقى دون المستوى، وتعكس صمتًا فاضحًا أمام سلوك إسرائيل الإجرامي. فقد قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيزي، إن "رحلة مادلين قد تكون انتهت، لكن المهمة لم تنتهِ. يجب على كل ميناء في المتوسط أن يرسل سفنًا بالمساعدات والتضامن لغزة". ومع ذلك، لم يصدر أي تحرك دولي فعلي لحماية النشطاء أو محاسبة إسرائيل على عدوانها.
عقاب جماعي وتجويع ممنهج
يأتي هذا الهجوم ضمن سياق أوسع من السياسات الإسرائيلية التي تسعى لخنق غزة وتجويع سكانها جماعيًا. فمنذ 2 مارس الماضي، فرضت إسرائيل مع مصر حصارًا شاملًا على دخول أي مساعدات إنسانية إلى غزة استمر لأكثر من 11 أسبوعًا، قبل أن تسمح في 19 مايو بمرور محدود لبعض مساعدات الأمم المتحدة، ضمن آلية أمريكية جديدة توصف على نطاق واسع بأنها فاشلة وغير عملية. ومع دخول الحصار عامه الـ18، أضحت المجاعة سلاحًا تستخدمه إسرائيل لإخضاع الشعب الفلسطيني، ما دفع منظمات إنسانية إلى التحذير من انتشار المجاعة وموت عشرات الآلاف جوعًا.
خلال الأسابيع الماضية فقط، قُتل العشرات من الفلسطينيين أثناء محاولتهم الوصول إلى مساعدات غذائية توزعها مؤسسة أمريكية بديلة للأمم المتحدة، وهي آلية جديدة وصفتها الأمم المتحدة نفسها بـ"مصيدة الموت" التي تجر إليها الناس بحثًا عن لقمة تسد رمقهم. وقد وثّقت التقارير قصفًا إسرائيليًا استهدف تجمعات للاجئين أمام مخازن الغذاء والمساعدات، في انتهاك صارخ لكل القوانين الدولية.
ومنذ فشل إسرائيل في الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار الأخير، شنت هجمات مكثفة على خيام اللاجئين والمدارس والمستشفيات، أدت إلى مقتل أكثر من 4,000 فلسطيني خلال فترة قصيرة. وتشير الأرقام الرسمية الفلسطينية إلى أن عدد القتلى منذ أكتوبر 2023 تجاوز 54,000 فلسطيني، بينهم أكثر من 28,000 امرأة وطفلة.
مقاومة مدنية في مواجهة الإبادة
رغم كل المخاطر، تواصل قوافل "أسطول الحرية" منذ سنوات محاولاتها لفك الحصار عن غزة عبر البحر، متحدية الاحتلال والأسلاك الشائكة والصمت الدولي. ففي عام 2010، ارتكبت إسرائيل مجزرة على متن سفينة "مافي مرمرة" وقتلت عشرة نشطاء أتراك في عرض البحر. وفي الشهر الماضي، تعرضت سفينة أخرى ضمن الأسطول تُدعى "الضمير" لهجوم من طائرات مسيرة قرب السواحل المالطية، يُعتقد أنها إسرائيلية، رغم عدم تقديم أدلة قاطعة.
غريتا ثونبرغ، التي كانت من أبرز وجوه الرحلة الأخيرة، تحدثت قبيل انطلاقها إلى وسائل الإعلام قائلة: "نحن نعلم أن هذه مهمة خطرة... لكن لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونشاهد ما يحدث. ما يجري هو إبادة جماعية بعد عقود من الاضطهاد والتطهير العرقي والاحتلال". وأضافت: "لقد فشل القادة والحكومات، لذا يقع علينا نحن الناس أن نتحرك ونكون الكبار في الغرفة".
التضامن يُجرّم.. والصمت يطغى
الحادثة الأخيرة تفضح كيف أصبحت أي محاولة إنسانية لمساعدة غزة تُقابل بالقمع والعقاب من قِبل الاحتلال، بينما تكتفي القوى الدولية بالمراقبة أو التواطؤ. السفينة التي كانت تحمل حليبًا للأطفال وأدوية غذائية، واجهت جيوشًا بحرية، وتمت مصادرتها في عرض البحر كأنها تهدد أمن دولة نووية. في المقابل، لا تُفرض أي محاسبة أو عقوبات، وتستمر إسرائيل في ممارسة سياسات الإبادة والإفقار والتجويع.
ما جرى مع سفينة "مادلين" ليس حادثًا معزولًا، بل جزء من مشهد أوسع يُظهر كيف يختنق الفلسطينيون تحت حصار متعدد الأوجه: عسكري، غذائي، سياسي، ودولي. والمأساة لا تكمن فقط في أفعال الاحتلال، بل أيضًا في العجز العالمي عن مواجهته، وفي التواطؤ الواضح من أنظمة دولية باتت تعتبر التضامن مع غزة فعلًا محظورًا، يستحق الاعتقال والمصادرة.
الحصار مستمر والمساعدات لا تصل
لم يكن اعتراض سفينة "مدلين" إلا فصلًا إضافيًا في مسلسل القمع الإسرائيلي الطويل تجاه أي محاولة لفك الحصار المفروض على غزة. فإسرائيل، بدعم من شركائها، وعلى رأسهم مصر، كانت قد فرضت حصارًا مطبقًا على قطاع غزة منذ 2 مارس، مانعة دخول الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية لأكثر من 11 أسبوعًا متواصلة. وحتى عندما اضطرت تحت ضغط دولي متزايد إلى السماح بمرور جزئي للمساعدات في أواخر مايو، فإن ما دخل إلى القطاع لا يمثل سوى نسبة ضئيلة جدًا مما كان يدخل قبل الحرب، وهو ما وصفته المنظمات الإنسانية بأنه غير كافٍ على الإطلاق، محذّرة من خطر المجاعة الشاملة.
في هذا السياق، أصدرت الأمم المتحدة في أبريل تقريرًا مرعبًا حذّر من أن واحدًا من كل خمسة فلسطينيين في غزة يواجه خطر الموت جوعًا. ورغم هذا التحذير الصارخ، لا تزال إسرائيل تتعامل مع ملف المساعدات وفق منطق العقاب الجماعي، بل وتستهدف المدنيين الذين يحاولون الوصول إلى نقاط توزيع المساعدات، لا سيما تلك التي يشرف عليها الكيان الجديد المدعوم أمريكيًا والمعروف باسم "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF). فقد سقط العشرات من الفلسطينيين في الأيام الأخيرة برصاص القوات الإسرائيلية أثناء محاولتهم الوصول إلى شاحنات الغذاء التي أُعلن عنها، فيما حذرت الأمم المتحدة من أن هذا النظام البديل قد تحوّل إلى "فخ موت" للمدنيين الجوعى.
صمت دولي وتواطؤ أممي
في مواجهة هذا الإجرام الممنهج، لا تزال المنظومة الدولية صامتة، بل ومتواطئة. فبدلًا من التحرك الحاسم لوقف الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، تكتفي الدول الغربية ببيانات قلق جوفاء، وتكتفي الأمم المتحدة بمراقبة المجازر والمجاعة من بعيد. وفيما تُمنع سفن المساعدات من الوصول، ويُختطف النشطاء في المياه الدولية، وتُصادر الإمدادات الحيوية للمدنيين، تواصل الحكومات الغربية التعامل مع إسرائيل كشريك طبيعي لا كقوة احتلال تمارس الفصل العنصري والحصار والمجاعة الجماعية بحق أكثر من مليوني إنسان.
حتى محكمة العدل الدولية، التي أصدرت أمرًا ملزمًا بتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، لم يُحترم قرارها، ولم يُحاسب أي طرف على انتهاك هذا القرار. هذا الواقع يفضح انهيار النظام الدولي القائم على القانون، ويُبرز بجلاء أن إسرائيل تتحرك في المنطقة خارج أي مساءلة، مسنودة بحصانة سياسية ودبلوماسية تمنحها لها واشنطن وبعض العواصم الأوروبية.
رسالة "مدلين": الحصار لن يمنع التضامن
رغم اعتراضها، لا تزال رحلة سفينة "مدلين" تحمل دلالات رمزية مهمة. فهي تعبّر عن إصرار متصاعد بين الشعوب لاختراق جدار الصمت، وكسر الطوق الإعلامي والإنساني المفروض على غزة. الناشطة غريتا تونبرغ وصفت الرحلة بأنها محاولة "للتصرف كبالغين في غرفة يسيطر عليها الصغار"، مؤكدة أن ما يجري في غزة هو "إبادة جماعية تُرتكب بعد عقود من القمع والتطهير العرقي والاحتلال." وبالنسبة لها ولزملائها، فإن المخاطر كانت محسوبة، لكن الضرورة الأخلاقية كانت أكبر.
وقد دعت مقرّرة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيزي، إلى مواصلة هذا النمط من التضامن، وقالت: "رغم أن رحلة مدلين انتهت، إلا أن المهمة لم تنتهِ. على كل ميناء في البحر المتوسط أن يرسل سفنًا بالمساعدات إلى غزة." هذه الدعوة تُعد تذكيرًا بأن الإرادة الشعبية العابرة للحدود قد تكون السبيل الوحيد المتبقي أمام هذا العالم العاجز.
نحو مواجهة الحصار بأدوات الشعوب
منذ هجومها الدموي على سفينة "مافي مرمرة" عام 2010، والذي أسفر عن مقتل عشرة نشطاء، تواصل إسرائيل سياسة استخدام القوة العنيفة لمنع أي خرق رمزي أو فعلي للحصار البحري على غزة. وبالرغم من إدانات واسعة النطاق، لا تزال هذه السياسة تحظى بتغطية دولية وصمت أممي يُغري إسرائيل بالمزيد من التجاوزات. وحتى في الحالات التي يُستهدف فيها مدنيون أجانب في المياه الدولية، مثلما حدث مع "مدلين"، لا تُفرض أي عقوبات، ولا تُرفع حتى شكوى رسمية في مجلس الأمن.
إن ما كشفت عنه أزمة "مدلين" الأخيرة هو أن الضغط الشعبي العابر للحدود، والمبادرات المدنية التي توظف الإعلام والتضامن الرمزي، باتت من الأدوات القليلة المتبقية أمام من يريد مواجهة آلة القتل الإسرائيلية وسط عجز الأمم المتحدة وانحياز الغرب. فالرهان لم يعد على الحكومات، بل على الشعوب، وعلى النشطاء، وعلى كل من يرفض أن يرى غزة تموت بصمت.
- غزة
- يسرائيل كاتس
- قطاع غزة
- حصار غزة
- العدوان على غزة
- تجويع الشعب الفلسطيني
- تجويع غزة
- سلاح التجويع
- السفينة مادلين
- قارب مادلين
- الاحتلال يختطف السفينة مادلين
- اختطاف السفينة مادلين
- طاقم السفينة مادلين
- جريتا ثونبيرج
- ريما حسن
- مصر
- حماس
- محكمة العدل الدولية
- مرمرة
- أسطول الحرية
- فرانشيسكا ألبانيز
- المساعدات الإنسانية إلى غزة
- آلية توزيع المساعدات في غزة
- الهجوم على سفينة مساعدات
- المساعدات كسلاح حرب
- مجازر المساعدات








