عبدالرحمن كمال يكتب: بين "شيخ أنتا جوب".. وأبناء عبدالناصر

profile
عبدالرحمن كمال كاتب صحفي
  • clock 29 أبريل 2025, 10:59:49 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
الرئيس المصري جمال عبدالناصر والمفكر الموسوعي الأفريقي شيخ أنتا جوب

جدل كبير أثاره ظهور مكالمة الرئيس جمال عبدالناصر مع الرئيس الليبي معمر القذافي في هذا التوقيت، على يد ابنه "عبدالحكيم"، والأثر السلبي الذي نتج عنها، سواء بسبب الاقتطاع، أو عدم الاطلاع على السياق التاريخي لها، أو استخدامها من قبل أطراف متناقضة لإثبات صحة مواقفهم على تضادها.. لا يمكن أن نفسر هذا الظهور إلا بأنه شكل جديد من إساءة أبناء عبدالناصر لإرث والدهم، تماما كما زعمت هدى عبدالناصر من قبل أنها عثرت في أوراق والدها على ما يثبت سعودية تيران وصنافير، وهو ما احتفى به إعلام الخليج وقتها.

خطورة المكالمة أنها تضرب تجربة وطنية مثل تجربة عبدالناصر في مقتل، إذ تصوره -ولو جزئيا- على أنه خضع للهزيمة وكان مستعدا للقبول بكل ما اقترفه الرئيس أنور السادات لاحقا (وهو تصور خاطئ روج له خصوم عبدالناصر رغم علم العقلاء منهم بالفارق الكبير بين ما كان يرفضه ناصر وما تطوع السادات بقبوله، لو افترضنا صحة زعمهم).

ظهور المكالمة في هذا التوقيت، وبعيدا عن تفسيراتنا حول ظروفها وسياقها التاريخي، هو بكل تأكيد يتماشى مع، بل ويبارك العجز والخيانة العربية الحاصلة منذ 7 أكتوبر، عبر استغلال رصيد التجربة الوطنية الاكثر شعبية في مصر والعالم العربي، بنفس طريقة مباركة بيع تيران وصنافير التي قامت بها هدى عبدالناصر، لكن هذه المرة على يد "عبدالحكيم".

هذا فيما يخص خدمة السلطة.. أما الأثر الأكثر خطورة لظهور التسجيل هو إفقاد الشعب الثقة في التجربة الوطنية التي جاهرت بعداء إسرائيل، وبالتالي إفقاده الإيمان بجدوى هذا العداء، وتأهيله للقبول بعدم جدوى المقاومة وحتمية القبول بالتطبيع، واعتبار أن وجود إسرائيل بل وقيادتها للمنطقة هو حقيقة واقعة وحتمية تاريخية لا يمكن رفضها أو حتى الجهر بالعداء لها.

المؤسف أن هذه المهمة أوكل القيام بها إلى أبناء الزعيم الذي أخذ على عاتقه تثوير الشعوب العربية ودعم تحريرها من المحيط إلى الخليج.. لو كان أبناء الزعيم لا يعلمون خطورة ما يقومون به فالأجدر بهم أن يختفوا من الساحة، أما لو كانوا يعلمون، فهم يؤكدون أن عبدالناصر الذي ربى جيلا ثوريا عربيا، فشل في تربية أبناءه.. ولعل هذا يطرح من جديد أهمية إلزام الدولة بإتاحة الوثائق والتسجيلات الرسمية وفق قانون يضمن حرية تداول المعلومات، فلا يُعقل انه بعد أكثر من 50 عاما ولا نزال رهن أن يتفضل علينا ورثة الرئيس عبدالناصر، سواء ورثة العائلة او ورثة الدولة، بالإفصاح عن معلومات وتسجيلات منقوصة وموجهة لغرض في نفس يعقوب.

خطورة ما فعله عبدالحكيم وهدى، ليس فقط تبرير خيانات السلطة، بل في تدمير إرادة العرب في المقاومة والرفض.. وهو نفس ما كان يحذر منه المفكر الموسوعي الافريقي شيخ أنتا جوب، في خضم معركته من أجل الرد على الاستعمار والعنصرية الأوروبية ضد أفريقيا.

إرث أنتا جوب يؤخذ منه ويرد، خصوصا مزاعمه بـ"زنجية الحضارة المصرية"، وإن كان السياق الذي قال فيه ذلك التصور مختلف تماما عن دعاوى الأفروسنتريك التي اتخذت من كتاباته منطلقا للسطو على الحضارة المصرية القديمة.

لكن ما يعنينا هنا هو منطلقاته الفكرية التي كانت ترتكز على أن الفكر السياسي والتاريخ لهما دور كفاحي، وأنه لا يمكن تحقيق الاستقلال السياسي دون تحقيق الاستقلال الحضاري والثقافي، لذا فإن إحياء الماضي وتمجيد الإرث الحضاري يمهد السبيل لاستقلال سياسي في الحاضر.

تدمير إرادة المقامة والرفض

كان أنتا جوب يحذر من أن الاستعمار يهدف إلى تدمير إرادة الأفارقة في المقاومة والرفض، وأنهم سيتم إخضاعهم بعد أن يتم تشويه وعيهم وإنكار دورهم الحضاري، وهو ما سيجعلهم ينبهرون ويعجبون بكل ما هو غربي، وذلك سيأتي على أساس رفض كل ما هو أفريقي، وهذا المناخ سيخلق التبرير لكافة السياسات والممارسات الاستعمارية في أفريقيا.

بالعودة إلى خطورة ما فعلته هدى عبدالناصر وشقيقها عبدالحكيم، ودور ذلك في تشكيك المصريين في التجربة التي جاهرت ورفضت إسرائيل، عبر نشر تسجيلات لوقائع تاريخية يتطلب الإلمام به اطلاع ومعرفة لم يعودا متوفرين في غالبية الشعب الذي جرى تجهيله عمدا، وخطورة أن يتم تسويق التسجيل ضمن محاولات تبرير العجز والخيانة رسميا وشعبيا، في الوقت الذي تتسرب فيه معلومات عن رغبة عربية في نزع سلاح المقاومة كشرط لوقف الإبادة الحاصلة في غزة منذ 7 أكتوبر 2023.

فصل الجيل الحالي عن إرثه التاريخي

كل ذلك يتماشى مع ما حذر منه أنتا جوب من محاولة فصل الجيل الحالي عن إرثه التاريخي، وعزله عن سياقه الحضاري وتشويه وعيه بشكل يجعله لا يمانع القبول بالخضوع للعدو.. طالما أن أكثر من جاهر بالعداء لهم كان سيقبل ذلك.. أي إنهم يمهدون لتدمير الإرادة العربية في المقاومة والرفض كمقدمة لقبول العرب والمصريين بالخضوع بعد تشويه وعيهم وقطع صلتهم بتاريخهم وإرثهم.. بل وحقيقة إنهم لا حياة لهم طالما بقت إسرائيل موجودة.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)