-
℃ 11 تركيا
-
2 أغسطس 2025
لطفي لبيب.. فنان بحجم الوطن يرفض تكريم سفارة الاحتلال ويهدي كتابه لرفاق الحرب
رفض التطبيع.. موقف لا دور
لطفي لبيب.. فنان بحجم الوطن يرفض تكريم سفارة الاحتلال ويهدي كتابه لرفاق الحرب
-
30 يوليو 2025, 2:52:31 م
-
421
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لطفي لبيب
محمد خميس
يظل الفنان لطفي لبيب أحد الوجوه الاستثنائية في تاريخ الفن المصري، ليس فقط بسبب موهبته الفذة وأدائه المتقن في أعماله الفنية، بل لأن مواقفه الوطنية والإنسانية طالما شكّلت العمود الفقري لشخصيته العامة. وقد أعاد لبيب تأكيد هذا المعنى حين رفض تكريمًا من سفارة الاحتلال الإسرائيلي في القاهرة، مؤكدًا أن انتماءه الحقيقي لا يُشترى بالتكريمات، بل يتجذر في الأرض التي حارب من أجلها ذات يوم.
ورغم أن شخصية السفير الإسرائيلي التي أداها لبيب ببراعة في فيلم "السفارة في العمارة" لا تزال حاضرة في أذهان الجماهير، إلا أن مواقفه الحقيقية تتجاوز هذا الدور بكثير. فهو لم يؤدِ الشخصية من منطلق قبول أو تطبيع، بل لعبها باعتبارها جزءًا من عمل فني هادف أثار جدلًا واسعًا وساهم في إعادة النقاش الشعبي حول مفهوم التطبيع.
بين الفن والجندية.. وجهان لنفس الوطن
ما لا يعلمه كثيرون أن لطفي لبيب لم يبدأ حياته المهنية كممثل، بل كجندي خدم في صفوف القوات المسلحة المصرية، حيث شارك في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973. وقد وثّق هذه المرحلة المفصلية في حياته من خلال كتاب بعنوان "الكتيبة 26"، سرد فيه شهادته الشخصية عن تفاصيل المعركة، خاصة عن أول كتيبة مصرية عبرت قناة السويس.
في هذا الكتاب، الذي أصدره بعد الحرب بعامين، يكشف لبيب عن لحظات الألم والانتصار، وكتب بإخلاصٍ عن زملائه الذين واجهوا الموت ليمنحوا الحياة لوطنهم. وقد أهدى هذا العمل إلى رفاقه في المعركة، في لفتة نبيلة تعكس معدنه الحقيقي، إذ قال: "أنا حاربت عشان الأرض دي، وسيناء غالية عليّا بشكل لا يتخيله عقل."
رفض التطبيع.. موقف لا دور
حين تلقى دعوة لتكريمه من قبل سفارة الاحتلال، لم يتردد في الرفض، مؤكدًا أن ما يحدث في غزة والقدس من انتهاكات واعتداءات لا يمكن أن يُقابل بالصمت أو التهاون. واعتبر أن التكريم من كيان يحتل أرضًا عربية لا يشرفه، بل يُعد خيانة لذكريات رفاقه الذين سقطوا في الحرب دفاعًا عن الكرامة والسيادة.
تصريحه الرافض كان واضحًا ومباشرًا: "أنا لا أستطيع أن أقبل تكريمًا من عدو، وأرفض أن أكون جزءًا من محاولة تلميع صورة كيان غاصب." هذا الموقف الصريح منح لطفي لبيب مزيدًا من الاحترام والتقدير لدى جماهيره، الذين رأوا فيه نموذجًا للفنان الحقيقي الذي لا يفصل بين فنه وضميره.
من الخنادق إلى خشبة المسرح
بعد أن أنهى خدمته العسكرية، التحق مجددًا بالفن في عام 1981، وبدأت رحلته من خلال المسرح، حيث شارك في أعمال مثل "المغنية الصلعاء" و*"الرهائن"*. ورغم تأخر انطلاقته الفنية، إلا أن ما يملكه من موهبة طبيعية وملامح قريبة من الناس جعله نجمًا في أدوار الكوميديا والدراما على حد سواء، خاصة في الفترة الذهبية للدراما المصرية في الألفية الثالثة.
أما فيلم "السفارة في العمارة" فقد شكّل نقطة تحول في مسيرته، ليس فقط لكونه عملًا ناجحًا جماهيريًا، بل لأنه ساهم في توسيع النقاش حول رفض التطبيع مع إسرائيل، وفتح الباب أمام جيل جديد من الفنانين للتفكير بمسؤولية فيما يقدمونه للجمهور.
فنان بموقف.. وضمير لا يغيب
ما يميز لطفي لبيب عن كثير من الفنانين هو أنه لم ينسَ يومًا انتماءه الحقيقي. فقد ظل على الدوام صوتًا للضمير الحي، سواء من خلال أعماله أو تصريحاته. وفي ظل ما تشهده الأراضي الفلسطينية من عدوان متكرر، لم يتردد لبيب في التعبير عن غضبه وحزنه، مندّدًا بصمت العالم ومؤكدًا أن السكوت عن الجرائم هو مشاركة ضمنية فيها.
إن مسيرة لطفي لبيب ليست مجرد رحلة فنية، بل تاريخ وطني، وضمير حر يرفض الخنوع، ويختار دومًا أن يقف في صف الحقيقة والكرامة.






