صراع داخلي... وتموضع خارجي

نتنياهو يوظف الضفة لترضية اليمين ومواجهة الضغوط الدولية قبيل مؤتمر "حل الدولتين" في نيويورك

profile
  • clock 28 مايو 2025, 4:09:14 م
  • eye 427
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
نتنياهو

متابعة: محمد خميس

مع اقتراب انعقاد المؤتمر الدولي حول "حل الدولتين" الذي تستضيفه الأمم المتحدة في نيويورك بين 17 و20 يونيو/حزيران برعاية سعودية-فرنسية، يتصاعد التوتر بين إسرائيل وفرنسا، في ظل استمرار الحرب على غزة واتساع دائرة الانتقادات الدولية، بينما يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تعزيز موقفه الداخلي بترضيته لليمين المتطرف عبر تصعيد استيطاني في الضفة الغربية، ومواقف عدائية تجاه أي تحركات دبلوماسية تدعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

صراع داخلي... وتموضع خارجي

في وقت تواجه فيه حكومة نتنياهو أزمات سياسية داخلية واحتجاجات واسعة النطاق، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى ترسيخ سيطرته على المشهد السياسي اليميني من خلال توظيف الضفة الغربية كورقة رابحة لتأمين دعم الأحزاب المتطرفة، ولا سيما حزب "الصهيونية الدينية" ووزرائه مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.

ويتزامن هذا التوجه مع ما وصفته الصحافة الإسرائيلية بـ"الرد الإسرائيلي على المؤتمر"، حيث لوّحت تل أبيب بإجراءات تصعيدية تشمل فرض السيادة على الضفة الغربية، وإغلاق القنصلية الفرنسية في القدس، في حال مضت فرنسا أو دول أخرى نحو الاعتراف بدولة فلسطين.

العلاقات الإسرائيلية-الفرنسية إلى مزيد من التأزم

تشهد العلاقات بين باريس وتل أبيب تدهورًا غير مسبوق منذ اندلاع العدوان على غزة، خاصة بعد أن وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الحرب الإسرائيلية بأنها "عار"، وطالب بوقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل.

وفي هذا السياق، لم يُسجل أي اتصال مباشر بين ماكرون ونتنياهو منذ أكثر من شهر، بعد أن كانا يتواصلان أسبوعيًا، ما يعكس تصدع الثقة الدبلوماسية بين الطرفين.

في المقابل، دعا ماكرون الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ إلى الإليزيه، في رسالة مفادها أن الخلاف ليس مع دولة إسرائيل بقدر ما هو مع حكومة نتنياهو المتطرفة، التي تعتبرها باريس المسؤولة عن تأجيج التوترات في غزة والضفة الغربية على حد سواء.

باريس: مبادرة متوازنة أم خصم دبلوماسي؟

تحاول فرنسا تقديم نفسها كوسيط عادل من خلال مبادرة "حل الدولتين"، مؤكدة أنها متوازنة وتشمل اعترافًا متبادلًا بين فلسطين وإسرائيل، إلى جانب نزع سلاح حماس وتجديد الحوكمة الفلسطينية.

لكن من منظور إسرائيل، تبدو هذه المبادرة محاولة لعزل نتنياهو دوليًا، وقد وصفت مصادر إسرائيلية تصريحات ماكرون ووزير خارجيته جان نويل بارو بأنها تدخل غير مقبول في الشأن الإسرائيلي.

وقد نقلت صحيفة "لو موند" عن مصدر رسمي إسرائيلي أن "إسرائيل تدرس خطوات انتقامية قد تشمل إعاقة مصالح فرنسية في المنطقة، وحرمان باريس من دور في أي عملية إعادة إعمار مستقبلية في غزة".

اليمين الإسرائيلي والضفة: ورقة استراتيجية بامتياز

بالنسبة لنتنياهو، فإن الضفة الغربية تمثل أكثر من مجرد منطقة نزاع؛ هي ورقة استراتيجية يمكن توظيفها داخليًا وخارجيًا. ومع كل خطوة نحو تهدئة في غزة، يرفع نتنياهو سقف التصعيد في الضفة عبر التوسع الاستيطاني وتلويح بضمها بالكامل.

ويأتي هذا تماشيًا مع رغبة اليمين الإسرائيلي الذي يحتفل سنويًا بذكرى "السيطرة على القدس الشرقية" عام 1967، ويرى في أي تراجع أمام المجتمع الدولي خيانة لـ"أرض إسرائيل الكبرى".

ملفات خلافية متزايدة: من غزة إلى الضفة وسوريا ولبنان

الخلافات بين فرنسا وإسرائيل لا تقتصر على الملف الفلسطيني، بل تمتد إلى الوضع في الجنوب السوري، والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان، والانتهاكات المستمرة لوقف إطلاق النار في غزة.

كما أزعج إسرائيل دعم فرنسا لإعادة النظر في اتفاقية الشراكة بينها وبين الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن البيان الثلاثي الذي أصدرته باريس بالتعاون مع لندن وأوتاوا، والذي شمل تهديدًا باتخاذ إجراءات إضافية ضد إسرائيل إذا لم توقف عدوانها على غزة.

صدام سياسي وشخصي بين ماكرون ونتنياهو

لم يتردد نتنياهو في مهاجمة ماكرون شخصيًا، متهمًا إياه بـ"الاصطفاف مع تنظيمات إرهابية"، فيما كتب نجله يائير نتنياهو منشورًا مستفزًا على منصة "إكس" هاجم فيه الرئيس الفرنسي بطريقة فجة.

هذا التصعيد في الخطاب يعكس حجم التوتر الشخصي والمؤسسي بين الجانبين، وهو ما قد يلقي بظلاله على مؤتمر نيويورك، الذي يُنتظر أن يكون محطة مفصلية في الملف الفلسطيني.

هل تتغير المعادلة؟

في ضوء التحولات الدبلوماسية، وتصاعد الأصوات الأوروبية الداعية للاعتراف بدولة فلسطين، تُطرح تساؤلات جدية:

هل تنجح فرنسا في كسب دعم أوروبي أوسع لممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل؟

أم أن نتنياهو سيظل محصّنًا بمظلة الدعم الأميركي؟

وهل سيضطر في النهاية لتقديم تنازلات، أم أنه سيواصل التصعيد حتى النهاية؟

الضفة كسلاح سياسي في يد نتنياهو

يوظف نتنياهو الضفة الغربية كسلاح سياسي لترضية حلفائه المتطرفين، وكساحة للرد على الضغوط الدولية، خصوصًا مع اقتراب مؤتمر نيويورك. وبينما تتحرك الدبلوماسية الأوروبية ببطء، يتحرك نتنياهو بسرعة على الأرض، مما يجعل المشهد مرشحًا لمزيد من التصعيد، وربما لمواجهة دبلوماسية غير مسبوقة بين إسرائيل وفرنسا.

التعليقات (0)