-
℃ 11 تركيا
-
15 يونيو 2025
"عربات جدعون".. خطة إسرائيلية تُعيد إنتاج النكبة: تطهير عرقي وتهجير قسري تحت غطاء إنساني
"عربات جدعون".. خطة إسرائيلية تُعيد إنتاج النكبة: تطهير عرقي وتهجير قسري تحت غطاء إنساني
-
31 مايو 2025, 10:12:32 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
التهجير
تحرير: رامي أبو زبيدة – رئيس التحرير
كشفت دراسة صادرة عن "معهد دراسات الأمن القومي" التابع للاحتلال، تفاصيل ما يُعرف بعملية "عربات جدعون" العسكرية التي أقرّها المجلس الوزاري المصغّر (الكابينت) خلال شهر أيار/مايو، والتي تشكّل تصعيدًا خطيرًا في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، وسط تساؤلات قانونية وأخلاقية جدّية حول أهداف العملية وتداعياتها، ومدى اقترابها من حدود ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وعلى رأسها التهجير القسري الجماعي، وإعادة إنتاج مشروع "الترانسفير" الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني.
بحسب التقرير العبري، تقوم العملية على مناورة عسكرية واسعة تشمل تقسيم القطاع، وتطهيره من البنى التحتية للمقاومة، والسيطرة على مناطق شاسعة من أراضيه. لكن أخطر ما تتضمنه الخطة هو ما يُوصف بـ"إخلاء السكان"، حيث يسعى جيش الاحتلال إلى إجبار نحو مليوني فلسطيني على النزوح من 70% من أراضي قطاع غزة إلى مناطق محدودة المساحة والموارد، دون أي ضمانات للعودة أو مؤشرات على الطابع المؤقت لهذه الخطوة.
التقرير يشير بوضوح إلى نوايا سياسية مدروسة لدفع من تبقى من سكان غزة نحو "هجرة طوعية"، عبر سياسة الأرض المحروقة وهدم المنازل وتجريف الأحياء بالكامل، وهي سياسة تهدف إلى كسر الإرادة الوطنية، وتفريغ القطاع من سكانه تحت ذرائع أمنية وإنسانية زائفة. ويُحذر التقرير العبري من أن هذه الخطوة، إذا ما نُفذت، قد تُصنّف على أنها "تطهير عرقي ممنهج"، وترقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية وفق القانون الدولي.
مراكز "الإغاثة".. قناعٌ إنساني لخنق السكان
إلى جانب التهجير، تتحدث الخطة عن "آلية إنسانية" لتوزيع المساعدات عبر ما يُعرف بـ"مراكز إغاثة" أنشأتها مؤسسة خاصة تُدعى "غزة هيلب فاونديشن"، تعمل بالشراكة مع شركات أمريكية وتحت إشراف أمني إسرائيلي. إلا أن هذه المراكز، التي ستستقبل كل واحدة منها قرابة 300 ألف نازح، لا توفر الحد الأدنى من الاحتياجات المعيشية والدوائية، ولا تراعي البُنى التحتية المدمّرة ولا الأوضاع الصحية والمعيشية الكارثية.
بحسب الوثائق، سيُسمح لكل عائلة باستلام طرد غذائي واحد أسبوعيًا، دون وضوح بشأن توفر مياه نظيفة، أو أدوية، أو خدمات صحية ملائمة، في وقت تُكدّس فيه مئات الآلاف من العائلات في رقع جغرافية ضيّقة بلا مقومات حياة. ويُحذّر التقرير من احتمال تفشي الأمراض، والانفلات الأمني، وارتفاع معدلات الوفاة، ما قد يُحوّل هذه المناطق إلى "معازل موت جماعي" بغطاء إنساني.
احتلال مباشر.. وفرض نظام قمعي دائم
تشير الخطة أيضًا إلى نية الاحتلال فرض "سيطرة عملياتية" على أجزاء كبيرة من قطاع غزة، يتبعها بقاء دائم للقوات في تلك المناطق لمنع عودة المقاومة إليها. وهذا يعني، عمليًا، العودة إلى نموذج الاحتلال المباشر، مع ما يترتب عليه من مسؤوليات قانونية تجاه سكان مدنيين يعيشون تحت حكم عسكري أجنبي.
وفي حال واصلت "إسرائيل" فرض هذا النوع من السيطرة، فإنها تتحمّل، بصفتها قوة احتلال، كامل المسؤولية عن حياة ومعيشة أكثر من مليوني إنسان، بما في ذلك توفير الأمن، الغذاء، الرعاية الصحية، المياه، الكهرباء، والدواء – وهي التزامات لا يمكن التنصل منها دوليًا، حتى وإن ادّعت "تل أبيب" بأنها لا تسعى لاحتلال دائم.
أوامر غير قانونية.. وتحذيرات من الملاحقة الدولية
يوجّه التقرير في خلاصته تحذيرًا للمستوى السياسي في "إسرائيل"، من أن المضي في هذه الخطة يضع الدولة في مواجهة مسؤوليات جنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية، باعتبار أن التهجير القسري الجماعي، وإرغام السكان على العيش في ظروف لا إنسانية، يُعدّ خرقًا فاضحًا للقانون الدولي الإنساني.
ويُحمّل التقرير القيادة العسكرية مسؤولية رفض تنفيذ أي أوامر تنتهك القانون، حتى لو كانت صادرة عن الحكومة. كما يُشير إلى أن محاولات فرض واقع جديد في قطاع غزة بالقوة العسكرية والسياسات العقابية الجماعية، لن تمر دون مساءلة قانونية وأخلاقية دولية، وأن تصوير الجيش الإسرائيلي كمنفذ لسياسات تطهير عرقي، سيُعرّض جنوده وقادته للملاحقة في عواصم العالم.
فلسطينيو غزة: هدف دائم لمخططات "الترحيل"
هذه الخطة، بكل تفاصيلها، ليست سوى امتداد لمشروع استعماري إحلالي يسعى لطرد الفلسطينيين من أرضهم وتفكيك نسيجهم الوطني والمجتمعي. ورغم محاولة الاحتلال تسويق خططه بلغة "الأمن" و"العمل الإنساني"، إلا أن جوهرها الحقيقي هو إعادة إنتاج النكبة بنسخة جديدة، وسط صمت دولي وتواطؤ إقليمي.
ومع استمرار العدوان، تتكشف أبعاد المشروع الإسرائيلي القائم على الهدم والتجويع والتهجير والاستيطان، في محاولة يائسة لكسر صمود شعب آمن بحقه في الحياة والحرية والعودة.







