-
℃ 11 تركيا
-
5 أغسطس 2025
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: أهمية المقاربات الوطنية ضمن التحولات الإقليمية والدولية وتأثيراتها على الملف السوري
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: أهمية المقاربات الوطنية ضمن التحولات الإقليمية والدولية وتأثيراتها على الملف السوري
-
12 يوليو 2025, 12:04:27 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، تحولت سورية إلى ساحة للصراعات ومحوراً لتشابك المصالح الإقليمية والدولية بين الفاعلين المؤثرين في الملف السوري، وعقب سقوط نظام الأسد تقف سورية اليوم أمام مرحلة جديدة لا تخلو من التحديات، خاصة أن التحولات بمستوياتها الإقليمية والدولية تفرض مساراً على الإدارة الجديدة في سورية تعبيده بالمقاربات الوطنية التي تؤسس لمشهد سياسي مستقر، لا سيما أن القوى الإقليمية والدولية تسعى وبوضوح لإعادة صياغة دورها في المشهد السوري بما يُحقق لها مكاسب استراتيجية.
وفي المقابل فإن السلطات الجديدة في دمشق مُطالبة اليوم بترسيخ المسار الوطني التوافقي في ظل إدارة دولية تتعامل مع الملف السوري بمنظورها الخاص، وبين هذا وذاك فإن سورية أمام مشهد قوامه تداخل المصالح بين القوى الإقليمية والدولية تزامناً مع تحديات داخلية، الأمر الذي يفرض على السوريين تأسيس معادلة وطنية تكون سبباً في الحدّ من تأثيرات القوى الفاعلة والمؤثرة في الملف السوري، وهو ما يتطلب وضوحاً سياسياً وتشاركية تنسج مقاربات وطنية تؤسس لسورية الجديدة ضمن مسار ديمقراطي تعددي.
الحديث عن المقاربات الوطنية التي يجب اعتمادها في سورية عقب سقوط نظام الأسد، تُحقق مسارين في غاية الأهمية، الأول يتعلق بالإدارة الجديدة التي يجب أن تبني مساراتها بما يُناسب تطلعات السوريين وتوافقاتهم حيال شكل سورية الجديدة بغية تجنب أخطاء النظام السابق، والثاني يرتكز على السوريين أنفسهم الذين يجب أن يقدموا تصورات سياسية وازنة وفاعلة وتتقاطع مع مفاهيم الديمقراطية والتعددية، وبتشابك المسارين يتم حُكماً تحقيق الاستقرار والوصول إلى سورية الجديدة.
تحديات إعادة البناء السياسي للدولة
لا يمكن إغفال جُزئية أن الإدارة السورية الجديدة تواجه تحديات سياسية وأمنية معقدة، ولعل إعتماد الإدارة الجديدة على دبلوماسيةٍ تُحقق توزان العلاقات الإقليمية والدولية هو في الشكل قد يساعد على ترسيخ أسس الحكم الجديد، لكن في العمق لابد من تعزيز التوازن الخارجي بتوازن داخلي عميق قوامه المقاربات الوطنية التي تُحقق تطلعات السوريين، خاصة أن سورية اليوم كالمولود الجديد يحتاج إلى عناية فائقة، ويجب أيضاً الحرص عن حمايته من الخارج بغية بناء الدولة السورية بالطرق القانونية والدستورية، فالتطورات الدراماتيكية التي شهدتها سورية خلال الفترة الأخيرة، بداية مع سقوط نظام الأسد وصولاً إلى إدارة جديدة تطمح لإرساء الأمن والإستقرار في سورية، فإن ذلك يفرض تحديات كثيرة، خاصة أن جراح السوريين لا تزال تنزف، وتحتاج إلى علاج سريع للجراح العميقة التي خلفها نظام الأسد، ومع محاولات السلطات الجديدة ترتيب الأوراق السياسية لكسب الخارج، بغية التعاطي مع مرحلة سقوط نظام الأسد وفق معطيات جديدة تُعالج آنياً حالة الإختلال السياسي والأمني في الداخل السوري، فقد تم إعتماد مسارات سياسية لم تناسب غالبية السوريين، وكانت سريعة بطريقة تُثير الريبة وترفع من مستويات القلق لدى غالبية السوريين على شكل ومستقبل سورية الجديدة، ولعل مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد في شباط الفائت، مروراً بمؤتمر الفصائل، وصولاً إلى الإعلان الدستوري، فإن كل تلك المسارات لم يتم بناؤها وفق مقاربات وطنية تُحقق تطلعات السوريين، بل جاءت وفق آلية سد الفراغ السياسي.
يتفهم الكثيرون بأن التحديات التي تواجه الحُكام الجُدد في سورية تتقاطع مع رغبتهم بتعزيز تواجدهم من خلال الشرعية الإقليمية والدولية، لكن بالتوازي فإن الأساس يبقى في الداخل السوري، الذي يجب أن يُحكم وفق مقاربات وطنية شاملة تؤسس لمشهد سياسي مستقر، وإن بدا أن المشهد السياسي والأمني في سورية مستقراً إلى حد ما، لكنه يعاني من اختلالات تصطدم بالمصالح الإقليمية والدولية تحديداً بمصالح تركيا وإسرائيل إضافة إلى قوى إقليمية أُخرى، ولننظر جيداً إلى المشهد الإقليمي ونأخذ العِبر والدروس من التطورات الإقليمية والتي بدأت منذ عملية طوفان الأقصى وصولاً إلى سقوط نظام الأسد الذي زج السوريين بمعارك إقليمية خاسرة، وهذا الأمر يجب أن يكون درساً على الجميع إحترام معانيه، وبالتالي فإن المقاربات الوطنية وبناء مشهد سياسي مستقر ومتوازن في سورية يُعزز وحدة السوريين وتطلعاتهم، هو الطريق الأمثل للوصول إلى سورية ديمقراطية تعددية ودستور تتم صياغته وفق تطلعات السوريين.
الإدارة الجديدة عليها إعتماد معادلة بشقين، الأول التماهي مع رغبات غالبية السوريين في سورية ديمقراطية تعددية تشاركية تؤسس لمشهد وطني سياسي قادر على التصدي للتطورات الإقليمية والدولية ويكون سبباً في الحد من تأثيراتها وتأثيرات مصالح القوى الإقليمية والدولية في سورية الجديدة، والثاني أن يتم إعتماد مساراً متوازناً في العلاقات مع المحيط وصولاً إلى الغرب، لكن حتى هذا المسار يجب أن يكون وفق معايير وطنية تُحقق ما يريده السوريين حيال إحترام تطلعاتهم والمحافظة على سيادة القرار الوطني.
المقاربات الوطنية الداخلية تحد من التأثيرات الإقليمية والدولية
يبدو واضحاً بأن خطوات الإدارة الجديدة منذ سقوط نظام الأسد وحتى اليوم هي خطوات هشّة لم تُعزز الإستقرار السياسي والأمني في سورية، وبالتوازي فإن عملية التشبيك الإقليمي والدولي التي تُجريها القيادة الجديدة بغية إعادة الإعمار وتحقيق التنمية والإستقرار يجب أن تُنسج وفق منظور داخلي وطني، وهذا ما يتطلب من الإدارة الجديدة أن تقوم بالتشبيك مع القوى الوطنية في الداخل من تيارات وأحزاب، بغية تحقيق إستقرار أكثر استدامة، خاصة أن حالة التشبيك مع القوى الوطنية في سورية تعمل على الحد من تأثير مصالح القوى الإقليمية والدولية في سورية الجديدة.
البناء السياسي القويّ يبدأ من الداخل وتتفرع مساراته في عملية تشبيك مع القوى الإقليمية والدولية بما يحقق حالة من التوازن بين الداخل والخارج، ولنا في ذلك دليلاً واضحاً على أن النظام السابق تجاهل تطلعات السوريين السياسية على مدى سنوات الصراع، وفضل الإبقاء على التشبيك مع الخارج، الأمر الذي أدخل سورية والسوريين في دوامة العنف، وتهديم البنى التحتية وتهجير السوريين، والنتيجة كانت سقوطاً مدوياً لنظام حكم السوريين وفق منظوره الخاص، وبالتالي فإن الإدارة الجديدة عليها التماهي مع متطلبات السوريين وتطلعاتهم السياسية، وأن تلجأ إلى الحوار والتشاركية مع القوى الوطنية السورية، وضمن ذلك فإن الداخل يُحقق الإستقرار أكثر من الخارج، وتحديداً عند إعتماد مقاربات وطنية شاملة تُلبي تطلعات السوريين.
ختاماً. يبدو واضحاً أن الإدارة السورية الجديدة تعتمد على المسار الخارجي بغية تحقيق الاستقرار السياسي في الداخل. هذه الموازنة التي تعتمدها السلطات السورية قد تُحقق نوعاً من الاستقرار في المستويات كافة، لكنه استقرار سيبقى هشًّا إن لم تحكمه توافقات ومقاربات وطنية، وهذا مدعاة إلى تدعيم الخطوات الخارجية بخطوات داخلية تعتمد منهج المقاربات الوطنية ورغبات السوريين ومشاركتهم في آلية صنع القرار، فالتماهي بين المسار الخارجي الذي تعتمده الإدارة السورية الجديدة، يجب أن يتم تدعيمه بخطوات داخلية تُحقق السلم الأهلي وإعتماد الحوار الوطني وسيلةً للوصول إلى سورية ديمقراطية تعددية. دون ذلك فإن سورية ستبقى بعيدة عن مفهوم الدولة الحديثة، وسيبقى المشهد السياسي والأمني بعيداً عن حالة الاستقرار، في ظل إدارة جديدة لا تزال ترى في الخارج رُكناً من أركان استقرارها.

.jpeg)








