-
℃ 11 تركيا
-
14 يونيو 2025
سلاح التجويع في غزة: سياسة ممنهجة تنتهك الإنسانية منذ 2007
سياسة "إبقاء رأس غزة فوق الماء"
سلاح التجويع في غزة: سياسة ممنهجة تنتهك الإنسانية منذ 2007
-
22 مايو 2025, 1:08:24 م
-
422
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعبيرية
محمد خميس
في خضم الحرب الجارية على قطاع غزة، برز سلاح التجويع كواحد من أبشع الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل لتركيع الفلسطينيين، وهو ليس وليد اللحظة بل سياسة قديمة تعود جذورها إلى عام 2007. تكشف الوثائق والحقائق عن استراتيجية ممنهجة استخدمها الاحتلال لعقاب جماعي تجاوز كل الأعراف والقوانين الدولية.
تحديد السعرات للبقاء دون الحياة
منذ عام 2007، بدأت إسرائيل بتنفيذ سياسة التجويع بشكل مؤسسي. حيث كُشف عن قيام لجنة من وزارة الصحة والجيش الإسرائيلي باحتساب الحد الأدنى من السعرات الحرارية التي تضمن "إبقاء سكان غزة على قيد الحياة دون الموت جوعاً". هذه الاستراتيجية لم تكن عشوائية، بل اعتمدت على دراسات دقيقة تضمنت تحليل أعمار سكان القطاع، وجنسهم، ونمطهم الغذائي.
"الخطوط الحمراء": وثيقة رسمية للتجويع
في 17 أكتوبر 2012، كشفت منظمة "غيشاه-مسلك" الحقوقية عن وثيقة سرية صادمة بعنوان "الخطوط الحمراء"، أعدها منسق أعمال حكومة الاحتلال بتكليف من رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت.
حددت الوثيقة عدد السعرات اليومية لكل مواطن بـ 2279 سعرة حرارية، وهو الحد الأدنى المطلوب للبقاء على قيد الحياة، فيما تم تحويل هذه الحسابات إلى أوزان غذائية وشحنات يتم التحكم بها من المعابر الإسرائيلية.
تقنين إدخال الطعام: سياسة التجويع بالأرقام
كشفت الوثيقة أن إجمالي ما يُسمح بإدخاله من الغذاء لا يتجاوز 2575 طناً يوميًا، عبر 170 شاحنة فقط، خمسة أيام في الأسبوع. إلا أن الواقع كان أسوأ؛ إذ لم يلتزم الاحتلال حتى بهذه النسبة، وخفّض عدد الشاحنات إلى أقل من 68 شاحنة يوميًا.
ومن أجل "تجميل" هذه السياسة، احتج الجيش الإسرائيلي بأن هذا التخفيض يأخذ بعين الاعتبار الإنتاج المحلي المحدود في غزة، واستثنى الأطفال دون سن الثانية من الحصص الغذائية، بحجة اعتمادهم على الرضاعة الطبيعية.
تفضيل السكر على الحليب: أولوية غذائية موجهة
لم تكن نوعية الطعام بعيدة عن أهداف سياسة التجويع، فقد أولت الوثيقة أهمية أكبر للمواد ذات السعرات العالية مثل السكر والمحليات، مقابل تقليل كميات الخضروات والفواكه واللحوم. الهدف كان واضحًا: إدخال الطعام دون تغذية حقيقية.
سياسة "إبقاء رأس غزة فوق الماء"
في مرحلة لاحقة، اعتمدت إسرائيل سياسة جديدة أطلق عليها اسم "إبقاء رأس غزة فوق الماء"، التي بدأ تنفيذها بعد حرب 2014. تبنّاها وزير الدفاع الأسبق أفيغدور ليبرمان، وهدفت إلى إحكام الحصار بشكل شامل.
قيود متعددة لخنق الحياة
تضمنت هذه السياسة فرض قيود على الحسابات البنكية، تحويل الأموال، والسفر، بل وشجعت على الهجرة الجماعية لسكان غزة، في محاولة لتفريغ القطاع من سكانه ضمن سياسة تطهير غير معلنة.
التجويع كسلاح مباشر في حرب 2023-2025
مع بدء العدوان الأخير في أكتوبر 2023، تصاعد استخدام سلاح التجويع ليبلغ أشد درجاته. فقد فرض الاحتلال إغلاقًا كاملًا على المعابر، ومنع دخول أي مساعدات غذائية أو إنسانية، ما تسبب في أسوأ أزمة مجاعة يشهدها القرن الحالي.
استهداف مبادرات الإغاثة وتدمير القدرة على الصمود
لم تكتف إسرائيل بمنع الإمدادات، بل استهدفت بشكل مباشر تكايا الطعام واغتالت العاملين فيها، كما عملت على ملاحقة مصادر تمويل المبادرات الإغاثية.
وفي خطوة لشل قدرة السكان على الزراعة أو المقاومة، قلّصت إسرائيل مساحة الأراضي الزراعية عبر إنشاء مناطق أمنية عازلة شملت محاور استراتيجية مثل فيلادلفيا، موراغ، كيسوفيم، نتساريم، ومفلاسيم.
مجازر بدعم دولي: حصيلة كارثية
بدعم سياسي وعسكري من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تواصل إسرائيل تنفيذ ما وصفه حقوقيون بـ"إبادة جماعية"، أسفرت منذ 7 أكتوبر 2023 عن أكثر من 175 ألف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب 14 ألف مفقود، في ظل تدمير كامل للبنية التحتية الصحية والإنسانية.
تشير جميع المؤشرات إلى أن استخدام التجويع كسلاح في غزة لم يكن وليد الظروف، بل سياسة راسخة تهدف إلى إخضاع السكان وكسر إرادتهم عبر سلبهم حقهم في الحياة والغذاء. ومع كل هذه المعطيات، لا يزال المجتمع الدولي عاجزًا عن وقف هذه الجرائم أو محاسبة مرتكبيها.









