إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: غزة تحت سلاح التجويع.. جريمة حرب مكتملة الأركان

profile
  • clock 3 مايو 2025, 10:56:19 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في الركن الجنوبي من خارطة الجرح العربي، تقع غزة، حيث الحياة تُقاس بكمية الدموع، والنجاة تُقايَض بقسوة الخبز. غزة، ليست مجرد جغرافيا محاصرة، بل معقلٌ للوجع الإنساني المفتوح منذ أكثر من سبعة عشر عامًا، واليوم تُذبح من الوريد إلى الوريد في واحدة من أبشع حروب الإبادة التي عرفها العصر الحديث.

منذ السابع من أكتوبر، لم تعد الحرب على غزة حربًا تقليدية يمكن تصنيفها ضمن قوانين النزاع، إنها حرب شاملة تستهدف الوجود الفلسطيني ذاته: البشر والحجر، الذاكرة والهوية، الشجر والأمل ، لكن الأخطر من القنابل والصواريخ، هو السلاح الأشد فتكًا الذي استحضره الاحتلال الإسرائيلي بلا رحمة: التجويع الممنهج.

الموت جوعًا: الوجه الأبشع للإبادة

المجاعة التي تضرب قطاع غزة اليوم ليست كارثة طبيعية ولا نتيجة فقر مزمن، بل جريمة محسوبة بدقة ، حُوصِر القطاع الجريح ومنع عنه الطعام والماء والدواء، وضُربت شاحنات الإغاثة، وقُصفت طوابير الجوعى ، حليب الأطفال أصبح مفقودًا، والرضع يموتون عطشًا في حضن أمهاتهم ، تقارير أممية وحقوقية تصف الواقع بأنه "تجويع متعمد"، لكن العالم يكتفي بالإدانة اللفظية ويقف عاجزًا أو متواطئًا.

الصور القادمة من غزة تروي قصة إبادة بطيئة: طفل ينهار من التعب في الطريق بحثًا عن رغيف، أمّ تبكي لأنها لم تجد ما تطبخه لأبنائها منذ ثلاثة أيام، رجل مسنّ يقف في طابور الخبز لست ساعات ليعود خاوي اليدين، هذه ليست مشاهد من مجاعة إفريقية، بل من أرض عربية تُحاصر باسم الأمن الإسرائيلي، وتُقتل بصمت دولي مطبق.

ليست حربًا.. إنها إبادة

حين تُمنع المساعدات، وتُستهدف البنية التحتية للمياه والكهرباء، وتُدمَّر المزارع وتُقصف المخابز، فهذا ليس "ضررًا جانبيًا"، بل استراتيجية ممنهجة للإفناء. الإبادة لا تعني فقط القتل بالسلاح، بل تشمل كل السياسات التي تؤدي إلى القضاء على شعب بالكامل: التهجير، التدمير، التجويع، الترويع ، وما يحدث في غزة هو نموذج مكتمل الأركان لهذه الجريمة.

تُمارس إسرائيل في غزة سياسة الأرض المحروقة: لا ماء، لا كهرباء، لا طرق آمنة، لا مشافٍ، لا مدارس. وكل من يحاول أن يُطعم طفلًا، أو يسقي جريحًا، أو يُنقذ نفسًا، يُستهدف، وكأن الاحتلال يقول للعالم: إما أن يموت الفلسطيني أو يختفي!

الصمت الدولي: جريمة موازية

المؤلم أكثر من جرائم الاحتلال هو الصمت الذي يحيط بها ، من الأمم المتحدة؟ من منظمات حقوق الإنسان؟ فأين من يملؤون العالم خطبًا عن الطفولة والعدالة والقيم الإنسانية؟ كيف يمكن أن يرى العالم أطفال غزة يموتون جوعًا ولا يصرخ؟ كيف يمكن أن تُمنع عن شعب بأكمله المساعدات الإنسانية ولا يُفرض على الاحتلال وقف فوري للعدوان؟

إن الصمت عن هذه الجريمة هو تواطؤ كامل، وجريمة لا تقل فظاعة عما يرتكبه الاحتلال، فكل دقيقة تأخير في وقف الإبادة تعني مزيدًا من القبور المفتوحة، ومزيدًا من الطفولة المذبوحة.

غزة تصمد.. والضمير يسقط

لكن في قلب هذه المأساة، تبقى غزة شامخة، لم تنكسر تحت القصف، ولن تُهزم تحت الحصار، في كل بيت ركام، هناك قصة بطولة، وفي كل مخيم جائع، هناك صرخة حرية،  أطفال غزة الذين كبروا قبل أوانهم، صاروا حراس الحقيقة، وذاكرة الألم، وحلم العودة.

في غزة، الحياة صارت فعل مقاومة، والموت شهادة على وحشية هذا العالم، وفي كل مرة تُقصف فيها مدرسة، أو يُحرق فيها مستشفى، أو يُمنع فيها عن الناس الرغيف، يولد في غزة إصرار جديد على الصمود، ويعلو صوت: لن ننكسر، ولن نغادر، ولن ننسى.

في الختام، ما يجري في غزة ليس صراعًا عسكريًا، بل جريمة ضد الإنسانية بكل المقاييس. فواجبنا، نحن في هذا العالم، أن لا نصمت. أن نكتب، ونُشهِد، ونصرخ، ونكشف، لأن الصمت جريمة، والحياد خيانة، والتجاهل موتٌ للضمير، فإما أن نكون مع الأطفال الذين يُجَوَّعون حتى الموت، أو مع الجلادين الذين يزرعون القهر.

غزة لا تطلب منّا المعجزات، فقط أن نرى الحقيقة، ونسميها باسمها، ونرفض أن تمر هذه المذبحة كأنها مشهد عابر في نشرات الأخبار.
 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)