إسماعيل جمعه الريماوي يكتب: عالم بلا قلب.. حين تُحرق الطفولة في غزة ويصمت الجميع

profile
  • clock 19 مايو 2025, 5:01:37 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
إسماعيل جمعه الريماوي يكتب: عالم بلا قلب.. حين تُحرق الطفولة في غزة ويصمت الجميع

في غزة، لا شيء سوى الموت. لا طعام، لا دواء، لا مأوى، لا ماء، هناك فقط أطفالٌ يشربون من ماء البحر المالح، وينامون على ركام البيوت، ويستيقظون على هدير الطائرات، هناك فقط جثث صغيرة تُنتشل من تحت الأنقاض، وصرخات أمهاتٍ فقدن كل شيء، بينما العالم يراقب، بلا قلب، بلا إحساس، بلا كلمةٍ واحدة تليق بهذا الجرح المفتوح منذ سبعة عقود.


في غزة، لا وقت للدهشة، ولا متسع للأسئلة البسيطة، فكل سؤالٍ صار يُجاب بالصمت أو القصف أو المجاعة ، يُقصف الأطفال عمدًا، ويُحرقون عمدًا، ويُقتلون عمدًا، في مشهدٍ واضحٍ لا يحتاج إلى لجان تحقيق ولا تقارير منظمات، بل يحتاج فقط إلى إنسانية ، لكن الإنسان في هذا العالم قد رحل، أو ربما لم يكن هنا أصلًا.


من يشاهد ما يحدث في غزة ويمضي في يومه كأن شيئًا لم يكن، هو شريك في الجريمة ، من يساوي بين الجلاد والضحية هو جزء من آلة القتل، ومن يطالب أطفال غزة بالاعتذار لأنهم لم يموتوا بصمت، هو أقبح من القاتل نفسه.


أما العرب، فهم بين صامتٍ مرتعش، ومطبّعٍ يفتش عن مكاسب سياسية في ركام المخيمات ، لم تعد البيانات تشفع، ولا جلسات القمم تعني شيئًا، كل نظامٍ عربيٍ بات يُحاكم اليوم أمام التاريخ، لا على صمته فحسب، بل على تخليه الكامل عن معنى العروبة والكرامة والضمير، كل خذلانٍ لغزة الآن هو خذلانٌ لفلسطين كلها، وللمستقبل كله، وللأمة كلها.


لكن القاع الأخلاقي لا ينتهي عند حدود الأنظمة، فهناك سلطةٌ فلسطينية باتت ترى في مشروعها الوظيفي أهم من دماء أطفال غزة ، سلطة تساوم على الموت بالحياة، وعلى المقاومة بالرواتب، وعلى الوطن بوهم الدولة ، سلطة تراقب المجازر من برجها العاجي في رام الله، وتدعو إلى "التهدئة" و تجريد من يقاوم من سلاحه، بينما تُباد غزة حيًا حيًا، سلطة لم تعد ترى في الشعب من تقوده، بل ترى فيه عبئًا يعطل مشروعها العقيم، وتريده شعبًا خانعًا لا يصرخ، ولا يغضب، ولا يثور.


في مواجهة هذا المشهد، لا يمكننا أن نكتب بلغة باردة، لا يمكننا أن نتحدث بلغة الحياد بينما الجريمة تُبث على الهواء مباشرة، ولا يمكننا أن نغفر لصمتٍ مهين، أو نمنح الشرعية لمشروعٍ يتغذى على بقاء الاحتلال.


غزة اليوم لا تحتاج فقط إلى تضامن، بل إلى انتفاضة ضمير، لا تحتاج إلى دموع، بل إلى فعل، لا تحتاج إلى كلمات، بل إلى مواقف حقيقية، تُعيد الاعتبار لما تبقى من كرامتنا الجمعية.


وفي الختام، لنعترف جميعًا: نحن نعيش في زمنٍ سقطت فيه الأقنعة، وتكشفت فيه الوجوه الحقيقية ، زمنٌ صار فيه الطفل الفلسطيني هدفًا مشروعًا، وصار فيه الصمت موقفًا سياسيًا، وصار فيه التواطؤ سياسةً معلنة ، لكن رغم كل شيء، ستبقى غزة، وسيبقى أطفالها، وسيبقى الحجر أعلى من الصاروخ، والإرادة أقوى من الطائرات، لأن من يملك حقًا، يملك صوتًا لا يُقتل، وإن قُتل ألف مرة.

التعليقات (0)