-
℃ 11 تركيا
-
15 يونيو 2025
إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: أوروبا تخجل...والعرب يبررون: من يقف مع فلسطين حقًا؟
إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: أوروبا تخجل...والعرب يبررون: من يقف مع فلسطين حقًا؟
-
22 مايو 2025, 12:36:09 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في مفارقة صارخة تفضح تناقضات السياسة الدولية، يقف الاتحاد الأوروبي اليوم مترددًا أمام بوابة المراجعة الأخلاقية لعلاقته بإسرائيل، بينما تغرق الأنظمة العربية أكثر فأكثر في مستنقع التطبيع، كأن الدم الفلسطيني لم يعد يعني شيئًا، وكأن المجازر اليومية في غزة والضفة مجرد تفاصيل هامشية في دفتر المصالح وصفقات البقاء ، سؤال لا بد أن يُطرح بصوت عالٍ: من يقف مع فلسطين حقًا في هذا الزمن المقلوب؟
الاتحاد الأوروبي... خجل متأخر لكنه مهم
وسط تصاعد الجرائم الإسرائيلية، قرر الاتحاد الأوروبي الشروع في مراجعة اتفاق الشراكة مع إسرائيل. هذه الخطوة، رغم محدوديتها، تُعد تحوّلًا في موقف لطالما انحاز ضمنيًا للاحتلال، سواء من خلال الاتفاقات الاقتصادية أو التواطؤ السياسي أو الغطاء الدبلوماسي الممنوح في المحافل الدولية ، تحت ضغط الرأي العام، بدأت بعض العواصم الأوروبية ترفع الصوت قليلًا، وإن بخجل، في وجه نظام فصل عنصري لا يتورع عن ارتكاب الفظائع بحق المدنيين العزل.
لكنّ هذا التحرك يظل رمزيًا، لا يرتقي إلى مستوى جدي يواجه منظومة الاحتلال المدعومة أمريكيًا بكل الوسائل ، فالاتحاد الأوروبي، رغم شعاراته حول حقوق الإنسان، لا يزال مترددًا في اتخاذ إجراءات حاسمة قد تؤدي فعلًا إلى كبح جماح آلة البطش الإسرائيلية ، ومع ذلك تبقى هذه المراجعة - مهما كانت ضعيفة - فرصة لكسر الصمت الأوروبي، وربما بداية لتغيير أوسع في مواقف طالما اختارت الانحياز إلى الجلاد.
الأنظمة العربية..من يطعن فلسطين أولًا ؟
على الجهة الأخرى، تختار أنظمة عربية عدة الارتماء في حضن الاحتلال، متناسية جرائمه اليومية ضد الفلسطينيين، ومتذرعة بذرائع واهية كـ"الخطر الإيراني" أو "تحقيق الاستقرار الإقليمي" ، تطبيع اقتصادي، تعاون أمني، زيارات رسمية، وابتسامات دبلوماسية لا تُخفي الخيانة المتعمدة لدماء الشهداء ، فلسطين تُباد، والمستوطنات تتسع، والقدس تُهوّد، بينما تتسابق العواصم العربية لعقد صفقات التطبيع كما لو كانت في سباق على من يطعن فلسطين أولًا.
هل حقًا تعتقد هذه الأنظمة أن تحالفها مع قوة احتلال سيجلب لها الأمن؟ وهل تظن أن التماهي مع نظام يمارس التمييز العنصري والتهجير القسري هو السبيل إلى السلام؟ إنهم لا يرون في فلسطين سوى عبء يجب التخلص منه، لا قضية تحرر تمس جوهر الوجود العربي وكرامته الجماعية.
هل أوروبا أقرب لفلسطين من بعض العرب؟
نعم، يبدو أن المفارقة بلغت حدًا مؤلمًا، فالاتحاد الأوروبي، رغم كل تحفظاته وتردده، يظهر في بعض لحظاته أكثر قربًا لفلسطين من كثير من الأنظمة العربية ، هذا التباين الصادم يُسقط ورقة التوت عن عورات السياسة الرسمية العربية، ويكشف أن بعض العرب لم يعودوا مع فلسطين، بل ضدها صراحة أو ضمنًا.
ورغم أن التحرك الأوروبي لا يزال بعيدًا عن كونه موقفًا مبدئيًا من الاحتلال، إلا أنه يكفي ليُحرج الصمت العربي، ويعيد التأكيد على أن القضية الفلسطينية هي قضية عدالة وحقوق إنسان قبل أن تكون مجرد ملف سياسي أو شعار موسمي يُستثمر في الإعلام.
الخيار بين الكرامة والخضوع
اليوم نقف أمام مفترق حاد: خيار أول، يتبلور ببطء في العواصم الأوروبية، يدعو إلى مراجعة العلاقة مع الاحتلال في ضوء جرائمه المتكررة، وخيار ثانٍ تتبناه أنظمة عربية اختارت التخلي عن فلسطين مقابل تطبيع زائف لن يقيها عار المستقبل ولا لعنة التاريخ ، وبين هذا وذاك يقف الشعب الفلسطيني وحده يقاوم، يصمد، ويدفع ثمن الخذلان المتواصل.
فهل نسينا أن فلسطين كانت، ويجب أن تبقى، جوهر الهوية العربية؟ وهل أصبح الدم الفلسطيني أرخص من ورقة نفط أو صفقة سلاح أو صورة جماعية في مؤتمر تطبيع؟ لماذا لا نملك الشجاعة لنعترف: من الذي يقف فعلًا مع فلسطين؟ ومن الذي باعها باسم الواقعية السياسية؟
الخاتمة: العار الذي يتسع
التطبيع لن يحقق الأمن والتخلي عن فلسطين لن يجلب الاستقرار ، وما لم تدرك الأنظمة العربية أن فلسطين هي قضية وجود وليست ورقة تفاوض، فإن العار الذي نراه اليوم سيتحوّل إلى وصمة لا يمحوها الزمن. فلسطين لا تحتاج إلى بيانات شجب خاوية، بل إلى مواقف تُترجم إلى رفض صريح للاحتلال، ومقاطعة حقيقية له، ودعم ثابت لنضال شعب يرفض أن يُباد بصمت.
المطلوب ليس أكثر من وقفة ضمير. فإما أن نكون مع فلسطين فعلًا، أو أن نعترف بأننا صرنا شهود زور على مأساة تتكرر أمام أعيننا كل يوم، دون أن نجرؤ على قول كلمة حق.









