-
℃ 11 تركيا
-
2 أغسطس 2025
من غزة إلى واشنطن: عنف الاحتلال يرتد على داعميه
من غزة إلى واشنطن: عنف الاحتلال يرتد على داعميه
-
22 مايو 2025, 12:13:32 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مابعة: عمرو المصري
بينما كانت الشمس تشرق على العاصمة الأمريكية واشنطن، كانت رصاصات من مسافة قريبة تُنهي حياة اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية أمام المتحف اليهودي، في حدث بدا للوهلة الأولى "حادثًا معزولًا"، لكنه في الواقع يُعدّ ترجمة مباشرة لانفجار الغضب الشعبي العالمي ضد الجرائم الإسرائيلية المتواصلة منذ 594 يومًا في قطاع غزة، وضد الدعم الغربي السافر لها، سياسيًا وعسكريًا.
المفارقة الصادمة أن أحد الدبلوماسيين القتلى، وقبل أيام فقط من مقتله، كان قد غرّد متوعّدًا الحوثيين بالضرب والقتل، وواعدًا بقتل عبد الملك الحوثي كما "فعلنا مع محمد ضيف ويحيى السنوار ونصر الله"، على حدّ تعبيره. فيما كان زميله يعيد تغريد منشورات تشكّك في التقارير الأممية عن مقتل أكثر من 14 ألف طفل في غزة، ويدّعي أن "إسرائيل لا تستهدف المدنيين".
قُتلا صباحًا، في صمت أمريكي ثقيل، وتصدّع جديد في جدار الحماية الأخلاقي المزعوم حول "إسرائيل".
دبلوماسيون يُحرّضون على القتل
ما الفارق بين جندي إسرائيلي يقصف مدرسة مكتظة بالأطفال في رفح، وبين دبلوماسي ينفي حصول المجازر ويبرّرها في منابر الإعلام والسفارات؟
الاثنان يشتركان في الوظيفة: إدامة القتل. أحدهما يضغط الزناد، والآخر يوفّر الغطاء الدولي والشرعية السياسية لمواصلة الضغط.
التصريحات التي وثّقها هؤلاء القتلى على حساباتهم الشخصية، تكشف أن السفارات الإسرائيلية لم تعد مجرّد بعثات دبلوماسية، بل غرف عمليات موازية لتبرير حرب الإبادة، وتطبيع المجازر، وملاحقة الرواية الفلسطينية عالميًا.
عندما يعود العنف إلى مصدره: واشنطن كمسرح للارتداد
ما جرى في واشنطن ليس فقط "حادثة أمنية"، بل رسالة رمزية عن أن عنف الاحتلال لم يعد حبيس الجغرافيا الفلسطينية. لقد خرجت حرب الإبادة من شاشات الإعلام ومن جدران غزة المحاصرة، إلى شوارع الغرب، وتحديدًا قلب العاصمة الأمريكية، حيث يتّخذ الدعم لـ"إسرائيل" شكلًا مؤسسيًا لا لبس فيه.
إن مقتل ممثلي الاحتلال في واشنطن، في مكان يحمل رمزية دينية وسياسية عالية، يؤكد أن سياسة الكيل بمكيالين، والإنكار الممنهج للجرائم، باتت تُنتج ردود فعل نوعية وخارج التوقع، قد لا تكون الأخيرة.
العجز الدولي والارتداد الأخلاقي
مع دخول العدوان الإسرائيلي يومه الـ594، ومع مرور أكثر من 66 يومًا على حصار مطبق يمنع دخول الغذاء والدواء إلى غزة، ومع صمت دولي شبه مطبق، يصبح المنفذ الفردي في الغرب مرآة للفشل الدولي في وقف الجرائم، وإنذارًا بأن الصمت الرسمي لم يعد يحظى بهدوء شعبي مماثل.
الارتداد لم يعد إعلاميًا فقط. إنه ارتداد أخلاقي وأمني وسياسي على داعمي الاحتلال، وعلى الذين يصرّون على تصوير "إسرائيل" كضحية، رغم انكشاف مجازرها بالصوت والصورة، وجثث الأطفال التي لا تزال تُنتشل من تحت الأنقاض كل يوم.
غضب بلا جغرافيا… ومقاومة بلا حدود
حادثة واشنطن تفتح الباب لسؤال حرج:
هل دخلنا مرحلة "ما بعد التضامن"؟ حيث الغضب العالمي لم يعد يُترجم فقط بمظاهرات وهاشتاغات، بل بأفعال فردية عابرة للجغرافيا؟
إذا استمر العالم في تجاهل مطالب وقف الإبادة الجماعية في غزة، وتواطأت الحكومات في تجويع مليوني إنسان، فمن غير المستبعد أن نشهد موجة من الردود غير المتوقعة، تأتي من أفراد أو مجموعات، في عواصم تدّعي الدفاع عن "الحرية وحقوق الإنسان"، لكنها تُغطي على مجازر موثقة بحق الأطفال والمدنيين.
في الختام: لا أمن مع الإبادة
من غزة إلى واشنطن، تتكرّر الحقيقة ذاتها:لا أمن مع الاحتلال، ولا استقرار مع التواطؤ، ولا سلام مع الإبادة.
العالم لن يبقى صامتًا إلى الأبد. وإذا كان عجز المجتمع الدولي قد أجهض أي فرصة للعدالة في المحاكم، فإن العدالة بدأت تُطلّ من الهامش، عبر أصوات غاضبة، وربما أفعال أكثر حدة، كلما طال أمد الجريمة وامتد الصمت.








