ناحوم برنياع: لن يوقف نتنياهو الحرب حتى لو وافقت حماس على كل المطالب الإسرائيلية

profile
  • clock 29 أبريل 2025, 11:19:35 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يديعوت أحرونوت  - ناحوم برنياع

لو كنت ابن 21 عاماً، اليوم، بعد ثلاث سنوات خدمة في وحدة قتالية، أتخيل كيف سأشعر. ستُلغى الرحلة التي خططتُ لها إلى أميركا الجنوبية، مع الرفاق، سنة تجول في المشاهد الرائعة. أسافر غربا، بالتأكيد غرباً، لكن فقط حتى غزة. مددت لي حكومتي أربعة اشهر أخرى. أربعة اشهر! أنظر إلى السترة الواقية التي اعتزمت إعادتها إلى مخزن السلاح، وإلى الحزام والسلاح، وأقول، وداعاً وليس إلى اللقاء، وأنظر إلى السنة التي حلمت بأن أقضيها بلا جيش وبلا رقابة أهل، وأنظر إلى الجرابات التي تتعفن مرة أخرى بالرائحة الكريهة، والى الرمل والغبار والعرق في رطوبة غزة.

أحصيت مسبقا أيامي حتى لحظة التسريح، ثمة نوع من المعتقد الخرافي بأني لن أتعرض للقتل أو الإصابة. والآن كل شيء سيخرب، وسأعيد الحساب من جديد، كالسجين في السجن أو المخطوف في النفق.

تعد الحكومة بأن تعطيني راتباً مقداره 8 آلاف شيكل عن كل شهر خدمة آخر. بالنسبة لنا هذا بحر من المال، لا جدال في ذلك. لكن يبدو لي هذا كالرشوة، وكأني جندي مرتزق: خذوا مالنا وأعطونا حياتكم. من يشغل مقاتلين مرتزقة؟ واحد يدفع كي يقاتل واحد آخر بدلاً منه. لو كان الوضع مثلما في "متسادا"، أو في "غيتو وارسو"، أو في "يوم الغفران" في القناة، نحن أو هم، فإنني سأفهم. لكن هنا يوجد عشرات آلاف الرفاق من أبناء عمري تدفع لهم الحكومة كي لا يتجندوا. لا أصدق انه توجد حكومة في العالم تتصرف هكذا، لا أصدق. دعكم، لو كانت الأحزاب الحريدية تعارض الحرب لكنت فهمت، لا نريد أن نقاتل، ولا نريد الآخرين أن يقاتلوا، لكنها بالذات مع الحرب؛ فهذا الترتيب يناسبها جدا.

يوم الأربعاء هو يوم الذكرى، وبالتأكيد سيدعوننا إلى الطابور ليتلوا علينا أسماء ضحايا اللواء، في هذه الحرب وربما أيضا في حروب سابقة. سيؤدي قائد الفرقة التحية للعلم، سيعد بالنصر، وأنا سأفكر بالرفاق الذين رحلوا إلى الأبد وأولئك العالقين الآن في أقسام إعادة التأهيل، ويقيسون الأطراف الصناعية. صعد أحدهم على عبوة، وتعرض آخر لصاروخ مضاد للدروع، وأصيب ثالث بنار قناصة، ولا تزال القائمة طويلة. سيقول قائد الفرقة، انه لم تكن حرب اكثر عدالة، وأنا سأفكر في واقع الأمر، ما الذي نفعله هنا، من أجل ماذا ومن اجل من؟ ومن التالي في الدور.

في البداية، تحمست للحرب. رأيت الصور في الشبكة، كيف ذبحونا، كيف تجولوا في الكيبوتسات، كأرباب البيت، وكيف استقبلوا في غزة المخطوفين، قلت سنريهم من هو الجيش الإسرائيلي. أطلقنا النار كالمجانين، قصفنا، كسحنا، دمرنا، أشعلنا الشمعدانات على الخرائب، وخططنا شعارات إلى أن لم تبقَ حيطان تخط عليها الشعارات. الحقيقة أنني لم أرَ عربيا واحدا حيا في غزة. رأيت فقط جثثا، الكثير من الجثث، نعم، لأطفال ولنساء ولطواقم طبية، حيث لا يوجد غير مشاركين في الحرب في غزة، قال قائد الفرقة، واعتقدت أنه محق.

لكن هذا لم ينتهِ، جولة وجولة أخرى وأخرى. بيت حانون عدنا إليكِ ثانية وثالثة ورابعة وخامسة، كل شيء يبدو مقفراً مثلما في فيلم علم خيالي على القمر. بعد أن كنا نستولي على الأرض، كان الجميع يدخلون إلى أجواء نهاية الدورة. كان الوزراء يأتون للزيارة، وجاء مراسلون وحاخامون في محاولة للتظاهر بأنهم يسوغون الأواني للفصح ويخطبون لنا بأن غزة هي جزء من بلادنا المقدسة ويجب طرد العرب وإعادة الاستيطان، هذه فريضة من التوراة. وبين الحين والآخر كان يخرج "حمساوي "من نفق ما، يطلق مضاد دروع ويقتل جنديا. كان الاحتفال ينتهي، وبعد يومين يعود، وكذا الضيوف. في الإعلام قالوا، إننا أبطال، وإننا نحقق النصر ونعيد المخطوفين. لكن الحقيقة هي أننا لم نحقق شيئا.

أنا مجرد نفر، لا أفهم الاستراتيجية، ولا أفهم السياسة، لكن شيئا ما هنا لا يروق لي: عمي، الذي هو ضابط كبير في مكان ما، يقول، إن "حماس" تبدي الآن استعداداً لقبول العرض المصري، في واقع الأمر، المطالب الإسرائيلية الأربعة كلها: عودة كل المخطوفين، والتخلي عن الحكم، وتسليم السلاح للمصريين، وخروج القادة إلى المنفى. المطلبان الأولان مؤكدان. المطلبان الأخيران ربما نعم، ربما لا، هذا منوط بمن تسأل لكن الإعلام في العالم العربي مليء بذلك.

إذاً، انتصرنا، أليس كذلك؟ انتهى الاحتفال، يمكن إعادة القوات إلى الديار والسماح لي - ولرفاقي - بأن أعود لاستمتع بشرابي في ماتشو بيتشو. لكن عمي، الذي يفهم سياسة، يقول، إني لا افهم شيئا. إذا قبلت "حماس" كل مطالب إسرائيل فإن نتنياهو لن يوافق على قبولها. هو مثل الباص في فيلم "سبيد"، الذي زرعت فيه قنبلة. إذا توقف ينفجر. وعليه فهو يبعث رئيس "الموساد" إلى أصدقائه في قطر، ليضعوا العراقيل أمام العرض المصري.

أتدري، يا عمي، قلت له، انسَ هذا، لم اسأل شيئا.

فقط أردت أن أقول لكم، إن "يوم الاستقلال"، هذه السنة، لن يكون متعة على الإطلاق. نجلس في الشجاعية، بين الأنقاض، نحتسي القهوة ونرى من بعيد الألعاب النارية في عسقلان وفي سديروت. تمتعوا هناك، في الجبهة الداخلية. يهبط الظلام على غزة: لا قمر، لا كهرباء. وبعد قليل سنخرج إلى دورية على المحور.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)