"يديعوت أحرونوت": 600 يوم من القتال أعادت إسرائيل إلى نقطة البداية

profile
  • clock 30 مايو 2025, 12:24:44 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

عرض: عمرو المصري

قال الكاتب الإسرائيلي والمحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت يوآف زيتون، إن الأسبوعين الأول والثاني من عملية "عربات جدعون" في قطاع غزة، كشفا عن الفارق الكبير بينها وبين المناورة العسكرية الكبرى التي نفذها الجيش الإسرائيلي في صيف عام 2023. فبينما انتهت العملية السابقة بانسحاب القوات، يعتمد الجيش هذه المرة على تقطيع أوصال القطاع عبر السيطرة على الطرقات الفاصلة بين المدن الفلسطينية، مع إبقاء القوات في مواقعها، والتقدم ببطء نحو ما يعتبره الجيش "معاقل الإرهاب". هذا التقدم البطيء أكثر أماناً بحسب تقييم المؤسسة الأمنية، حتى لو تطلب شهوراً من القتال البري المستمر، بعد مرور نحو 600 يوم على اندلاع الحرب في 7 أكتوبر.

وأضاف زيتون، في مقال نشره بموقع صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، أن التوجه الجديد يعكس ثلاثة اعتبارات أساسية لدى الجيش والمؤسسة السياسية: أولاً، إتاحة وقت إضافي لإمكانية التوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع "حماس"، سواء بشكل شامل أو على مراحل؛ وثانياً، العمل وفق سياسة متعمدة لتقليل الخسائر في صفوف الجيش، لا سيما أن القوات القتالية تعرضت لاستنزاف كبير بعد سنة وثمانية أشهر من العمل العسكري المكثف على جبهات متعددة؛ وثالثاً، محدودية عدد الجنود القتاليين المتاحين الآن في ظل الإنهاك والتآكل في القوى البشرية. وبحسب توضيح الجيش، فإن الحديث عن وجود "خمس فرق تناور في غزة" يعني وجود قيادات فرق فقط، وليس فرقاً كاملة بالآلاف، إذ تتوزع هذه القيادات على عدد محدود من الطواقم القتالية اللوائية، ولا يوجد الآن انتشار إسرائيلي واسع في معظم مناطق القطاع كما حدث في بداية الحرب. فعلى سبيل المثال، تنتشر قوات الفرقتين 98 و162 ببطء في أطراف البلدات والمخيمات القريبة من حدود الاحتلال، في شمال القطاع ووسطه.

أهداف محدودة وتكرار للميدان نفسه

وبينما يُفترض أن الهدف من العملية الحالية هو الوصول إلى ما تبقى من مخازن أسلحة حركة "حماس"، التي تحتوي على آلاف الصواريخ، من بينها صواريخ بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى تل أبيب، إضافة إلى عدد قليل من قادة الحركة مثل عز الدين حداد قائد الجبهة الشمالية، إلا أن الجيش يقوم بعمليات في المناطق نفسها للمرة السابعة أو الثامنة، دون أي تغيير جوهري. وبالرغم من ذلك، لا تبذل الحكومة أي جهد حقيقي لدفع مسار سياسي قد يؤدي إلى استبدال حكم "حماس" في غزة بجهة أخرى قادرة على تولي المسؤولية عن نحو مليوني فلسطيني، يواجهون ويلات الحرب والحصار.

تقديرات غير دقيقة وزمن مفتوح

في هذا السياق، نقل الكاتب عن ضابط رفيع في الجيش مسؤول عن إدارة العملية في جنوب القطاع، قوله إن العملية الحالية يُتوقع أن تنتهي في غضون شهرين، لكن زيتون يذكّر بوعود مماثلة أُطلقت في بداية الحرب حول إنهاء العمليات خلال أسابيع، قبل أن تمتد الحرب لأشهر طويلة. وفي الوقت الذي يواصل فيه الجيش تكثيف الهجمات الجوية، تزداد التقارير عن سقوط ضحايا مدنيين، بينهم أطفال، ما يؤدي إلى إحراج إسرائيل في الساحة الدولية وتراجع كبير في مستوى شرعيتها، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، مقارنة ببداية الحرب. كما أن القرار بمنع المراسلين العسكريين الإسرائيليين من تغطية المعارك على الأرض، شكل ضربة أخرى لصورة إسرائيل الإعلامية وأضعف من الإجماع الداخلي، الذي تراجع منذ الأشهر الأولى للحرب.

ضغوط إنسانية وخصخصة التوزيع

تطرق الكاتب أيضاً إلى الضغوط المتزايدة في المجال الإنساني، والتي دفعت الجيش إلى مضاعفة عدد الشاحنات التي تدخل القطاع يومياً من 100 إلى 200 شاحنة، تحمل الغذاء والوقود والغاز والأدوية، ويتوجه نصفها إلى مراكز توزيع تديرها جهات أميركية، افتُتحت مؤخراً بشكل متقطع، بينما يذهب النصف الآخر إلى المخازن المحلية، خصوصاً في شمال القطاع. ومع ذلك، يبقى توزيع المساعدات محفوفاً بالفوضى والمخاطر، خاصة في ظل ما سماه الكاتب بـ"المحاولة المصطنعة" لخصخصة المهمة الأمنية المرتبطة بإيصال المعونات، عبر تكليف شركات أمنية أجنبية ومرتزقة، وهي تجربة سبق أن فشلت في محاور التفتيش، حسب تعبيره.

لبنان: هدوء ظاهري

فيما يتعلق بالجبهة الشمالية، أوضح زيتون أن "حزب الله" لا يردّ على الضربات الجوية الإسرائيلية المتواصلة، ما يجعل وقف إطلاق النار في لبنان أحادي الجانب. ورغم الهدوء الحالي، يشير إلى أن التنظيم الشيعي يستثمر كل لحظة لإعادة ترميم قوته العسكرية والمعنوية، عبر تهريب الأموال وتعيين قيادات بديلة. عاد الهدوء جزئياً إلى منطقة الجليل، لكن آلاف الإسرائيليين لم يعودوا إلى منازلهم منذ إخلائهم في أكتوبر 2023، في حين أن إسرائيل تتأهب لرد محتمل قد يستهدف أحد مواقعها العسكرية الخمسة على الحدود اللبنانية، والتي أنشأها الجيش في "الشريط الأمني".

سوريا: احتلال بلا قتال

أما في سوريا، فقد وصف الكاتب ما يجري هناك بـ"الهدوء الخادع"، مشيراً إلى انتشار الجيش الإسرائيلي في تسعة مواقع داخل الأراضي السورية من جبل الشيخ إلى وادي اليرموك، عقب انهيار سيطرة النظام في تلك المناطق قبل نحو ثمانية أشهر. نشر الجنود صوراً على شبكات التواصل وهم يسبحون في خزانات مياه سورية، ما تسبب بإحراج لحكومة الاحتلال، رغم أنه يعكس واقع السيطرة الميدانية. لا تزال هناك مئات الأسلحة داخل قرى محسوبة على "داعش"، ويقوم الجيش بجمعها، رغم أن بعض المهام واجهت إطلاق نار محدوداً دون إصابات.

اليمن: التهديد المستمر

أشار زيتون إلى أن إسرائيل وصلت إلى "طريق مسدود" في مواجهة الحوثيين، الذين يواصلون إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة المفخخة بمعدل شبه يومي. ورغم أن منظومة الدفاع الإسرائيلية – الأميركية تعترض معظم هذه الهجمات خارج الحدود، فإن صاروخاً واحداً فقط قادر على اختراق الدفاعات والانفجار في مطار بن غوريون، كفيل بالتأثير على حياة الإسرائيليين، خاصة مع ارتفاع أسعار السفر مع اقتراب موسم العطلات. ويشير الكاتب بسخرية إلى أن العملية العسكرية الأميركية – البريطانية ضد الحوثيين انتهت ببيان من إدارة ترامب يطلب من إسرائيل عدم مهاجمة اليمن، وهو ما وافقت عليه. ومع ذلك، استؤنفت الهجمات بعد الضربة التي أصابت مطار بن غوريون قبل ثلاثة أسابيع، لكن فاعليتها كانت محدودة، ومطار صنعاء عاد للعمل.

الضفة الغربية: السيطرة مستمرة

في الضفة الغربية، كشف زيتون أن الجيش يعتمد استراتيجية "الاحتلال الثابت"، حيث يسيطر منذ أربعة أشهر على مخيمي جنين وطولكرم بعد إخلائهما من السكان والمسلحين، عبر نصب مواقع عسكرية دائمة. ورغم بعض الحوادث، مثل إطلاق النار التحذيري على دبلوماسيين أوروبيين في جنين، فإن الجيش يعتبر أن العملية نجحت نسبياً، حيث تراجعت التحذيرات من الهجمات المسلحة، وتم تدمير آلاف القطع من الأسلحة ومراكز القيادة التابعة للفصائل. وأبرز الكاتب أن الجيش نجح في خلق فصل ميداني واضح بين المدنيين والمسلحين، حيث يحيط مخيم جنين بسياج من الحواجز الترابية والبوابات الصفراء، بينما يستمر المدنيون في ممارسة حياتهم اليومية مع بعض التسهيلات.

اليوم التالي: اختبار القيادة

في ختام مقاله، أشار زيتون إلى أن التحدي الأكبر الذي يواجه إسرائيل حالياً في الضفة هو "اليوم التالي"، أي كيفية تسليم إدارة المخيمات إلى السلطة الفلسطينية أو جهات أخرى، في حال قرر الجيش الانسحاب منها. حالياً، تسيطر كتيبتان إسرائيليتان على هذه المخيمات على مدار الساعة، لكن اختبار نقل السيطرة سيبقى قائماً، خاصة في ظل هشاشة الوضع الأمني والسياسي في المنطقة.

التعليقات (0)