لا تعاطف مع الجلاد

هجوم واشنطن لا ينقذ إسرائيل: عزلة متزايدة وسردية ميتة

profile
  • clock 22 مايو 2025, 1:08:17 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
الباحث إلياس رودريجيز

متابعة: عمرو المصري

بعد الهجوم الذي استهدف اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في قلب العاصمة الأمريكية واشنطن، برزت أصوات تُشكّك في جدوى ما حدث، وتروّج لفكرة أن الحادث قد “يخدم إسرائيل” أو “يعيد سرديّتها المألوفة كضحية”، متجاهلة أن تلك السردية قد سقطت فعليًا أمام أعين العالم منذ 7 أكتوبر، وتلاشت تمامًا تحت أنقاض غزة.

فالوقائع لا تقفز فوق سياقها. وإسرائيل، التي تُحاصر مليوني إنسان وتجوّعهم، وتقتل الأطفال في أحضان أمهاتهم منذ 594 يومًا، لا تملك اليوم رفاهية التلويح بصورة "الضحية". هي الآن – في المخيال الجمعي العالمي – الجلاد، والمحتل، ومجرم الحرب.

الشارع العالمي: لا تعاطف مع القتَلة

خلافًا لما يُروّج له البعض، فإن الهجوم في واشنطن لم يُنتج موجة تعاطف دولي تُذكر مع إسرائيل. بل على العكس، جاءت الردود متحفظة، خافتة، وحتى تحت سقف حسابات سياسية لا تحتمل إظهار التأييد لدولة متّهمة بارتكاب الإبادة الجماعية.

بل إن ما جرى فعليًا هو أن إسرائيل استشعرت هشاشة وجودها الدبلوماسي في الخارج، فأصدرت أوامر عاجلة إلى جميع بعثاتها حول العالم بإلغاء الفعاليات، وتجميد التنقلات، والتزام المنازل. هذه ليست دولة تستعيد سرديّتها، بل دولة تتقلّص وتنكفئ، وتخشى من تبعات سلوكها الدموي على سمعتها وموظفيها.

منفّذ العملية: وعي سياسي لا اندفاع عشوائي

صورة إلياس رودريغيز، الشاب اللاتيني الذي لم يهرب بعد تنفيذ العملية، بل طلب من أحد المارة الاتصال بالشرطة، وجلس في هدوء ينتظر الاعتقال، تقلب الموازين تمامًا. نحن لا نتحدث عن "متطرّف أرعن"، بل عن شاب باحث في التاريخ، صاحب وعي سياسي عميق، وموقف أخلاقي دفعه للتحرك ضد الظلم.

 

هذا الفعل، وإن كان فرديًا، لا يُقرأ في عزلة. بل يأتي في سياق عالمي يتنامى فيه الغضب الشعبي تجاه الدعم الغربي للإبادة في غزة. ومع كل يوم صمت دولي، تتسع رقعة هذا الغضب وتزداد تعبيراته جرأة.

عن الموظفين الذين قُتلوا: الدبلوماسية كغطاء للإبادة

بعيدًا عن التقديس الأوتوماتيكي لكل من يرتدي بدلة دبلوماسية، من الضروري أن نُمعن في خلفيات الضحايا:

أحدهم كان يغرّد يوميًا منشورات تحرّض ضد الفلسطينيين، وتُبرّر المجازر التي تُرتكب بحق الأطفال والمدنيين.

الآخر أعاد تغريد منشور ينكر التقارير عن موت 14 ألف طفل نتيجة الحصار والجوع، زاعمًا أن "إسرائيل لا تقتل المدنيين".

ما الفرق بين من يقصف بالقنابل، ومن يُسوّق لهذه القنابل ويمنحها الغطاء الإعلامي والدولي؟
كلاهما شريك في الجريمة، والردّ عليهما لا يجب أن يُقرأ كعدوان على “أبرياء”، بل كصرخة من قلب المأساة.

التشكيك الشعبي في دوافع العملية: لماذا يفزع الجبناء من الفعل؟

جزء من ردود الفعل العربية على وسائل التواصل الاجتماعي كان مشوّهًا بفعل الذهول والخذلان: البعض هرع نحو نظريات المؤامرة، زاعمًا أن "الموساد دبّر الحادث لصالح إسرائيل".
لكن هذه الردود ليست إلا محاولة بائسة للهرب من مواجهة سؤال: لماذا لا نجرؤ نحن؟

في المجتمعات المُحبطة، تُصبح البطولة تهمة، ويُصبح الفعل الواعي علامة جنون. وتُنتج المذلة تبلّدًا، حيث لا يستطيع الفرد حتى الاعتراف ببطولة مَن تجرّأ على الفعل الذي تمنّاه سرًا، وخشيه جهرًا.

من واشنطن إلى العالم.. لا أحد بمأمن من تبعات الإبادة

إسرائيل اليوم ليست أقوى بعد الحادث، بل أضعف وأقل أمانًا. الحصانة التي ظنّتها أبدية في عواصم العالم تتآكل. ومنفّذ العملية في واشنطن ليس أول الغاضبين، وربما لن يكون الأخير.

العنف الإسرائيلي، المدعوم أميركيًا، بدأ يرتد على داعميه. والعالم لن يعود كما كان قبل غزة. فلا تعاطف مع جلاد… ولا مأوى آمن لمَن يبرّر الذبح.

التعليقات (0)