لمياء العامري تكتب/ القضاء العراقي بين مطرقة الحكومة وسندان مجلس النواب

profile
لمياء العامري كاتبة صحفية عراقية
  • clock 19 يونيو 2025, 7:54:22 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01


منذ العام 2003 وحتى اليوم  يعاني  القضاء العراقي  من التدخلات و الضغوط السياسية، رغم النصوص الدستورية الصريحة التي تضمن له  الاستقلال في قراراته و البت باحكامه ، وعلى الرغم من  الشعارات المتكررة التي  تصدر بين الحين والاخر وتؤكد ضرورة تحييده عن الصراعات الحزبية والطائفية. لكن ما شهدناه مؤخرا ،  لاسيما  في مايتعلق ب قضية خور عبد الله  يطرح تساؤلات جادة ...  هل ما زال القضاء سلطة مستقلة فعلا؟ أم أصبح عالقا بين مطرقة الحكومة وسندان مجلس النواب؟

 

 الاستقالة الجماعية  لاعضاء المحكمة الاتحادية هذا اليوم،  تفضح المأزق ، ففي تطور غير مسبوق، قدم تسعة من أعضاء المحكمة الاتحادية العليا استقالاتهم في خطوة صادمة كشفت عمق الأزمة داخل اعلى سلطة قضائية في البلاد.


 الاستقالات جاءت  بسبب ضغوط مباشرة مارستها جهات تنفيذية واخرى تشريعية على المحكمة، بهدف التأثير على مسار قراراتها المرتبطة بقضية خور عبد الله ، تلك القضية الشائكة التي طالما كانت محل جدل وتشكيك حيث  تتداخل فيها الجوانب القانونية بالسياسية والسيادية.


الحكومة وبحسب مصادر مطلعة تسعى للتدخل بقرار  المحكمة والخروج  بمواقف محددة تحت غطاء "حماية المصلحة الوطنية العليا"، وهو مفهوم مطاط يستخدم كثيرا في الدول التي تعاني من هشاشة المؤسسات ، هذه المصلحة لا تعرف بشكل قانوني، وتترك للتأويل السياسي، ما يعني فعليا تهديدا مباشرا لمبدأ الفصل بين السلطات.

 

في المقابل، يحمل بعض النواب ،  ومنهم النائب د. رائد المالكي  الكتل السياسية المتنفذة داخل البرلمان مسؤولية ما يجري، مؤكدين أن بعض القوى داخل مجلس النواب تبارك هذا التوجه لسبب أو لاخر ، أو أنها  تسكت عنه غير ابه للمساس بسيادة وأرض العراق  ان لم تكن طرفا فيه. بل ان  هناك من يحاول  تبرير التدخل في القضاء تحت ذريعة  رقابة السلطة التشريعية، متجاهلين الفارق بين الرقابة السياسية على عمل الحكومة وبين التدخل و التأثير على قرارات القضاء.

 

ان ما يحصل اليوم يعيدنا إلى المربع الأول الممثل بغياب دولة المؤسسات، وهيمنة المنطق الحزبي على المفاصل الدستورية ، فعندما  تتحول المحكمة الاتحادية من صمام امان إلى طرف رئيس في الصراع الى درجة يضطر  القضاة  الى الاستقالة بدلا من احترام سلطتهم، يصبح الحديث عن سيادة القانون مجرد شعار مفرغ من محتواه .


نطالب  اليوم ليس فقط ببيانات تنديد أو مواقف اعلامية وانما هناك ضرورة ملحة  لاعادة بناء السلطة القضائية على أسس مهنية وشفافة  يتم على اثرها تحصين المحكمة الاتحادية من التدخلات السياسية عبر اليات دستورية واضحة ، فضلا عن ضرورة  تفعيل دور مجلس النواب كحارس للدستور، لا كمنتهك  له ومحاسبة أي جهة تتدخل في شؤون القضاء، مهما علا موقعها.


 ان الدفاع عن استقلال القضاء ليس معركة  قانونيين وحدهم ، بل هو واجب  اخلاقي ووطني يتطلب موقفا شجاعا من جميع التيارات و القوى الوطنية الحقيقية و المحبة لبلدها ، وإلا فان ما تبقى من هيبة الدولة سينهار تحت وطأة المصالح  الانوية الفئوية الضيقة.


وما بين مطرقة الحكومة وسندان البرلمان، يطحن القضاء العراقي كل يوم ، ويبقى السؤال الحقيقي هو..  الى متى؟.

التعليقات (0)