إسرائيل تُراجع جيشها: أزمة تجنيد تهدد مستقبل "جيش الشعب"

profile
  • clock 14 يوليو 2025, 5:25:06 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
إسرائيل تُراجع جيشها: أزمة تجنيد تهدد مستقبل "جيش الشعب"

180 تحقيقات

في واحدة من أهم الدراسات الصادرة عن مراكز التفكير الأمني في "إسرائيل"، حذر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) من تفاقم أزمة التجنيد في صفوف جيش الاحتلال، مشيرًا إلى تآكل واضح في نموذج "جيش الشعب" الذي اعتمدت عليه الدولة العبرية منذ تأسيسها، لصالح نموذج جديد يقوم على الانتقائية، المهنية، والتخصص التكنولوجي.

انخفاض التجنيد الإجباري واتساع فجوة "العبء"

يكشف التقرير أن أعداد الشبان الذين لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي في تزايد مستمر، لا سيما من أبناء المجتمع الحريدي (اليهود المتدينين) الذين يتم إعفاؤهم بمبررات دينية، إضافة إلى فلسطينيي الداخل الذين لا تشملهم الخدمة العسكرية، إلى جانب عدد متزايد من الشباب اليهود الذين يحصلون على إعفاءات طبية أو نفسية.

ويُشير التقرير إلى أن هذه الظاهرة تُعمّق الفجوة داخل المجتمع الإسرائيلي، وتُضعف مفاهيم "المساواة في العبء"، التي طالما استخدمت لتبرير سياسات التجنيد الإلزامي، وربط الخدمة العسكرية بالهوية والانتماء الوطني.

الجيش لا يحتاج للجميع… بل للنخبة فقط

في مفارقة لافتة، يؤكد التقرير أن الجيش الإسرائيلي لم يعد بحاجة إلى جميع الشباب، في ظل التحولات التكنولوجية ونمو وحدات السايبر والاستخبارات التي تتطلب مهارات نوعية أكثر من الحاجة للقوة البشرية الميدانية.

ويبرز في هذا السياق دور وحدات مثل:

وحدة 8200 للاستخبارات الإلكترونية،

وحدة "لوتِم" للقيادة والتحكم،

ووحدات السايبر والدفاع التكنولوجي المتقدمة.

هذا التحول يُكرّس جيشًا نخبوياً لا يشمل كل المجتمع، بل يختار من يخدم بناء على كفاءته، لا التزامه الوطني، ما يُضعف من الروح القتالية الجماعية التي شكلت في السابق ركيزةً لتماسك المؤسسة العسكرية.

محاولة ترميم النظام عبر الخدمة المدنية

ولتجاوز التحدي، يقترح التقرير تبني نموذج مزدوج: يشمل الخدمة العسكرية للمؤهلين، والخدمة المدنية أو الوطنية لغير المجندين – كبديل يتيح مساهمة مجتمعية واسعة دون تعريض النسيج الاجتماعي لمزيد من التوتر.

لكن هذا المقترح، وفق محللين إسرائيليين، قد يُكرّس ازدواجية غير منصفة في الأعباء، ويُسهم في تعزيز التمييز بين طبقات المجتمع.


تحليل وتقدير: أزمة تتجاوز الجيش

يرى مراقبون أن ما يطرحه التقرير لا يقتصر على أزمة التجنيد، بل يعكس تحولات بنيوية داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، حيث تتراجع مكانة المؤسسة العسكرية في الوعي الجمعي، لصالح الفردانية والامتيازات والابتعاد عن المفهوم الجمعي للصراع.

في هذا السياق، يُطرح سؤال استراتيجي كبير:

> هل ما زال الجيش الإسرائيلي قادرًا على خوض حرب استنزاف طويلة أو مواجهة متعددة الجبهات دون تعبئة عامة واسعة؟

مستقبل القتال الإسرائيلي: مهارات عالية، عزيمة منخفضة؟

يُجمع محللون على أن جيش الاحتلال يتجه إلى أن يكون "جيشًا محترفًا صغيرًا"، يعتمد على التكنولوجيا والاستهداف الدقيق، لكنه يفتقر إلى الزخم الشعبي والالتفاف الوطني، وهو ما ظهر جليًا خلال العدوان المستمر على غزة، حيث شهد الجيش صعوبات في الاحتفاظ بجنود الاحتياط، وتنامت أصوات ترفض الاستمرار في المعركة.

تقرير INSS ليس مجرد قراءة تقنية لأزمة التجنيد، بل هو إعلان عن تحول خطير في بنية المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، يفتح الباب أمام أزمات أعمق على المستوى الاستراتيجي والمجتمعي.

بين جيش لا يجد من يخدم، ومجتمع لم يعد يثق بالحرب، يواجه الاحتلال أحد أكبر التحديات البنيوية في تاريخه.

التعليقات (0)