حرارة الكوكب تغيّر شهيتنا: دراسة تكشف علاقة الاحتباس الحراري بازدياد استهلاك السكر

profile
  • clock 9 سبتمبر 2025, 1:05:04 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

مع اشتداد الحر والرطوبة في الصيف، يزداد إقبال الأمريكيين على المثلجات والحلويات المجمدة والمشروبات الغازية المثلجة. هذا ما كشفته دراسة حديثة نُشرت في دورية Nature Climate Change، وأشارت إلى أن تغيّر المناخ لم يعد يقتصر تأثيره على البيئة والزراعة فقط، بل أصبح يوجّه عادات الناس الغذائية نحو استهلاك كميات أكبر من السكر. ووفقًا لتقرير نشرته شبكة CNN، فإن هذا التحول في السلوك الاستهلاكي يثير مخاوف جدية بشأن التداعيات الصحية، خصوصًا مع الاعتماد المتزايد على منتجات غنية بالسكريات.

ما يثير الانتباه أن هذه الظاهرة لا ترتبط فقط بالرغبة في تناول شيء منعش، وإنما تحمل في طياتها انعكاسات أعمق ترتبط بالصحة العامة وبكيفية تأثر حياة الناس اليومية بتغيّر المناخ. فالمناخ الأكثر حرارة يدفع الأجساد إلى فقدان كميات كبيرة من المياه، الأمر الذي يجعل المنتجات الباردة المحلاة بالسكر خيارًا سريعًا وشائعًا. لكن هذا الخيار قصير المدى للترطيب والتبريد قد يتحول إلى مصدر طويل الأمد للأمراض المزمنة.

تغيّر المناخ والغذاء

أوضحت الدكتورة بان هي، وهي باحثة مشاركة في الدراسة وأستاذة في علوم البيئة والاستدامة بجامعة كارديف، أن هناك ما يكفي من الأدلة على أن تغيّر المناخ سيؤثر على توافر الغذاء وجودته، وسيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وربما تراجع القيمة الغذائية. ومع ذلك، تقول إن ما لم يُدرس بشكل كافٍ حتى الآن هو تأثير المناخ على سلوكيات الناس الغذائية وما يختارونه لتناوله وشربه يوميًا. هذا الجانب المهمل هو ما حاول فريقها إلقاء الضوء عليه من خلال تحليل بيانات دقيقة.

الدراسة لا تكتفي بربط الحرارة بزيادة استهلاك السكر فحسب، بل تكشف أيضًا عن أبعاد اجتماعية واقتصادية عميقة. فهي تُظهر أن تأثير المناخ يتجاوز حدود المزارع والحقول ليصل إلى مائدة الطعام، وأن التغيرات في أنماط الاستهلاك لا تقل خطورة عن التغيرات في الإنتاج. هذا الطرح يفتح الباب أمام أسئلة جديدة عن طبيعة العلاقة بين البيئة وعادات البشر الغذائية.

بيانات ممتدة لسنوات

اعتمد الباحثون على بيانات مشتريات غذائية للأسر الأمريكية بين عامي 2004 و2019، ما أتاح لهم متابعة العادات الغذائية لعائلات بعينها على مدى طويل. وقاموا بربط هذه البيانات بمعطيات الطقس المحلية، بما يشمل درجات الحرارة ومستويات الرطوبة، من أجل تحديد العلاقة بين الطقس واستهلاك المنتجات الغنية بالسكر. وكانت النتيجة واضحة: كلما ارتفعت درجات الحرارة، زاد استهلاك السكر بشكل ملحوظ.

هذا الربط بين بيانات الطقس والشراء يضفي مصداقية قوية على النتائج، لأنه يكشف نمطًا متكررًا عبر سنوات طويلة، وليس مجرد سلوك عابر. وهو ما يجعل من الدراسة مرجعًا مهمًا في فهم كيف يتغلغل تغيّر المناخ في تفاصيل الحياة اليومية، بدءًا من اختيارات الطعام وصولًا إلى انعكاسات هذه الاختيارات على الصحة العامة.

أرقام مقلقة

أشارت الدراسة إلى أنه مقابل كل ارتفاع بمقدار 1.8 درجة فهرنهايت في الحرارة، يزداد استهلاك الأسر الأمريكية للسكر بمعدل 0.7 غرام لكل فرد يوميًا. ويصبح هذا الارتفاع أكثر وضوحًا حين تتراوح درجات الحرارة بين 68 و86 درجة فهرنهايت، وهي مستويات شائعة في فصل الصيف. هذه الأرقام تكشف عن علاقة مباشرة بين الطقس الحار ورغبة الناس في تناول منتجات سكرية.

الأمر لا يتوقف عند حدود الرغبة الفردية، بل يتصل بظاهرة جماعية ذات انعكاسات صحية واسعة. فإذا كان ارتفاع درجة أو درجتين يؤدي إلى زيادة ملحوظة في استهلاك السكر، فإن استمرار الاحترار العالمي يمكن أن يدفع المجتمعات إلى أنماط غذائية أكثر خطورة. هذه النتائج تجعل من قضية تغيّر المناخ تحديًا مزدوجًا: بيئيًا وصحيًا في آن واحد.

الفئات الأكثر هشاشة

أحد الاكتشافات المهمة في الدراسة أن هذا السلوك يظهر بشكل أكثر وضوحًا لدى الأسر ذات الدخل المحدود أو المستويات التعليمية المنخفضة. هذه الفئات تميل أصلًا إلى استهلاك المزيد من السكر بسبب انخفاض أسعار الأطعمة الغنية به وسهولة الحصول عليها. ومع موجات الحر، تصبح أكثر اعتمادًا على هذه الخيارات.

كما أن هذه الفئات غالبًا ما تقضي وقتًا أقل في أماكن مكيفة الهواء، وهو ما يضاعف من تعرضها لدرجات الحرارة المرتفعة. النتيجة هي دائرة متكررة: حرارة عالية تدفع إلى استهلاك السكر، والفئات الضعيفة هي الأكثر عرضة لذلك، ما يجعلها تواجه مخاطر صحية مضاعفة على المدى الطويل.

توقعات المستقبل

تتوقع الدراسة أن استهلاك السكر على مستوى الولايات المتحدة يمكن أن يرتفع بنحو 3 غرامات إضافية يوميًا بحلول عام 2095 إذا استمر التلوث المسبب للاحتباس الحراري دون قيود. هذا السيناريو يعني أن الأجيال القادمة قد تجد نفسها في بيئة غذائية أكثر خطورة، حيث تتقاطع آثار المناخ مع أنماط الاستهلاك غير الصحية.

هذه التوقعات تعكس مشكلة هيكلية قد تتفاقم مع مرور الوقت، خصوصًا بالنسبة للفئات الأضعف. فهي لا تواجه فقط تحديات اقتصادية واجتماعية، بل تصبح أيضًا أكثر عرضة لنتائج التغيرات المناخية على صحتها اليومية. وهذا يجعل القضية تتجاوز كونها مشكلة فردية لتصبح تحديًا اجتماعيًا وصحيًا على نطاق واسع.

مخاطر صحية واسعة

الاستهلاك المفرط للسكر معروف بأنه يزيد مخاطر الإصابة بالسمنة والسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية. وقد أوصت جمعية القلب الأمريكية بألا يتجاوز استهلاك السكريات المضافة 6% من مجموع السعرات الحرارية اليومية، أي بما يعادل 36 غرامًا للرجال و26 غرامًا للنساء. ومع ذلك، فإن الاتجاه الحالي يظهر أن الكثيرين يستهلكون أكثر من هذه الحدود بكثير.

إذا أضفنا تغيّر المناخ كعامل مؤثر في أنماط الاستهلاك، فإن الوضع يصبح أكثر خطورة. فالمسألة لم تعد مجرد اختيار شخصي أو عادة غذائية، بل تحولت إلى ظاهرة اجتماعية وصحية تغذيها ظروف بيئية عالمية. هذا الربط بين المناخ والصحة العامة يضع القضية في قلب التحديات التي يجب أن تواجهها المجتمعات الحديثة.

أبعاد سياسية وصحية

الباحثة بان هي أكدت أن قضايا الصحة العامة المتعلقة بالسكر قد طُرحت مرارًا وتكرارًا، لكن إدخال عنصر تغيّر المناخ في المعادلة يجعل الأمور أكثر تعقيدًا. فهي ترى أن صانعي السياسات في مختلف أنحاء العالم قد يحتاجون إلى التفكير في استراتيجيات لإدارة استهلاك السكر كجزء من التكيف مع تغيّر المناخ. هذه الرؤية توسع من نطاق السياسات البيئية لتشمل أنماط الحياة والصحة.

الربط بين المناخ والسياسات الصحية ليس مجرد اقتراح أكاديمي، بل هو تحذير عملي من أن الأزمات المقبلة لن تكون معزولة، بل متشابكة. فالسياسات الغذائية والصحية يجب أن تُصاغ وهي تأخذ في الاعتبار التحولات المناخية، وإلا سيجد العالم نفسه أمام سلسلة من الأزمات المتداخلة التي يصعب احتواؤها.

أصوات تحذيرية أخرى

من جانبها، قالت شارلوت كوكوفسكي، الباحثة في جامعة كامبريدج والتي لم تشارك في الدراسة، إن الأدلة المتوافرة حول كيفية تأثير موجات الحر على أنماط الغذاء ما تزال محدودة نسبيًا. لكنها اعتبرت أن هذه الدراسة تسلط الضوء على قناة مهملة لطالما غابت عن النقاش، وهي كيفية تأثير تغيّر المناخ على رفاهية الإنسان.

وأضافت كوكوفسكي أن ما يثير القلق هو أن الفئات الأكثر هشاشة، وهي الأقل قدرة على التكيف، تجد نفسها الأكثر تعرضًا لارتفاع درجات الحرارة والأكثر عرضة للأمراض المرتبطة بالنظام الغذائي. هذا التداخل بين الضعف الاقتصادي والتغير المناخي والنتائج الصحية يشكل تهديدًا معقدًا يتطلب حلولًا جذرية.

الحاجة لمزيد من الأبحاث

رغم وضوح النتائج الأولية، شددت بان هي على أن الكيفية التي سيؤثر بها تغيّر المناخ بشكل كامل على عادات البشر الغذائية ما تزال غير مفهومة تمامًا. وأشارت إلى أن هناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث في مناطق مختلفة من العالم لتكوين صورة أشمل وأكثر دقة.

هذه الحاجة للبحث العلمي لا تتعلق فقط بفهم الظاهرة، بل بوضع حلول عملية تتناسب مع اختلاف البيئات والثقافات. فالعادات الغذائية ليست واحدة في كل مكان، وبالتالي فإن تأثير المناخ عليها سيختلف أيضًا. ومع ذلك، فإن القاسم المشترك هو أن العالم كله مقبل على تحديات صحية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بأزمة المناخ العالمية.

التعليقات (0)