-
℃ 11 تركيا
-
6 أغسطس 2025
سجاد الياسري يكتب: زيارة الأربعين بين الإيمان وكرم العراقيين
سجاد الياسري يكتب: زيارة الأربعين بين الإيمان وكرم العراقيين
-
5 أغسطس 2025, 7:39:53 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
سجاد الياسري يكتب: زيارة الأربعين بين الإيمان وكرم العراقيين
في مشهد لا يتكرر في أي بقعة من بقاع الأرض، تحتشد ملايين القلوب المؤمنة من مختلف الجنسيات والقوميات على دربٍ واحد، قاصدة كربلاء المقدسة في أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام). إنها زيارة الأربعين، واحدة من أعظم وأكبر التجمعات البشرية في العالم، والتي لا يُمكن قراءتها بمعزل عن كرم العراقيين الذي تحوّل إلى أيقونة عالمية.
فعلى امتداد مئات الكيلومترات، من البصرة والناصرية والديوانية والنجف وبابل وحتى أطراف كربلاء، تنتشر مواكب الخدمة الحسينية التي أسسها أهل العراق، رجالًا ونساءً، شبابًا وشيوخًا، لا لشيء سوى حبًا بالحسين، ووفاءً لتضحياته. هؤلاء لا ينتظرون مقابلًا، ولا يعرفون التعب، يسهرون على راحة الزائر، يطهون الطعام بأيديهم، ويقدمون الماء البارد، بل ويغسلون أرجل السائرين تعبًا، وكل ذلك بابتسامة صادقة ونية خالصة.
كرم العراقيين في الأربعين ليس ظاهرة طارئة، بل هو موروث عميق الجذور، ارتبط بالحب الحسيني والتاريخ الطويل للتضحية والولاء. إنها صورة مشرقة تعكس معدن هذا الشعب، وتقدّم للعالم رسالةً أبلغ من أي خطاب: أن القيم لا تزال حية، وأن العطاء يمكن أن يكون بلا حدود.
وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجه العراق، إلا أن مواكب الخدمة لم تتوقف، بل تزداد عامًا بعد عام، وتزدهر بتنظيمها وتنوعها. بعض المواكب تقدّم مئات الآلاف من الوجبات يوميًا، وأخرى توفّر العلاج والخدمات الصحية، وثالثة تهيئ أماكن النوم والاستراحة، حتى تحوّلت طرق الزائرين إلى مدن مصغّرة من الكرم والجود.
وقد وقفت وسائل الإعلام العالمية مذهولة أمام هذا المشهد، متسائلة عن سر هذا البذل العظيم. لكن الجواب بسيط في نظر العراقيين: “كل شيء يهون في سبيل الحسين”.
إن زيارة الأربعين لا تُقاس فقط بعدد المشاركين، بل بروحها ومضامينها، وكرم العراقيين فيها ليس جانبًا جانبيًا، بل هو جوهر الحدث وعمقه الإنساني، حيث يلتقي الدين مع الأخلاق، والإيمان مع العمل، والتاريخ مع الحاضر.
في النهاية، فإن العالم حين يشاهد الملايين تسير على الأقدام إلى كربلاء، ويشاهد كيف يقدّم العراقي كل ما يملك في سبيل الزائر، يفهم أن الحسين لم يمت، بل لا يزال حيًا في قلوب أتباعه، حيًا في ضيافة العراق، وفي كرم أهله، وفي عظمة هذه الزيارة التي لا يشبهها شيء.









