سجاد الياسري يكتب: فرحة العيد.. بين عبق الماضي وواقع الحاضر

profile
سجاد الياسري إعلامي وصحفي عراقي
  • clock 9 يونيو 2025, 11:34:54 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

العيد، كلمةٌ تختزل في طياتها الكثير من المعاني السامية: الفرحة، التلاقي، التسامح، وتجديد الروابط. هو مناسبةٌ ينتظرها المسلمون في شتى بقاع الأرض بشوقٍ ولهفة، لكن هل بقي العيد بذات الوهج والبريق الذي عرفناه في الماضي؟ وهل تغيرت ملامح الفرحة به بين الأمس واليوم؟

العيد في الماضي: بهجةٌ أصيلة وذكرياتٌ لا تُنسى

في الماضي القريب، كان للعيد نكهةٌ خاصة ومذاقٌ فريد. تبدأ الاستعدادات له قبل أيام، فتعجّ البيوت بحركةٍ دائمة من التنظيف وإعداد الحلويات التقليدية التي تفوح رائحتها الزكية لتملأ الأجارج. كانت الأمهات والجدات يتفننّ في صنع الكليجة والمعمول، وتجتمع العائلات لتبادل الأطباق، في مشهدٍ يعكس روح التعاون والتآزر.

في صباح يوم العيد، كان الأطفال يرتدون ملابس العيد الجديدة التي كانت تُفصّل خصيصًا لهذه المناسبة، وينطلقون بقلوبٍ عامرة بالبهجة إلى المساجد لأداء صلاة العيد، ثم يعودون لتبادل التهاني مع الأهل والجيران. كان الكبار يوزعون "العيدية" على الصغار، وهي مبلغٌ رمزي من المال يُسعد قلوبهم البريئة، ويشترون به ما لذّ وطاب من الألعاب والحلويات.

كانت الزيارات العائلية لا تنقطع، فتجتمع العائلة الكبيرة في بيت الجد أو الجدة، ويُقام الغداء أو العشاء الجماعي الذي يجمع شمل الأحبة، وتُروى القصص والحكايات، وتُعاد ذكريات الماضي الجميلة. كانت بساطة الحياة تضفي على العيد جمالًا وعمقًا، فكانت الفرحة حقيقية ونابعة من القلب، تعكس ترابطًا اجتماعيًا قويًا واحتفاءً بالمناسبة بحد ذاتها، لا بِمظاهرها.

العيد في الحاضر: تحديات العصر وتغير المفاهيم

أما اليوم، ومع تسارع وتيرة الحياة وتطور التكنولوجيا، شهدت مظاهر الاحتفال بالعيد تغيراتٍ ملحوظة. ففي ظل نمط الحياة الاستهلاكي، أصبحت التحضيرات للعيد تركز بشكلٍ أكبر على التسوق وشراء الملابس الجاهزة وتقديم الهدايا الباهظة. ومع أن هذه المظاهر تضفي جانبًا من البهجة، إلا أنها قد تُفقد العيد بعضًا من روحه الأصلية التي كانت تعتمد على البساطة واللمة العائلية.

كما أثرت وسائل التواصل الاجتماعي على طبيعة الاحتفال بالعيد. فبينما سهّلت هذه الوسائل تبادل التهاني والاطمئنان على الأقارب والأصدقاء البعيدين، إلا أنها قد قللت من أهمية الزيارات المباشرة والتواصل وجهًا لوجه. أصبح الكثيرون يكتفون برسالة تهنئة أو صورة عبر الهاتف، مما يقلل من الدفء الإنساني الذي كان يميز لقاءات العيد في الماضي.

وعلى الرغم من هذه التغيرات، لا تزال فرحة العيد موجودة، وإن اختلفت أشكالها. فما زالت المساجد تمتلئ بالمصلين، وما زالت العائلات تحرص على الاجتماع وتبادل التهاني، وما زالت "العيدية" تُسعد قلوب الأطفال. لكن الأهم هو الحفاظ على القيم الجوهرية للعيد: التسامح، المحبة، صلة الرحم، وتقدير النعم.

إن العيد، سواء في الماضي أو الحاضر، يظل مناسبةً للفرح والتأمل. فلنجعل من أعيادنا فرصةً لإعادة إحياء تلك الروح الأصيلة التي كانت تميزها، ولنعلم أجيالنا القادمة أن العيد ليس فقط ملابس جديدة وحلويات شهية، بل هو فرصةٌ لتجديد الأرواح وتقوية الروابط الإنسانية، ولزرع بذور الفرحة في القلوب لتزهر عامًا بعد عام.

العيد ومظاهر جديدة على السوشيال ميديا

لم يعد العيد مجرد مناسبة عائلية تقتصر على الزيارات التقليدية وتناول الحلويات في المنازل، فمع التطور الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي، اكتسب العيد أبعادًا جديدة ومختلفة. تحولت الشاشات إلى نافذة واسعة يعرض من خلالها الملايين احتفالاتهم، ويشاركون لحظاتهم، بل ويتبادلون التهاني بطرق لم تكن مألوفة من قبل.

ففي السابق، كان العيد يمر ببطء وهدوء نسبي، حيث تتشابه الطقوس من منزل لآخر. أما اليوم، فنجد زخمًا غير مسبوق في الفضاء الرقمي. تبدأ الاستعدادات للعيد بالظهور على "الفيسبوك" و"الإنستغرام" قبل أيامه، حيث تتسابق ربات البيوت لعرض أطباقهن المميزة، وتشارك الفتيات أحدث صيحات الموضة التي سيحتفلن بها. ومع حلول فجر العيد، تتحول "الستوريز" و"المنشورات" إلى سجل يومي حي ومباشر لما يدور في كل بيت.

تحولات في الاحتفال

لقد تغيرت طريقة تبادل التهاني جذريًا. فبعد أن كانت مقتصرة على المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية القصيرة، أصبحت الآن فيديوهات وصورًا ومقاطع صوتية تتداول بسرعة البرق، تضاف إليها الملصقات التعبيرية والتهاني المكتوبة بخطوط وألوان مبتكرة. كما أصبح الكثيرون يفضلون تهنئة الأصدقاء والأقارب من خلال مكالمات الفيديو الجماعية، ما يضيف بعدًا بصريًا وصوتيًا يفتقده التواصل التقليدي.

لم يقتصر تأثير السوشيال ميديا على التهنئة والمشاركة فحسب، بل امتد ليشمل حتى العادات المرتبطة بالعيد. أصبحنا نرى مسابقات لأجمل زينة منزلية للعيد، أو أطرف مقطع فيديو يصور أجواء العيد، أو حتى تحديات تتعلق بإعداد أطباق العيد التقليدية بلمسة عصرية. هذه المظاهر الجديدة تضفي على العيد نوعًا من الحيوية والتجديد، وتجعله أكثر تفاعلاً خاصة بين فئة الشباب.

إيجابيات وتحديات

لا شك أن دخول السوشيال ميديا بقوة إلى فضاء العيد له إيجابياته. فهو يتيح للأشخاص البعيدين جغرافيًا، سواء المغتربين أو من تفرقهم الظروف، مشاركة ذويهم وأصدقائهم لحظات العيد والشعور بالانتماء. كما أنه يعزز الروابط الاجتماعية ويسمح بالوصول إلى عدد أكبر من الأشخاص في وقت قياسي.

ولكن، لا يمكن إغفال التحديات التي يفرضها هذا الاندماج. ففي بعض الأحيان، قد يتحول التركيز من جوهر العيد وهو لم الشمل والتواصل الحقيقي، إلى التباهي والاستعراض على المنصات الرقمية. قد يقضي البعض وقتًا أطول في توثيق لحظاتهم ونشرها، بدلًا من الاستمتاع بها بشكل مباشر مع من حولهم. كما أن المقارنات التي تفرضها طبيعة السوشيال ميديا قد تولد شعورًا بالنقص أو عدم الرضا لدى البعض، خاصة عند رؤية احتفالات "مثالية" يشاركها الآخرون.

في النهاية، يبقى العيد مناسبة عظيمة للفرح والتواصل، ومع وجود السوشيال ميديا، باتت هذه المناسبة تتلون بألوان جديدة وتأخذ أشكالًا مبتكرة. المهم هو أن ندرك أن هذه الأدوات هي مجرد وسائل، وأن الهدف الأساسي من العيد يكمن في تعزيز الروابط الأسرية والاجتماعية الحقيقية، بعيدًا عن ضجيج وتأثير الشاشات الزائفة في الحياة الاجتماعية

ما هي الذكريات التي تحملها عن العيد في الماضي، وكيف تحتفل به اليوم؟

التعليقات (0)