من صحافة العدو..

حرب غزة: هُزمت إسرائيل وانتصر نتنياهو

profile
  • clock 29 مايو 2025, 10:16:39 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

كتب الكاتب الإسرائيلي “بن كسبيت” في صحيفة «معاريف» العبرية أن الاحتلال خسر الكثير في حرب غزة بينما انتصر نتنياهو في نجاته بحياته حتى اليوم.

وقال بن كسبيت، مثل كل شيء في الجيش الإسرائيلي، حتى الـ 600 يوم الرهيبة التي مرت علينا تنقسم إلى ثلاثة أجزاء: في البداية هزيمة، بعد ذلك نصر، وعندها مرة أخرى هزيمة. وبتوسع: في اليومين الأولين هُزمنا. بعد ذلك صحونا، انتعشنا، شحذنا أسناننا، وانتصرنا. هذا النصر حققه المقاتلون والقادة بالدم، العرق، الدموع، البطولة، البسالة، والتضحية. لكن عندها كالمعتاد، لم نتمكن من جني ثمار النصر. في الأشهر (الكثيرة) الأخيرة نفقد الزخم، نتأخر عن القطار، نفوت الفرصة، نعطل الإنجازات، ونقترب من هزيمة أخرى، ليس بالذات عسكرية، وليس لدينا من نتهمه. لم يعد بايدن هنا، «القانونيون» لا يتدخلون في الحرب، المستشارة والنائبة العسكرية تعطيان للجيش إسنادا كاملا، 

الطعم الحامض للهزيمة الجديدة

واستطرد في مقاله، غالانت أقيل، رئيس الأركان استبدل، الائتلاف مستقر، ولا يوجد ائتلاف يميني – قومجي – متطرف أكثر منه. باختصار لا يوجد في المحيط مذنبون يمكن أن نلقي عليهم بالمسؤولية، واتهامهم بالطعم الحامض للهزيمة الجديدة. لكن ثقوا بنتنياهو وأقزامه. فهم سيجدون، أي سيختلقون شيئا ما. في هذه اللحظة وقعت وردية «المذنب الدوري» على يائير غولان. حتى المذنب التالي.


نبدأ بالهزيمة الأصعب في تاريخنا. سقوط مدوٍ، أليم، مهين، لن تكون له أبدا أي كفارة. كان لخطة «أسوار أريحا»، أو بلغة الفلسطينيين «طوفان الأقصى»، هدف واضح واحد: كسر فرقة غزة واقتحام دفاعات الجيش الإسرائيلي عن الغلاف. تحقق هذا الهدف بكامله، بما يتجاوز التوقعات الأكثر وردية لمحمد ضيف ويحيى السنوار. انكسرت فرقة غزة، واحتلت قاعدة الفرقة، وانهارت منظومة الدفاع من الجيش الإسرائيلي كبرج من الورق، وآلاف من «قتلة النخبة» فعلوا في الغلاف وسكانه كما يشاؤون من الساعة السادسة والنصف صباحا وحتى نهاية ذاك اليوم الرهيب.
 

 أثناء الاعتداءات الجماهيرية. عادت الاضطرابات إلى حياتنا. كل هذا، فيما تحوز الدولة التي أقمناها لقب «قوة عظمى إقليمية» فخورة ولا تهزم. تضرجنا في دمائنا.
كان هناك أيضا شيء ما يتجاوز الجانب المادي والألم الإنساني. لأول مرة عاد ليسترق إلى قلوب غير قليل من الإسرائيليين الخوف الوجودي. انعدام الأمن اليهودي ذاته. الإحساس بأن إسرائيل ليست مسلما بها. وجودها غير مضمون. هي هشة. هي ضعيفة. أعداؤها يهددون. دخلت إلى حياتنا أيضا «خطة الإبادة» الإيرانية. فجأة، دفعة واحدة، فهمنا أننا على مسافة خطوة من تحقق هذه الخطوة. «إبادة». ما لنا وللإبادة؟ وبالفعل، بدأنا نعتاد هذا الاصطلاح من جديد.

صدمة للجيش الإسرائيلي


كانت الأسابيع الأولى بعد الكارثة استقراراً في صورة صدمة للجيش الإسرائيلي، وسكان الغلاف، ومواطني إسرائيل، وحكومة إسرائيل، ورئيس وزراء إسرائيل. كلهم، ربما باستثناء أوريت ستروك («قبل كل شيء عيد سعيد»)، حاولوا أن يجمعوا شظايا روحهم وحياتهم والتفكير بما يفعلونه بعد ذلك. فقط واحد من كل أولئك، ذاك الذي كان آخر من ذكر، كان ناجعا ومركزا منذ البداية. وكما بلغنا في هذه الصفحات، استغرق نتنياهو يوما واحدا فقط كي يجمع رجاله ويكلفهم بمهمتهم، مهمة حياته: نحن لا نرحل إلى أي مكان، قال لهم، هاتوا لي خطة، لكي ننجو نحن من هذا، ولنبقى في الحكم. كيف نستفيد ونستغل ما حصل هنا لصالحنا.
 

خطة نتنياهو للنجاة بنفسه


عندما سُجل لبتسلئيل سموتريتش قوله، «بعد قليل» سيصحو الإسرائيليون وسيطردوننا، كان نتنياهو انتقل إلى خطة طرد خاصة به: كيف سيطرد كل المسؤولين، باستثنائه. لكن في هذه الأثناء كان يعرف شيئاً بسيطاً: لأجل أن ينجو هو بحاجة إلى تعزيز. وقد وجده في شكل وطنيين إسرائيليين ساذجين، كسولين غبيين (من ناحيتنا)، وإسرائيليين متفانيين من ناحيتهم. غانتس وآيزنكوت. انضمامهما منذ 11 تشرين الأول سمح لنتنياهو بأن يجمع الطاقة اللازمة، يلتقط الزمن الضروري، يجتاز الفترة الصعبة، ويبدأ، رويدا رويدا، بترميم مكانته في أوساط القاعدة.


انضمامهما كان أيضا حيويا للانتعاش العسكري. خاف نتنياهو نفسه من المناورة في غزة. لم تختف مخاوفه المتكررة، بل تعززت فقط. اللواء اسحق بريك، العميد عوفر فينتر، وآخرون أخافوه من شرك موت للجيش الإسرائيلي في غزة. رمم غانتس وآيزنكوت ثقته الذاتية. وحث غابي اشكنازي من الخارج. خرج الجيش الإسرائيلي إلى المناورة وسحق «حماس» بلا شروط. عدنا لأنفسنا.

هزيمة عسكرية 


عن النصر العسكري لا حاجة لمزيد من الحديث. فقد استخدم الجيش الإسرائيلي كامل قوته. جرى تأبين سلاح البر قبل الأوان. المقاتلون، الضباط، ألوية المشاة، المدرعات الرائعة، كلهم أعطوا ما لديهم في تضحية لا نهاية لها. صحا «الشاباك» المرضوض والمهزوز. وهو يعطي منذ 7 تشرين الأول ما يسمى «عرضا». «أمان»، من غياهب هزيمته، نهض من جديد، ووحدة 8200 توفر منذ 7 تشرين الأول كميات هائلة من المعلومات النوعية.


كل هؤلاء، يُضاف اليهم بطولة المقاتلين في النظامي وفي الاحتياط، والقوة والدقة لسلاح الجو وباقي وحداتنا التكنولوجية والقتالية، فعلت الفرق. احتلت غزة، هزمت ألوية وكتائب «حماس»، صفيت كل قيادة «حماس»، صفيت كل سلسلة القيادة الوسطى والصغرى لـ»حماس». وحتى كل قادة الشرطة التابعة لـ»حماس» في غزة ارسلوا إلى السماء. قسم كبير من غزة نفسها دمر. وتلقت بنية الأنفاق ضربة قاسية.


في هذه المرحلة وفي ضوء النجاحات الجارفة في جبهات أخرى أيضا (الضربة القاضية التي تلقاها «حزب الله» والضربات الأليمة التي تلقتها ايران)، أُعدت لإسرائيل خشبات قفز الأحلام لإعادة البدء والانطلاق من جديد: انطلق الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط بقوة هائلة، يجر وراءه الجميع تقريبا – السعودية، الإمارات، قطر، تركيا، وحتى سورية، ومصر ودول المغرب. كلهم يريدون أن يقفزوا إلى عربة ترامب نحو افق وردي من الاستثمارات المشتركة، الأحلاف الإقليمية، والارتباطات الاستراتيجية.
الكل، باستثنائنا. يغادر القطار المحطة بدوننا. استكملت مسيرة تحول نتنياهو إلى بن غفير. أصبح «الليكود» حزبا كهانيا. ويتواصل التفكيك المنهاجي لكل مؤسسات الدولة بقوة شديدة. الآن، يتهجمون حتى على رئيس الأركان الجديد، الذي لتوهم عينوه بأنفسهم. نحن على شفا أزمة دستورية، فيما يتحدث الحزب الحاكم بصوت عالٍ عن عدم طاعة قرارات محكمة العدل العليا.

نجاح نتنياهو في البقاء حيا 


لقد فقد نتنياهو الكوابح والتوازنات الأخيرة التي تبقت له. وأحيانا يبدو سكراً. ليس واضحاً إذا كان مشوشا أو كاذبا، وليس واضحاً ما يمر في رأسه حين ينكل بعائلات المخطوفين أو يبلغ، في شريط رسمي، انه منذ بدّل طاقم المفاوضات تحرر 25 مخطوفا (لم يتحرر أي واحد).


لأجل ماذا كل هذا؟ لأجل البقاء الشخصي للرجل. نجحت الخطة ذاتها، التي وضعت في 8 تشرين الأول. هو لا يزال هنا. حي، يركل ويهذر. لا توجد في العالم دولة واحدة رئيس الوزراء كلي القدرة فيها كان يمكن أن ينجو اكثر من أسبوعين بعد حدث مثل 7 تشرين الأول. هذا مميز لنا. يعرف نتنياهو انه لم يتبقَ من «حماس» شيء تقريبا. يعرف نتنياهو أنه الآن يجب مواصلة الحرب ضد «حماس» بالطريقة التي نقاتل فيها في الضفة. يعرف نتنياهو انه لا توجد في العالم ضمانة دولية تمنع إسرائيل من العودة إلى غزة، في الجو أو في البر، حتى بعد اتفاق لإعادة كل المخطوفين. 

يعرف نتنياهو أن إسرائيل تصبح، في هذه الأيام، دولة منبوذة. يعرف أن أحدا غير مستعد ليطير إلى هنا، وأن أحدا غير مستعد ليستثمر هنا، وان عشرات الدول تفكر بفرض عقوبات علينا أو الاعتراف بدولة فلسطينية أو هذا وذاك. هو يحطم إسرائيل من الداخل ومن الخارج أيضا. كل شيء مشروع من أجل نجاته. الملك أهم من المملكة.
 

التعليقات (0)