إمبراطورية «الكريبتو» لعائلة ترامب تتوسع: من العقارات إلى العملات المشفرة

profile
  • clock 16 يوليو 2025, 11:34:52 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية هذا العام، سعى إلى إحداث تغيير جذري في قواعد التجارة العالمية، عبر سياسات جمركية جديدة تؤسس لنهج أكثر حمائية. لكن هذا التوجه لم يكن وحده ما يميّز خطته الاقتصادية، إذ امتدت ملامح التغيير إلى خارطة استثماراته الشخصية والعائلية، مع تحوّل كبير نحو قطاع العملات المشفرة.

يمكن اليوم رسم صورة أولية لشبكة واسعة من الشركات والحلفاء الذين بنوا معًا إمبراطورية ناشئة في عالم "الكريبتو"، في وقت باتت فيه الاستثمارات الرقمية تمثل جزءًا معتبرًا من ثروة العائلة، وتمنحها نفوذًا جديدًا في اقتصاد يزداد انجذابًا إلى الأصول الرقمية.

بدايات في العقارات

بدأ ترامب مسيرته المهنية من قطاع العقارات التقليدي، حين تولى إدارة شركة والده عام 1971، وغيّر اسمها لاحقًا إلى "منظمة ترامب". ركز في البداية على تطوير مشاريع سكنية صغيرة في بروكلين وكوينز، قبل أن يتوسع لاحقًا إلى مانهاتن، قلب نيويورك التجاري، حيث بنى برجه الشهير في الجادة الخامسة.

هذا البرج كرّس مكانته كرجل أعمال نافذ، وسمح له بتوسيع أنشطته داخل الولايات المتحدة وخارجها. وبحلول 2021، قدّرت "بلومبرغ" ثروته بـ3.2 مليار دولار، 86% منها في القطاع العقاري، خاصة من منتجع "مارالاغو" في فلوريدا وفندق "دورال" الفاخر. لكن مع عودته إلى البيت الأبيض عام 2025، تغيّر هذا التوازن. وبحسب "مؤشر بلومبرغ للمليارديرات"، ارتفعت ثروته إلى 6.9 مليار دولار في يونيو الماضي، لكن العقارات أصبحت تمثل نحو نصفها فقط، في ظل انكشاف متزايد على قطاع العملات المشفرة.

من ناقد إلى داعم

المفارقة الكبرى أن ترامب كان قبل حملته الانتخابية الأخيرة من أبرز المنتقدين للعملات المشفرة، واصفًا إياها بـ"الخدعة". لكن مع بدء حملته تغيّر الخطاب تمامًا، إذ تعهّد بجعل الولايات المتحدة "عاصمة" هذه العملات عالميًا، وبدأ بالفعل في إقرار سياسات صديقة للقطاع.

هذا التبدل السياسي انعكس على القرارات الاستثمارية. وبما أن الأعراف الأميركية تمنع الرئيس من إدارة أعماله التجارية أثناء ولايته، أوكل المهمة لأفراد عائلته. وكانت الخطوة الأبرز في مارس 2024، حين أطلق دونالد جونيور وإريك ترامب وشركاؤهم شركة "وورلد ليبرتي فاينانشال"، بمشاركة ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، وابنه زاك، وآخرين من كبار المستثمرين في العملات المشفرة.

هيكل معقد للعوائد

بحسب وثائق الطرح الخاصة بالشركة، خُصص 75% من العائدات بعد أول 30 مليون دولار لترامب وعائلته، فيما حصل ويتكوف وأبناؤه على 12.5% من صافي الإيرادات. وكشفت "فوربس" عن تأسيس سلسلة شركات لجمع هذه العائدات، بما في ذلك تحويل شركة "DT Tower II" القديمة إلى كيان جديد اسمه "DT Marks DEFI"، حيث احتفظ ترامب بالأغلبية، لكن منح أبناءه 30% من الحصص.

في يوليو 2024، سُجلت ثلاث شركات جديدة في ديلاوير تحمل الأحرف الأولى من أسماء أبنائه: (DJT Jr DEFI)، و(ET DEFI)، و(BWT DEFI). وبحسب تقرير إفصاح مالي، كانت "DT Marks DEFI" تملك 75% من "وورلد ليبرتي فاينانشال" حتى نهاية ديسمبر، لكن حصتها تراجعت إلى نحو 40% بحلول منتصف 2025.

أرباح ضخمة من الرموز

شهدت هذه الشركات نشاطًا محمومًا مع اقتراب يوم تنصيب ترامب في يناير 2025، حيث بيعت رموز رقمية بقيمة 200 مليون دولار في 29 ساعة فقط. وفي مارس، استكملت الشركة جولة ثانية من بيع الرموز، لتحقق إجمالي عائدات قدرها 550 مليون دولار.

قدّرت "رويترز" أرباح العائلة بنحو 500 مليون دولار بين إطلاق الشركة في مارس 2024 ويوليو 2025، ما يجعل من قطاع العملات المشفرة مصدرًا أساسيًا لثروة ترامب في ولايته الثانية، إلى جانب تراجع نسبي للاعتماد على العقارات التقليدية.

عملات الميم المثيرة للجدل

لم يقتصر الأمر على الرموز الرقمية الاستثمارية. ففي يناير 2025، أطلق ترامب شخصيًا عملة "ميم" تحمل اسمه "$TRUMP"، روج لها بكثافة عبر منصات التواصل الاجتماعي، بينما أطلقت زوجته ميلانيا عملتها الخاصة كذلك.

ارتفع سعر عملة الرئيس إلى نحو 75 دولارًا في يومها الأول، قبل أن يتراجع إلى حوالي 9 دولارات. أما عملة ميلانيا فقد فقدت أكثر من 90% من قيمتها، وأصبحت تُتداول عند 0.18 دولار فقط.

تعود ملكية عملة "$TRUMP" إلى شركات تابعة لـ"منظمة ترامب"، من بينها "CIC Digital" و"Fight Fight Fight"، اللتان تمتلكان معًا 80% من إجمالي العملة المتداولة. وقد حصلت هذه الشركات أيضًا على حقوق حصرية لاستغلال اسم وصورة الرئيس كعلامة تجارية مسجلة، ما يعزز مداخيلها من رسوم التداول والاتفاقات التجارية المرتبطة بالعملة.

نشاطات تثير المخاوف

رغم كونها عملة "ميم" رمزية، أثارت الطريقة التي سوّق بها ترامب لهذه العملة انتقادات واسعة، وطرحت تساؤلات عن تضارب محتمل في المصالح. ففي أبريل الماضي، أعلنت الجهة المصدرة للعملة عن تنظيم عشاء خاص مع الرئيس يضم أبرز 220 من كبار حاملي العملة، في خطوة بدت كمكافأة لمن يشتري أكبر كمية منها.

بالتوازي، كشفت "ترامب ميديا آند تكنولوجي غروب"، المطورة لمنصة "تروث سوشيال"، عن خطة لبيع أسهم بقيمة 2.5 مليار دولار من أجل شراء عملات مشفرة، خصوصًا "بتكوين"، وأعلنت في يونيو نيتها إطلاق صندوق "بتكوين" متداول في البورصة.

علاقات واستثمارات متشابكة

امتد انخراط العائلة في عالم الكريبتو إلى تحالفات معقدة مع شركات أخرى. من أبرز هذه الأمثلة الشراكة مع "هات 8"، إحدى أكبر شركات تعدين "بتكوين" المدرجة في البورصة. قاد هذه الشراكة آشر جينوت ومايكل هو، اللذان أسسا سابقًا شركة "يو إس بتكوين" قبل أن تواجه مشاكل قانونية وتستحوذ عليها "هات 8".

في فبراير 2025، أسس إريك ودونالد جونيور مع شركاء آخرين شركة "أميركان داتا سنترز"، قبل أن تستحوذ "هات 8" على حصة الأغلبية فيها، وتنقل معداتها إليها، وتعيد تسميتها "أميركان بتكوين". تولى إريك منصب كبير مسؤولي الاستراتيجية، وأعلنت الشركة الجديدة في مايو عزمها الاندماج مع "غريفون ديجيتال ماينينغ" بهدف الإدراج في البورصة.

تشابك مع «دوميناري»

يظهر هذا التشابك أكثر وضوحًا في علاقة العائلة بشركة "دوميناري القابضة"، التي تدير مصرفًا استثماريًا خاصًا في برج ترامب بنيويورك. كانت الشركة تطور أدوية للسرطان قبل أن تتحول إلى القطاع المالي، متكبدة خسائر تقدر بـ70 مليون دولار، ثم بدأت في تخزين "بتكوين".

في فبراير 2025، انضم إريك ودونالد جونيور إلى "دوميناري" كمستشارين مقابل "أهداف محددة"، وحصلا على مئات الآلاف من الأسهم مسبقًا. كما يمتلك ثلاثة من كبار مسؤولي "منظمة ترامب" أسهماً في "دوميناري"، بينهم نائب الرئيس التنفيذي رونالد ليبرمان وكبير المستشارين القانونيين آلان غارتن.

أطلقت "دوميناري" في الشهر نفسه قسماً مخصصاً لمراكز البيانات بالتعاون مع الشقيقين ترامب، ثم حوّلته في مارس إلى وحدة لتعدين "بتكوين". وبلغت استثماراتها في صندوق "بتكوين" متداول بالبورصة نحو مليوني دولار بنهاية مارس الماضي.

توسع مستمر للنفوذ

كل هذه التحركات تؤكد أن التحول في موقف ترامب من العملات المشفرة لم يكن وليد لحظة انتخابية فقط، بل كان تتويجًا لسنوات من الضغوط والفرص التي اقتنصها الرئيس وعائلته.

بدعم من سياسات إدارة تتبنى التوسع في الأصول الرقمية، بنت العائلة شبكة شركات واستثمارات معقدة تكاد تشكل إمبراطورية ناشئة في قطاع "الكريبتو"، مستفيدة من زخم سياسي وإعلامي ضخم.

ورغم الأرباح الكبيرة، يثير هذا التوسع السريع تساؤلات جدية عن مستقبل العلاقة بين السلطة والثروة، وعن حجم النفوذ الاقتصادي الذي باتت عائلة ترامب تمارسه في واحدة من أكثر الصناعات إثارة للجدل في العالم اليوم.

التعليقات (0)