السويداء بين نيران الداخل وعدوان الخارج: قراءة في التصعيد السوري الإسرائيلي وخطر التقسيم الطائفي

profile
  • clock 15 يوليو 2025, 10:42:05 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

تعيش محافظة السويداء السورية في قلب واحدة من أكثر اللحظات توترًا وتعقيدًا منذ بداية الحرب في سوريا، حيث تتقاطع التحديات الأمنية الداخلية مع التدخلات العسكرية الخارجية، لتنتج مشهدًا بالغ الخطورة على وحدة البلاد واستقرارها. في الأيام الأخيرة، شهدت المدينة تصعيدًا لافتًا على مستويين متوازيين: داخليًا، عبر اشتباكات عنيفة بين قوات الدولة السورية وفصائل محلية درزية، وخارجيًا، من خلال غارات إسرائيلية كثيفة تستهدف البنية العسكرية السورية بذريعة "حماية الدروز".

هذا التصعيد المزدوج لا ينفصل عن سياق إقليمي أعقد، يتم فيه توظيف البعد الطائفي واستثماره سياسيًا وعسكريًا، في محاولة لإعادة رسم خرائط النفوذ وفرض معادلات جديدة في الجنوب السوري. تحت عناوين "الأمن" و"الحماية"، تنكشف رهانات خبيثة على تقسيم النسيج الوطني السوري، وخلق كيانات محلية موالية للاحتلال الإسرائيلي، ما يهدد بشكل مباشر وحدة البلاد وسيادتها.

في هذا التقرير، نستعرض أبعاد هذا المشهد المعقد، من اتفاق وقف إطلاق النار الهش داخل السويداء، إلى التدخل العسكري الإسرائيلي الممنهج، مرورًا بالتوظيف السياسي للطائفية، وصولًا إلى المخاطر الإستراتيجية التي تلوح في أفق الجنوب السوري، في ظل تنسيق إقليمي يهدف إلى إضعاف الدولة السورية ومنعها من استعادة سيادتها على كامل أراضيها.

وقف إطلاق النار

أعلن وزير الدفاع السوري، اللواء مرهف أبو قصرة، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في مدينة السويداء، عقب مفاوضات مع وجهاء وأعيان المحافظة. وأوضح أن الرد العسكري سيقتصر على مصادر النيران أو الاستهداف المباشر من المجموعات الخارجة عن القانون، مشيرًا إلى صدور أوامر بانتشار وحدات الشرطة العسكرية داخل المدينة لضبط السلوك الأمني ومحاسبة أي تجاوزات قد تقع أثناء تنفيذ المهمة. في الوقت نفسه، نقلت وكالة "سانا" أن الجيش السوري بدأ بسحب الآليات الثقيلة من السويداء تمهيدًا لتسليم أحيائها إلى قوى الأمن الداخلي، ما يشير إلى محاولة الدولة السورية استعادة حضورها الأمني بعد فترة من الفراغ والفلتان.

في المقابل، أصدرت وزارة الداخلية السورية بيانًا حذّرت فيه من أي اعتداءات على الممتلكات العامة أو الخاصة تحت أي ذريعة، متوعدةً بإجراءات قانونية صارمة بحق المتورطين. أكدت الوزارة أن دخول القوات الحكومية يهدف إلى حماية الأهالي، وبسط الأمان في المدينة، ضمن التزام صارم بالقانون واحترام حقوق المواطنين. غير أن مصادر محلية من السويداء تحدثت عن اشتباكات عنيفة في أحياء المدينة بين قوات وزارة الدفاع وقوى الأمن الداخلي من جهة، والفصائل العسكرية الدرزية المحلية من جهة أخرى، ما أدى إلى حركة نزوح واسعة باتجاه ريف السويداء الشرقي، ما يكشف حجم الهشاشة والتوترات التي ترافق محاولة الدولة فرض الأمن.

غارات إسرائيلية مكثفة

وسط هذا المشهد الميداني المعقد، شنّت طائرات الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات على محافظة السويداء، في تصعيد لافت وخطير. وأكد التلفزيون السوري أن إحدى الغارات استهدفت المدخل الغربي للمدينة، بينما أعلن متحدث باسم جيش الاحتلال أن قواته بدأت بمهاجمة آليات عسكرية تابعة للنظام السوري في السويداء، تنفيذًا لتعليمات المستوى السياسي. بحسب المتحدث، استهدفت الغارات دبابات وناقلات جند ومدافع متحركة وطرق الإمداد المؤدية إلى المدينة، بهدف "عرقلة وصولها إلى المنطقة"، على حد زعمه.

كما أعلنت وزارة الداخلية السورية فرض حظر للتجول في السويداء بالتزامن مع دخول قوات الجيش، وأكد قائد الأمن الداخلي في المحافظة، العميد أحمد الدالاتي، أن قوات وزارتي الداخلية والدفاع "باشرت بالدخول إلى مركز المدينة لحماية المدنيين واستعادة الأمن"، في محاولة لإعادة السيطرة بعد أحداث دامية شهدتها المحافظة خلال الأيام الأخيرة.

خطاب احتلالي زائف

في خطوة سياسية موازية للعدوان العسكري، أصدرت حكومة الاحتلال بيانًا مشتركًا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يسرائيل كاتس، أكدت فيه إعطاء أوامر فورية للجيش الإسرائيلي بمهاجمة القوات السورية وأسلحتها في السويداء، بزعم الرد على "هجوم النظام على الدروز". البيان حاول تبرير الغارات بأنها "حماية للأخوة الدروز" في سوريا، مستحضرًا خطابًا طائفيًا يستند إلى الروابط العائلية والتاريخية مع الدروز داخل فلسطين المحتلة.

صحيفة "معاريف" العبرية نقلت أن هذا التبرير يأتي في سياق سياسة معلنة لمنع إدخال أسلحة إلى جنوب سوريا، بزعم الحفاظ على أمن الاحتلال، رغم أن هذه الذريعة باتت مكشوفة، خاصة في ضوء ممارسات الاحتلال التاريخية في استغلال الفوالق الطائفية داخل الدول العربية. القناة 14 العبرية كشفت أيضًا عن أن هذه الهجمات تتم بالتنسيق مع الجانب الأمريكي، في إشارة إلى توافق إقليمي أوسع على تقليم أظافر الدولة السورية في الجنوب ومنعها من بسط سيادتها الكاملة هناك.

أهداف تقسيمية خطيرة

تكشف طبيعة الغارات الإسرائيلية وخطابها المعلن عن مسعى خبيث لتوظيف العامل الطائفي، خاصة في منطقة الدروز، بغرض تكريس معادلة جديدة تقوم على ردع أي تحرك رسمي سوري باتجاه السويداء. الدعم المعلن للدروز ليس سوى غطاء سياسي وعسكري لمحاولة تفتيت النسيج الوطني السوري، عبر تشجيع نزعات انفصالية أو خلق كانتونات محلية موالية للاحتلال، تحت شعار الحماية.

هذا التوقيت ليس عفويًا؛ إذ يتزامن مع مسعى الدولة السورية لاستعادة حضورها الأمني والعسكري في مناطق جرى تحييدها لسنوات بفعل ظروف الحرب. التنسيق مع واشنطن لا يعكس مجرد هواجس أمنية إسرائيلية، بل يندرج في إطار ترتيبات إقليمية أوسع في الجنوب السوري، تهدف إلى منع أي استعادة للسيادة السورية الكاملة، وإبقاء هذه المنطقة ورقة ضغط دائمة في أيدي الاحتلال وحلفائه.

خطر يهدد وحدة سوريا

إن استمرار العدوان الإسرائيلي على السويداء، ومحاولة زج طائفة بأكملها في مسار سياسي وعسكري يخدم أجندات الاحتلال، يمثل تطورًا خطيرًا يُهدد وحدة سوريا أرضًا وشعبًا. في ظل هذا المشهد، يبرز ضرورة موقف وطني سوري جامع يرفض هذه المشاريع التقسيمية، ويقطع الطريق على محاولات تحويل الجنوب السوري إلى بؤرة صراع طائفي تُدار بالوكالة.

التحدي الحقيقي اليوم لا يقتصر على مواجهة الاحتلال ميدانيًا، بل في إفشال رهانه على تمزيق الهوية الوطنية السورية عبر تحريك الفوالق الداخلية. أمام هذه الوقائع، يصبح واضحًا أن الصراع في السويداء ليس مجرد مواجهة أمنية عابرة، بل محطة جديدة في معركة أكبر على مستقبل سوريا ووحدتها وهويتها.

التعليقات (0)