-
℃ 11 تركيا
-
18 يونيو 2025
من الظل إلى المواجهة: قراءة لاتجاهات الداخل الأمريكي بعد تهديدات ترامب لإيران
من الظل إلى المواجهة: قراءة لاتجاهات الداخل الأمريكي بعد تهديدات ترامب لإيران
-
18 يونيو 2025, 3:41:09 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
بين التصعيد العسكري المستمر بين إسرائيل وإيران، والضربات المتبادلة فوق الأجواء السورية والعراقية، وبين تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تُطرح تساؤلات جوهرية داخل الولايات المتحدة حول مدى اقتراب البلاد من الانخراط العسكري المباشر في حرب إقليمية كبرى، قد تبدأ من منشأة "فوردو" النووية الإيرانية، ولا يُعرف أين تنتهي.
وسط صمت رسمي عن حجم الدعم الحقيقي الذي قدمته واشنطن لإسرائيل في الضربات الأخيرة ضد الداخل الإيراني، بدأت النخبة السياسية والإعلامية الأمريكية تتلمس ملامح "المعركة القادمة"، وتسأل: هل يستعد ترامب لإعلان الحرب؟ ومن يمكنه منعه؟
الدور الأمريكي المخفي
رغم أن الإدارة الأمريكية لم تعلن صراحة عن مشاركتها المباشرة في الضربات الإسرائيلية الأخيرة على أهداف عسكرية وشخصيات إيرانية، إلا أن تصريحات الرئيس ترامب كشفت ما يمكن اعتباره "السر المعلن"، حين قال إن لدى الولايات المتحدة "سيطرة كاملة وشاملة على سماء إيران"، وأن الدفاعات الجوية الإيرانية "لا تقارن بالقوة الأمريكية تصميمًا وتصنيعًا".
منشورات ترامب على منصته "تروث سوشيال" تؤكد أن النجاح الإسرائيلي في تنفيذ اغتيالات واستهدافات نوعية داخل إيران، بما في ذلك الهجوم على مجمعات عسكرية أو مراكز أبحاث نووية، هو في جوهره انعكاس للقوة الاستخباراتية والتكنولوجية الأمريكية، أكثر منه إنجازًا إسرائيليًا مستقلًا. فإسرائيل، برأي بعض المحللين، لا تملك القدرة التقنية ولا اللوجستية للوصول إلى عمق المواقع الإيرانية الأكثر تحصينًا، دون "ممر أمريكي مفتوح".
ضوء أخضر من الكونغرس؟
مع هيمنة الحزب الجمهوري على الكونغرس بغرفتيه، يملك ترامب ظاهريًا حرية التحرك تجاه إيران دون معارضة مؤثرة من داخل السلطة التشريعية. زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، جون ثون، أشار بوضوح إلى أن الرئيس يملك من موقعه التأثير لدفع إيران نحو إنهاء برنامجها النووي، وهو ما يعني ضمنًا أن الخيارات العسكرية مطروحة بقوة على الطاولة.
أما السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، فقد ذهب أبعد من ذلك، حين دعا علنًا إلى تدمير منشأة "فوردو" النووية الإيرانية، مؤكداً أن إسرائيل لا يمكنها تنفيذ هذه المهمة وحدها، وأن الأمر يتطلب أسلحة لا تمتلكها سوى الولايات المتحدة، وربما عمليات عسكرية مشتركة.
تصريحات جراهام تعبّر عن نبض داخلي متزايد بين الجمهوريين الذين يرون في هذه المرحلة فرصة تاريخية لتصفية البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل، عبر توجيه ضربة قاصمة تحت قيادة ترامب، قد تُمثل "نهاية المشروع الإيراني"، وفق وصفه.
فوردو: الهدف الأكثر ترجيحًا
في أوساط المؤسسة الأمنية الأمريكية، يُجمع المراقبون على أن منشأة "فوردو" النووية الواقعة تحت الأرض جنوب طهران، تُعد الهدف الأكثر ترجيحًا لأي ضربة أمريكية محتملة. المنشأة المحصنة داخل الجبال تحتاج إلى قنابل خارقة للتحصينات مثل GBU-57 العملاقة، والتي لا تملكها سوى قاذفات B-52 الأمريكية.
ومن خلال استخدام هذه الأسلحة، يمكن لواشنطن، بحسب خبراء عسكريين، أن تدمّر القدرة الإيرانية على تخصيب اليورانيوم في المنشأة الأكثر تحصينًا، وهو ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه عبر غاراتها الأخيرة.
انقسام داخلي.. أم غياب للمعارضة؟
ورغم تصاعد الدعوات للضرب، لا تزال إدارة ترامب تعيش حالة من الانقسام الداخلي. فبينما تميل شخصيات بارزة إلى الحسم العسكري، تتريث جهات أخرى خوفًا من التورط في حرب مفتوحة تُهدد القوات الأمريكية في العراق وسوريا والخليج.
زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، طالب بإحاطة سرية لجميع الأعضاء حول الوضع بين إيران وإسرائيل، وهو ما يعكس قلقًا حقيقيًا داخل الحزب الديمقراطي من إمكانية توسع الدور العسكري الأمريكي دون نقاش علني أو تفويض رسمي.
لكن حتى هذه المطالب لا تقوى على فرملة اندفاعة ترامب، خاصة في ظل ضعف موقف الديمقراطيين داخل المجلس، وغياب إرادة سياسية فعّالة لكبح رئيس جمهوري يستثمر هذا التصعيد في تعزيز حضوره الانتخابي قبيل استحقاق 2028.
أسبوع حاسم.. وقرار فردي
يراهن ترامب على عنصر المباغتة، كما تُظهر تصريحاته الغامضة والمتقطعة. "لا أحد يعلم ما سأفعله"، قال من البيت الأبيض، وكرر أن "الأسبوع المقبل سيكون حاسمًا، وربما لن نستكمل الأسبوع". في لغة السياسة الأمريكية، هذه ليست تصريحات دبلوماسية بل رسائل استعداد عسكري حقيقي.
ترامب يدرك أن أي ضربة ضد إيران، خاصة إذا نجحت، ستُشكّل إنجازًا واستراتيجيًا ضخمًا، يُعيد تعريف موقع أمريكا في المنطقة، ويقوّي صورته داخليًا باعتباره زعيمًا "لا يتردد". وهو يعلم أيضًا أن الداخل الأمريكي، باستثناء بعض الأصوات الديمقراطية، لا يملك حاليًا آلية قانونية حقيقية لمنع رئيس يتخذ قرارات الحرب من غرفة العمليات.
إلى أين يتجه القرار؟
في ظل كل ما سبق، تبدو الولايات المتحدة أقرب من أي وقت مضى للانخراط في الحرب علنًا، لا سرًا. فالطريق إلى قصف فوردو لم يعد تقنيًا ولا عسكريًا، بل سياسيًا فقط. وإذا قرر ترامب تجاوز الترددات داخل إدارته، فلن يجد في الكونغرس من يوقفه، ولن يعيقه الداخل الأمريكي الذي يعيش أصلاً حالة انقسام حاد وشلل مؤسسي.
الحرب مع إيران قد تكون، بنظر ترامب، آخر بطاقة حسم كبرى في رئاسته، ونقطة تحوّل كفيلة بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بدماء جديدة، من فوردو... إلى ما بعد.








.jpg)
