د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: العالم الحر يبحر نحو غزة.. إطفاء المحرقة وهزيمة الحصار

profile
د. محمد إبراهيم المدهون كاتب ووزير فلسطيني سابق
  • clock 9 يونيو 2025, 8:59:52 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يشكّل منع وصول سفينة مادلين بهذا الإرهاب المكشوف أمام أعين العالم، والذي تكرّر في قصف وملاحقة السفن المتضامنة مع غزة حتى قبل انطلاقها، ومع ما يرافقه من حصار ظالم وغطرسة فاضحة، صورة موجعة تختزل فشل المنظومة الدولية، وعجز الأنظمة العربية عن اتخاذ مواقف فعلية إزاء جرائم الاحتلال والإبادة الجماعية. فالمياه التي احتضنت مادلين للحرية، لم تعد تكفي لغسل عار الصمت العربي والدولي، ولا التواطؤ مع استمرار الحصار والقتل اليومي البشع المفروض على أكثر من مليوني فلسطيني.

في ظل هذا الواقع، لم يعد المطلوب إصدار بيانات شجب رسمية، بل أصبحت الحاجة ملحّة إلى مواقف حازمة على المستويين العربي والدولي، تعلن كسر الحصار وتحرير الفلسطينيين من سجن غزة الكبير. فاللحظة الراهنة، بعد ملحمة الصمود والمحرقة، تمثل فرصة تاريخية لا بد من استثمارها عبر تدشين خط بحري مفتوح يربط فلسطين بالعالم.

إن فتح خط بحري مباشر بين غزة والعالم الخارجي، انطلاقًا من ميناء لارنكا القبرصي، يشكّل خطوة استراتيجية لكسر الحصار وتثبيت السيادة الفلسطينية على أحد أهم المنافذ السيادية. ويتطلب هذا المسار تحرّكًا رسميًا دوليًا يقرّ بحق الفلسطينيين في الاتصال المباشر مع العالم عبر ميناء غزة، بما يعزز مكانة القطاع ويطفئ المحرقة السادية ويكسر الحصار الصهيوني الظالم. فمطلوب استثمار اللحظة التاريخية، خصوصًا في ظل تصاعد الغضب الشعبي العالمي وبدء تحوّل المزاج الأوروبي الرسمي بعد فظائع الاحتلال المتواصلة في غزة.

لقد أثبتت المحرقة المستمرة لغزة والعدوان الدائم على الضفة الغربية، وآلاف الشهداء والمصابين، وعشرات آلاف البيوت والمساجد المدمرة، بطلان مسار التسوية الذي روّج له طويلًا. فسلسلة المفاوضات العبثية التي استمرت لعقود لم تفضِ إلى أي شكل من أشكال السيادة الفلسطينية الحقيقية ولو بمنفذ واحد على العالم، بل كرّست السيطرة الصهيونية على البر والبحر والجو. كما نسف الاحتلال كل أمل بحل الدولتين عبر قوانين الكنيست العنصرية، ما يضاعف أهمية التمسك بالحق الفلسطيني في السيادة الكاملة على المعابر، خارج عباءة "أوسلو" التي ماتت ودفنت منذ زمن.

ومن الزاوية القانونية، فإن إنشاء خط بحري بين غزة وقبرص أمرٌ مشروع تمامًا، خصوصًا بعد انسحاب الاحتلال من القطاع عام 2005، وتقديمه وثيقة رسمية إلى مجلس الأمن تعلن إنهاء مسؤوليته عن غزة، مما يشكّل غطاءً قانونيًا لفتح خط بحري مستقل. ومن هنا، تبرز الحاجة لتحرك قانوني ودبلوماسي جاد، يشمل رفع دعاوى ضد الاحتلال في المحاكم الدولية، إلى جانب تنسيق عربي وإسلامي وفلسطيني لفرض هذا الحق كأمر واقع لا تراجع عنه.

أما من الناحية الفنية، فبالإمكان الشروع في تدشين الخط البحري بشكل مؤقت عبر استخدام سفن صغيرة، أو نقاط تفريغ في عرض البحر، أو مراكب جرّ، أو حتى من خلال استئجار عبّارة متوسطة الحجم تنقل البضائع والمسافرين من السفن الكبيرة إلى ميناء غزة، ريثما يُعاد بناء الميناء الدولي بالكامل.

إن تثبيت خط بحري مباشر بين غزة والعالم سيشكّل كسرًا فعليًا للحصار، ويفرض واقعًا جديدًا يصعب تجاوزه أو إخضاعه لرقابة الاحتلال، كما يعزّز قدرة الفلسطينيين في غزة على التنقل بحرية، ويمثل في الوقت ذاته انتصارًا قانونيًا وإنسانيًا، يفضح العنصرية والهمجية الصهيونية أمام الرأي العام العالمي.

الشعب الفلسطيني لا يطالب بأكثر من حقه الطبيعي في الحياة والتنقل والتجارة والتواصل مع العالم. وإن تدشين خط بحري مباشر من غزة إلى الخارج، يمثل رمزًا حيًا لهذه الحقوق. كما أنه خطوة أخلاقية وإنسانية يجب أن يتحمّل مسؤوليتها الأحرار في العالم بمواصلة إرسال السفن والقوافل إلى غزة، وأن تضغط الشعوب الحرة قبل الأنظمة لتطبيقها على أرض الواقع.

لقد سُفكت الدماء، وهُدمت البيوت، وسُلبت الحقوق، وحان الوقت لترجمة هذه التضحيات الجليلة إلى واقع سيادي جديد، تُكسر فيه المحرقة والحصار، وتُفتح لغزة بوابة من الأمل والتواصل مع العالم عبر البحر.

 

التعليقات (0)