قصف "هيئة الأركان" في دمشق وتوسيع العدوان جنوبا: إسرائيل تصعّد رسائلها العسكرية والسياسية

profile
  • clock 16 يوليو 2025, 10:59:53 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

في تطور ميداني لافت، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي شن غارة جوية استهدفت مدخل مقر هيئة الأركان العامة للجيش السوري وسط العاصمة دمشق، في واحدة من أجرأ الهجمات المعلنة داخل المدينة منذ أشهر.

وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) إن القصف الإسرائيلي أدى إلى إصابة مدنيين اثنين بجروح في قلب دمشق، بينما أشار الإعلام المحلي إلى تحليق طائرات حربية إسرائيلية في أجواء العاصمة بالتزامن مع الغارة، ما أثار أجواء من التوتر والقلق بين السكان.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر أمني إسرائيلي أن الضربة على مقر الأركان كانت "تحذيرية"، موجهة بشكل مباشر إلى الرئيس السوري أحمد الشرع، على خلفية ما وصفته إسرائيل بـ"الأحداث الجارية في السويداء جنوب البلاد"، في إشارة إلى الاشتباكات الداخلية بين القوات الحكومية ومجموعات مسلحة.

رسائل سياسية موازية للقصف

ويبدو أن الهجوم على مقر الأركان في دمشق كان يحمل بعدًا سياسيًا معلنًا أكثر من كونه عملية عسكرية تقليدية.

فقد أعلن وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس بشكل صريح أن إسرائيل "لن تتخلى عن الدروز في سوريا"، متوعدًا بمواصلة قصف قوات الحكومة السورية "حتى تنسحب من السويداء".

وأوضح كاتس أن على "النظام السوري أن يترك الدروز في السويداء ويسحب قواته إلى الوراء"، في خطاب يتعمد تصوير إسرائيل كـ"حامية للأقلية الدرزية"، بينما يشرعن في الوقت نفسه سياسة القصف المفتوح داخل الأراضي السورية، ملوحًا باستمرار التدخل العسكري المباشر.

توسع العدوان جنوب سوريا

بالتوازي مع الضربة الجوية في دمشق، كثف سلاح الجو الإسرائيلي عدوانه في جنوب سوريا، مستهدفًا محافظة السويداء ومحيطها، في واحدة من أوسع حملات القصف الإسرائيلية المعلنة ضد مواقع الحكومة السورية في الجنوب منذ فترة.

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الطائرات الإسرائيلية استهدفت آليات عسكرية سورية في مدينة السويداء ومحيطها، ما أدى إلى دوي انفجارات قوية هزت المنطقة.

كما أكدت وكالة سانا الرسمية وقوع إصابات بين المدنيين نتيجة القصف، في وقت أكدت فيه مصادر الدفاع المدني السوري للجزيرة أن طواقمه تعمل على إجلاء بعض العائلات وإخماد حرائق اندلعت في السويداء جراء الاشتباكات والغارات.

ولم تقتصر الضربات على السويداء وحدها. فقد أفادت مصادر محلية لقناة الميادين بأن الطيران الإسرائيلي شن سلسلة من الغارات على خطوط إمداد تابعة لفصائل عسكرية موالية لوزارة الدفاع السورية في محيط السويداء ودرعا، ما يعكس اتساع نطاق القصف الإسرائيلي إلى عمق الجنوب السوري.

"رسالة ردع" وسط اشتباكات داخلية

يأتي هذا التصعيد الإسرائيلي في ظل توتر داخلي متصاعد في السويداء، حيث تشهد المدينة منذ أيام اشتباكات بين قوات الأمن السورية ومجموعات مسلحة محلية، بعضها وصِف بأنه "خارج عن القانون" من قبل وزارة الداخلية السورية.

وقالت الداخلية السورية إنها أطلقت عمليات لتمشيط الأحياء الشرقية من السويداء "لطرد المجموعات المسلحة"، فيما أكد مراسل الجزيرة تجدد الاشتباكات صباح اليوم، مترافقة مع عمليات قصف على أحياء في مركز المدينة.

وقالت وزارة الدفاع السورية إنها ترد على مصادر النيران "مع مراعاة قواعد الاشتباك لحماية الأهالي"، في محاولة واضحة لإبقاء العملية تحت السقف السياسي الذي يروّج له النظام باعتباره "فرضًا للأمن" في مدينة مضطربة.

تعزيزات إسرائيلية على الحدود

في تطور لافت آخر، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن الجيش الإسرائيلي دفع بكتيبتين إضافيتين إلى الحدود مع سوريا ضمن تعزيز قواته هناك، مبررًا الخطوة بتقييم أمني يحذر من احتمال عبور دروز من إسرائيل السياج الحدودي للتدخل في الأحداث الجارية في السويداء.

وقالت القناة 12 الإسرائيلية إن "عشرات الدروز" حاولوا بالفعل عبور الحدود نحو سوريا، ما أدى إلى اندلاع "أعمال شغب" عند السياج الأمني الفاصل.

وأكد الجيش الإسرائيلي أنه عزز قواته على الحدود السورية "خشية وقوع أحداث أمنية"، في مؤشر على أن التصعيد العسكري في سوريا بات يمتد إلى الجبهة الشمالية مع إسرائيل نفسها، ويعكس ارتباكًا في التعامل مع التوتر الطائفي والسياسي المتصاعد.

ضغوط دولية وانتقادات أمريكية

التصعيد الإسرائيلي الأخير لم يخلُ من توتر دبلوماسي مع الحليف الأمريكي. فقد نقل موقع "أكسيوس" الإخباري عن مسؤول أمريكي قوله إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طلبت من إسرائيل التوقف عن مهاجمة قوات الجيش السوري في جنوب البلاد.

وأضاف المصدر الأمريكي أن إسرائيل وعدت واشنطن بوقف الهجمات بدءًا من مساء أمس الثلاثاء، وهو وعد لم يلبث أن خرقه الجيش الإسرائيلي بضربات جديدة استهدفت دمشق والسويداء فجر اليوم.

هذه المعطيات تكشف ازدواجية الموقف الإسرائيلي: من جهة، تقديم نفسه حاميًا للأقلية الدرزية و"داعيًا لسياسة نزع السلاح" جنوب سوريا؛ ومن جهة أخرى، تجاهل الضغوط الأمريكية والمضي في تصعيد عسكري قد يفجّر الوضع الميداني، ويزيد معاناة المدنيين في المناطق المستهدفة.

مأزق استراتيجي 

يبرز هذا التصعيد الإسرائيلي الجديد، خصوصًا قصف مدخل مقر هيئة الأركان في دمشق، كرسالة سياسية مدروسة بقدر ما هو هجوم عسكري، تستهدف الضغط على دمشق لفرض شروط ميدانية في الجنوب، خصوصًا في السويداء.

لكن في المقابل، يكشف التوسع في القصف واستهداف المدنيين، فضلًا عن الدفع بتعزيزات إلى الحدود، عن مأزق إستراتيجي حقيقي: فإسرائيل تدرك حدود قدرتها على "ضبط" الجنوب السوري، وتخشى انزلاق الأوضاع نحو مواجهة أوسع، أو حتى تداعيات على جبهتها الداخلية، خاصة مع توتر الطائفة الدرزية داخل فلسطين المحتلة.

وبينما تروّج تل أبيب خطاب "حماية الدروز" لتبرير تدخلها، فإن التطورات على الأرض تكشف أن حسابات الاحتلال أبعد من حماية أقلية، وترتبط بإعادة رسم خرائط السيطرة والنفوذ في جنوب سوريا، ضمن سياق إقليمي متوتر، يزداد تعقيدًا مع كل ضربة جديدة.

التعليقات (0)