-
℃ 11 تركيا
-
15 يونيو 2025
كيف فاجأ ترامب نتنياهو بمقامرته النووية مع إيران؟
كيف فاجأ ترامب نتنياهو بمقامرته النووية مع إيران؟
-
2 مايو 2025, 4:54:17 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الشهر الماضي، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما قرر بشكل مفاجئ بدء مفاوضات مباشرة مع إيران حول برنامجها النووي. فقد كان نتنياهو قد توجه إلى واشنطن سعياً للحصول على دعم أمريكي لتنفيذ ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، لكنه اكتشف قبل أقل من 24 ساعة من مؤتمر صحفي مشترك في البيت الأبيض، أن المحادثات مع طهران ستبدأ خلال أيام، وفقًا لما أكده أربعة مصادر مطلعة لوكالة رويترز.
ورغم التوجه نحو الحوار، فإن القيادة الإيرانية لا تزال تخشى من احتمال إقدام نتنياهو على تنفيذ هجوم، سواء تم التوصل إلى اتفاق أم لا، بحسب ما صرح به مسؤول أمني إيراني رفيع.
ثلاث جولات تفاوض في ثلاثة أسابيع: محادثات سريعة تحت ضغوط دولية
في غضون ثلاثة أسابيع فقط، عقدت الولايات المتحدة وإيران ثلاث جولات من المفاوضات الهادفة إلى منع طهران من تطوير سلاح نووي، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية عنها. ومن المتوقع أن تُعقد الجولة الرابعة قريبًا في العاصمة الإيطالية روما.
التفاصيل الجديدة التي حصلت عليها رويترز من مسؤولين ودبلوماسيين مشاركين في المفاوضات تكشف أن الإطار المبدئي قيد النقاش يقوم على إحياء جوهر الاتفاق النووي لعام 2015، المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، والذي ألغاه ترامب خلال ولايته الأولى في 2018. ووفقًا لثمانية مصادر، فإن الاتفاق الجديد لن يختلف كثيرًا عن الاتفاق القديم، لكنه سيتضمن تغييرات في مدته، لتصل إلى 25 عامًا، وتشديداً في آليات التحقق، وتوسيعًا لما يُعرف بـ"بنود الغروب" (sunset clauses) التي تُجمّد بعض جوانب البرنامج النووي الإيراني دون تفكيكها بالكامل.
قيود صارمة مقابل رفع العقوبات: الشكل المتوقع للاتفاق الجديد
بموجب البنود التي تُناقش حالياً، ستقوم إيران بالحد من كمية اليورانيوم المخصب وأنواع أجهزة الطرد المركزي التي تستخدمها، كما ستقوم بتخفيف أو تصدير أو إغلاق مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وذلك تحت رقابة غير مسبوقة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحسب جميع المصادر.
وبينما رفضت وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الخارجية الإيرانية ومكتب نتنياهو التعليق على هذه التفاصيل، أشار دينيس روس، المفاوض الأمريكي السابق في إدارات جمهورية وديمقراطية، إلى أن أي اتفاق جديد يجب أن يتجاوز اتفاق 2015 من خلال إدخال تغييرات هيكلية دائمة على القدرات النووية الإيرانية، بحيث يصبح تطوير سلاح نووي خيارًا غير عملي تمامًا. وقال: "أي شيء أقل من ذلك سيُبقي تهديد العتبة النووية قائمًا".
خطوط حمراء متعارضة: التخصيب ومستقبل البرنامج النووي
أبرز النقاط الخلافية التي تقف عائقًا أمام الاتفاق تتعلق بقدرة إيران على تخصيب اليورانيوم. فالولايات المتحدة وإسرائيل تطالبان بوقف كامل للتخصيب، ما سيجبر إيران على الاعتماد على اليورانيوم المستورد لتشغيل مفاعل بوشهر، وهو المفاعل النووي الوحيد العامل في البلاد.
نتنياهو يطالب بـ"صفر تخصيب" ونموذج مشابه للاتفاق الليبي الذي جُرّدت فيه ليبيا بالكامل من قدراتها النووية. من جهتها، تؤكد إيران أن حقها في التخصيب غير قابل للتفاوض. ومع ذلك، فإن تفاصيل التفاوض تشمل مناقشات حول تقليص حجم مخزون اليورانيوم، وإرسال جزء منه إلى الخارج، والحد من عدد أجهزة الطرد المركزي، حسب ما ذكره ثلاثة مسؤولين إيرانيين.
في الجولات التفاوضية التي عُقدت في أبريل، طُرحت مقترحات تقضي بحصر التخصيب عند نسبة 3.67%، كما كان الحال في اتفاق 2015، بالإضافة إلى استعداد طهران لمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية صلاحيات تفتيش موسعة على منشآتها النووية.
"JCPOA 2": تفاهم جديد قد يُرضي الطرفين دون تفكيك البرنامج بالكامل
تشير المصادر إلى أن المقترحات الحالية لا تهدف إلى تفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية بالكامل كما تريد إسرائيل وبعض المسؤولين الأمريكيين، بل إلى فرض قيود دائمة على التخصيب تحول دون "الاندفاع نحو السلاح النووي". وألمح المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى قبول هذه المقاربة، لكنه عاد ليؤكد أن على إيران "إيقاف وتفكيك" نشاطاتها التخصيبية.
ويقترح بعض الخبراء مثل أليكس فاتانكا، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أن الحل قد يكمن في تمديد بنود الغروب لعدة عقود، مما يسمح لكل طرف بأن يدعي تحقيق نصر دبلوماسي. كذلك، طُرحت مقترحات تتيح لإيران الاحتفاظ بتخصيب محدود باستخدام 5,000 جهاز طرد مركزي فقط، مع استيراد باقي اليورانيوم المخصب من روسيا.
في المقابل، تطالب إيران بضمانات قانونية مُحكمة تمنع أي رئيس أمريكي، مثل ترامب، من الانسحاب من الاتفاق مجددًا. ومن الشروط التي حددها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، تقليص كمية اليورانيوم المخصب المخزن داخل البلاد إلى ما دون سقف اتفاق 2015. وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إيران نجحت في رفع قدراتها على تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60%، وهو ما يقربها بشكل كبير من العتبة اللازمة لتصنيع قنبلة نووية.
البنية التحتية والتخصيب والبيع لأمريكا: حلول محتملة وسط انعدام الثقة
أحد المقترحات المطروحة هو أن تحتفظ إيران بجزء من مخزونها بعد تخفيفه داخل البلاد، بينما ترسل الجزء الآخر إلى الخارج، وربما إلى روسيا. بل إن طهران طرحت فكرة بيع اليورانيوم المخصب للولايات المتحدة. حاليًا، تمتلك إيران نحو 15,000 جهاز طرد مركزي، بينما سمح لها اتفاق 2015 باستخدام حوالي 6,000 فقط.
يقول أحد كبار المسؤولين الأمنيين الإيرانيين: "المفاوضات تتبلور نحو نسخة JCPOA 2 مع إضافات تُرضي ترامب ليعتبرها نصرًا، بينما تحتفظ إيران بحقها في التخصيب".
الصواريخ الباليستية: العقبة غير القابلة للتفاوض
هناك أيضًا خلاف كبير بشأن برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني. تطالب واشنطن وتل أبيب بوقف تطوير هذه الصواريخ، بينما تصر طهران على أن ذلك جزء من حقها في الدفاع عن النفس. وكان مسؤول إيراني قد صرح في وقت سابق أن بلاده مستعدة فقط لتجنب تصنيع صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية كـ"بادرة حسن نية"، لكنها ترفض أي نقاش إضافي في هذا الملف.
يقول مسؤول أمني إقليمي إن إيران "ترفض رفضًا قاطعًا أي مناقشة بشأن الصواريخ"، مما يعقد جهود ترامب لإقناع العالم بأن الاتفاق الجديد يتجاوز JCPOA. ويشير المفاوض دينيس روس إلى التناقض الواضح: "ترامب انسحب من الاتفاق لأنه كان ضعيفًا، واليوم يجد نفسه في وضع أصعب حيث باتت إيران أقرب من أي وقت مضى للسلاح النووي".
شبح الضربة العسكرية: لحظة حرجة في حسابات إسرائيل
يشير الخبير فاتانكا إلى أن إيران الآن تواجه لحظة شبيهة بقرار مؤسس النظام، روح الله الخميني، بقبول وقف إطلاق النار مع العراق عام 1988، وهي لحظة وصفها الخميني بأنها كانت "كأس السم". ويضيف: "الأمر يتعلق بالبقاء، وليس الاستسلام".
في المقابل، يرى نتنياهو فرصة تاريخية لتوجيه ضربة قاضية للمنشآت النووية الإيرانية، خاصة بعد الحملات العسكرية التي نُفذت العام الماضي وأضعفت الدفاعات الجوية الإيرانية، وألحقت خسائر جسيمة بترسانة حزب الله، الذراع العسكرية الإقليمية لطهران.
يقول مسؤول شرق أوسطي إن "هذه نافذة تاريخية أمام إسرائيل لضرب المواقع النووية الإيرانية"، مضيفًا أن الولايات المتحدة تعارض مثل هذه الخطوة لأسباب متعددة، أبرزها مخاوف حلفائها من دول الخليج التي ترتبط بها واشنطن بشراكات استراتيجية واقتصادية.
تعزيزات أمريكية في المنطقة: دعم غير مباشر لإسرائيل؟
رغم المعارضة الرسمية، يشير المسؤول إلى أن واشنطن قد تقدم دعمًا غير مباشر لأي عملية إسرائيلية محتملة. ويضيف: "قد تكون العملية صعبة على إسرائيل، لكنها ليست مستحيلة".
وفي هذا السياق، دفعت الولايات المتحدة بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى الشرق الأوسط في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك نشر ست قاذفات استراتيجية من طراز B-2 في جزيرة دييغو غارسيا بالمحيط الهندي، وهي قاعدة استخدمت سابقًا لدعم عمليات عسكرية أمريكية في المنطقة.
كما تحتفظ واشنطن حاليًا بحاملتي طائرات في المنطقة، إضافة إلى أنظمة دفاع جوي نُقلت من آسيا.
لا يمكن قصف المعرفة: هل الضربة العسكرية مجدية؟
يُحذر آلان آير، الدبلوماسي الأمريكي السابق والمتخصص في الشأن الإيراني، من أن أي ضربة عسكرية قد تُبطئ البرنامج النووي الإيراني، لكنها لن تُلغي المعرفة والخبرة التي اكتسبتها طهران. ويقول: "لا يمكنك قصف المعرفة. إيران أصبحت متمكنة تمامًا من تخصيب اليورانيوم".









