"نمط جديد من المقاومة الدولية".. قراءة في دلالات مقتل موظفي السفارة الإسرائيلية

profile
عبدالرحمن كمال كاتب صحفي
  • clock 22 مايو 2025, 11:39:54 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بالنظر إلى حادثة إطلاق النار أمام المتحف اليهودي في واشنطن، والتي أسفرت عن مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية، يمكن مقاربة الحادثة بتحليل معمّق يتجاوز البعد الأمني المباشر، إلى قراءة الخلفيات السياسية والدلالات الرمزية والتاريخية، في ضوء التحولات المتسارعة في الرأي العام العالمي حيال حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، والتي دخلت يومها الـ594 بدعم أمريكي وغربي  مطلق.

جاءت العملية بعد 66 يومًا من استئناف الاحتلال الإسرائيلي لحربه الإجرامية على غزة، عقب إفشاله اتفاق وقف إطلاق النار، وسط حصار كامل يُصنَّف بوضوح كأداة للتجويع الجماعي. توقيت الهجوم يتقاطع مع حالة احتقان عالمي متصاعدة، إذ بدأت تتبلور تحولات نوعية في المزاج الشعبي العالمي، تجاوزت دائرة التنديد الإعلامي أو التظاهر، لتتخذ شكلًا أكثر حدة ورمزية في الرد على السياسات الإسرائيلية الدموية.

رمزية الموقع: في قلب واشنطن

اختيار المنفذ موقع العملية ليس تفصيلًا عابرًا. المتحف اليهودي في العاصمة الأمريكية ليس مجرد موقع ثقافي، بل رمز مركزي من رموز الدعم السياسي والتاريخي لـ"إسرائيل" في الداخل الأمريكي. أن يتم استهداف دبلوماسيين إسرائيليين في هذا الفضاء، أثناء فعالية منظمة من اللجنة الأميركية اليهودية – وهي من أبرز أذرع الضغط السياسي لصالح "إسرائيل" – يكشف حجم الشرخ المتزايد في صورة إسرائيل حتى في مراكز النفوذ التقليدية.

هوية المنفذ: من خارج الدوائر العربية والإسلامية

المهاجم "إلياس رودريغيز"، شاب أمريكي من أصل لاتيني، من شيكاغو، غير عربي، لا ينتمي تقليديًا إلى الفئات التي تستهدفها أجهزة الأمن في قضايا "التطرف السياسي". ارتدى الكوفية الفلسطينية، وصرخ "فلسطين حرة" قبل إطلاق النار. هذه الدلالة بالغة الأهمية، وتؤكد أن قضية فلسطين لم تعد مقتصرة على العرب والمسلمين، بل باتت تُمثّل ضميرًا عالميًا متمردًا على القتل والصمت والازدواجية.

أثر "الحرب الشاملة": تفكيك الغطاء الأخلاقي لـ"إسرائيل"

منذ 7 أكتوبر، تبنّت حكومة الاحتلال سياسة "الحرب الشاملة"، دون قيد أو التزام بقواعد الحرب أو القانون الدولي. تم تجويع مليونَي إنسان، واستشهد أكثر من 16 ألف طفل، في مشهد لم يعد الإعلام الغربي قادرًا على تغطيته أو تبريره. هذه السياسة لم تؤدِ فقط إلى تصعيد في الميدان، بل فجّرت موجات سخط متتالية في الشارع العالمي، من جامعات الولايات المتحدة، إلى شوارع لندن وباريس، وحتى أصوات الاحتجاج داخل المؤسسات الغربية نفسها.

الغضب الشعبي كبيئة مقاومة دولية جديدة

حادثة واشنطن لا يمكن فصلها عن هذا السياق. هي جزء من موجة غضب عالمي تتجاوز الجغرافيا والسياسة، وتدخل حيز الفعل الفردي. كمؤشّر خطر على الانفجار القادم في ظل عجز المجتمع الدولي عن وقف المجازر، وتقاعس الحكومات الغربية، خصوصًا الإدارة الأمريكية، عن لعب دور رادع للاحتلال، بل مشاركتها في الجريمة عبر التمويل والتسليح.

هل نحن أمام نمط جديد من المقاومة العابرة للحدود؟

الحادثة، بما تحمله من رمزية ومؤشرات، تفتح بابًا لسؤال مركزي:

هل تتشكل بيئة مقاومة شعبية عابرة للحدود، تدفع أفرادًا حول العالم إلى اتخاذ خطوات مباشرة ضد "إسرائيل" وممثليها، نتيجة لفشل المؤسسات الدولية والقانونية في كبح جماح آلة الإبادة؟

ربما لا تكون هذه الحادثة معزولة، بل بداية سلسلة ردود فعل فردية أو جماعية في بيئات غربية لطالما شكّلت الحاضنة السياسية والأمنية لـ"إسرائيل". ولا يمكن فصل ذلك عن سياق التصعيد الإعلامي والسياسي، والاحتجاجات الطلابية والحقوقية التي تكشف عن عمق التحوّل في الرأي العام.

ما لم يتغيّر المسار.. فالعالم على شفا انفجار أخلاقي

حادثة واشنطن تُنذر بما هو أكبر من تصرف فردي. إنها تجسيد رمزي لانهيار الغطاء الأخلاقي عن "إسرائيل" في الوعي العالمي. وإذا استمر التواطؤ الأمريكي والغربي في حماية الاحتلال، واستمرت آلة القتل في غزة في العمل دون محاسبة، فإن مثل هذه الحوادث قد تصبح لغة غضب جديدة، يتحدث بها العالم بدلًا من تقارير الإدانة أو منشورات التضامن.

العدوان على غزة لا يُفرّخ فقط شهداء تحت الركام، بل يولد كل يوم بذور انتفاضة كونية ضد نظام دولي عاجز، وحرب إبادة لا تزال تُمارَس تحت أعين العالم، وبدعمٍ معلنٍ من "حماة القانون والحرية".

التعليقات (0)