الصراع مع الاحتلال لا يتقصر على المعارك العسكرية فقط

د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: صراع الظل...المعركة الأمنية في محرقة غزة

profile
د. محمد إبراهيم المدهون كاتب ووزير فلسطيني سابق
  • clock 5 يونيو 2025, 7:47:39 م
  • eye 429
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

في ظل تصاعد التحديات واشتداد الحصار على غزة، لا يقتصر الصراع مع الاحتلال على المعارك العسكرية فقط، بل يمتد إلى معركة خفية وأشد تعقيدًا: المعركة الأمنية. هنا، تتشابك أدوات التجسس، والخيانة، والاختراق لتشكل تهديدًا مباشرًا على صمود المقاومة وبنية المجتمع.

 

 وفي تطور خطير، برزت مجموعة عملاء ياسر أبو شباب التي تسلّحت بدعم الاحتلال لتفتيت الوحدة الداخلية وفتح جبهات جديدة من الصراع. هذا المقال يكشف لك كيف تحولت غزة إلى ساحة مواجهة غير مرئية، تُرسم فيها خطوط المواجهة بحكمة واحترافية، تعكس قوة لا تُقهَر في وجه الاحتلال. استعد لاكتشاف تفاصيل هذه المعركة المصيرية، التي تحمل في طياتها مستقبل النضال الفلسطيني.

 

تشير تطورات المعركة الأمنية في غزة إلى تحوّل خطير في أدوات الاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يكتفِ بالحرب المباشرة، بل عمد إلى إعادة إنتاج أدوات السيطرة القديمة بصيغ جديدة. يتجلى ذلك في مشروع تسليح ميليشيات محلية، مثل "ياسر أبو شباب"، 

بهدف إحداث شرخ داخلي يخدم هندسة مشهد أمني مفكك. هذا المشروع، الذي أقرّه جهاز الشاباك ورئيس الحكومة دون العودة إلى الكابينت، يستعيد تجربة "معسكر الدهنية" قبل عام 2005، حين كان مركزًا لوجستيًا لإدارة العملاء في غزة، تمامًا كما استنسخ الاحتلال نموذج "جيش لبنان الجنوبي" بقيادة أنطوان لحد، حيث مثّلت العمالة منظومة متكاملة من التجسس والاختراق وتصفية المقاومة.


هذه الأدوات، وإن اختلفت مسمياتها من غزة إلى لبنان، تكشف عن استراتيجية إسرائيلية ثابتة: تحويل الداخل إلى أداة أمنية ضد ذاته، وتفتيت البنية الوطنية من الداخل، لتقويض قدرة المقاومة على الصمود وإرباك جبهتها الداخلية.


تُعد المعركة الأمنية أحد أبرز ملامح الصراع الدائر بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الصهيوني، إذ تمتد إلى فضاءات خفية تتقاطع فيها الأبعاد الاستخباراتية والتكنولوجية والنفسية والميدانية. وفي قطاع غزة، يكتسب هذا الصراع طابعًا خاصًا نظرًا للحصار المستمر والعدوان المتكرر، مما دفع المقاومة إلى تطوير منظومة أمنية متقدمة تتسم بالسرية والحداثة التقنية. وقد أسهم ذلك في خلق توازن ردع جزئي يُربك مخططات الاحتلال ويعطّل قدرته على الاختراق.


منذ اندلاع موجات العدوان، استهدف الاحتلال القادة الأمنيين والعسكريين، وحاول تفكيك أجهزة المعلومات وضرب مقارّ المقاومة، إلا أن المقاومة قابلت ذلك ببناء شبكة أمنية معقّدة تقوم على التمويه والتواصل المشفّر، مما صعّب مهمة الاحتلال في جمع معلومات دقيقة. كما حرصت المقاومة على تنويع مواقع القيادة، واتخذت إجراءات حماية شخصية مشددة لكوادرها، ما قلل من فرص انهيار المنظومة الأمنية عند استهداف أي قائد.


في جبهة الحرب الاستخباراتية، يعتمد الاحتلال على أدوات تجسس سيبرانية متطورة، إلى جانب شبكات العملاء داخل المجتمع الغزي. وفي المقابل، تبذل الأجهزة الأمنية في غزة جهودًا مكثفة لتعقّب العملاء وتفكيك هذه الشبكات، عبر حملات توعية مستمرة تهدف إلى التحصين النفسي والتقني للمواطنين. وقد أسفرت هذه الجهود عن إحباط محاولات معقّدة لاختراق المقاومة أو زعزعة الاستقرار.
كما يحاول الاحتلال استغلال الفضاء الرقمي كأداة رئيسية لجمع المعلومات الحساسة، من خلال تطبيقات تجسسية تخترق الهواتف وحسابات المواطنين. وردًا على ذلك، طورت الأجهزة الأمنية في غزة أدوات محلية للأمن الرقمي، وأطلقت حملات توعوية لتعزيز الثقافة الأمنية، إلى جانب توفير وسائل اتصال مشفّرة تحدّ من مخاطر الاختراق.


لا تقتصر المعركة الأمنية على الجوانب التقنية والعسكرية، بل تتجاوزها إلى حرب نفسية تستهدف البنية المعنوية للمجتمع. يسعى الاحتلال إلى بث الشائعات وزرع الإحباط والتشكيك داخل صفوف المواطنين، بهدف تفكيك الجبهة الداخلية للمقاومة. وقد طورت الأجهزة الأمنية في غزة خطابًا تعبويًا ميدانيًا، تمثّل في كشف العملاء علنًا وتعزيز ثقة الشعب بمؤسساته، مما أسهم في رفع مستوى الوعي الأمني وزيادة مناعة المجتمع ضد الاختراق.


ورغم التحديات الكبيرة التي تواجهها هذه المعركة، كـالحصار التقني وضعف الإمكانيات ومحاولات التغلغل المستمرة من جانب الاحتلال، إلا أن غزة تشهد تطورًا نوعيًا في بنيتها الأمنية، سواء من حيث التقنيات أو الخبرات المكتسبة، ما جعلها حائط صد أول أمام محاولات الاختراق والتجسس والتفتيت.


إن المعركة الأمنية مع الاحتلال ليست مجرد صراع معلوماتي، بل ساحة مواجهة شاملة بين مشروع تحرري ومشروع احتلالي استيطاني. وقد أثبتت غزة خلال سنوات المواجهة قدرتها على الحفاظ على تماسكها وتطوير آليات مقاومة محلية تتجاوز الفارق في الإمكانيات.


إن حماية هذه المنظومة الأمنية وتطويرها يُعد ضرورة وطنية عاجلة، ليس فقط لحماية ظهر المقاومة، بل أيضًا لتعزيز صلابة الجبهة الداخلية وتحقيق مشروع التحرر الوطني الفلسطيني.

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)