-
℃ 11 تركيا
-
30 سبتمبر 2025
زلزال انتخابي في نيويورك: زُهران ممداني يُسقط كومو ويعيد تشكيل المشهد
زلزال انتخابي في نيويورك: زُهران ممداني يُسقط كومو ويعيد تشكيل المشهد
-
25 يونيو 2025, 12:53:31 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
زهران ممداني
متابعة: عمرو المصري
في مفاجأة غير متوقعة، نجح السياسي التقدمي زُهران ممداني، النائب عن ولاية نيويورك والبالغ من العمر 33 عامًا، في إزاحة الحاكم السابق أندرو كومو من صدارة الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في سباق عمدة مدينة نيويورك، ليقترب بذلك من أن يصبح أول عمدة مسلم في تاريخ المدينة. ممداني، الذي يصف نفسه بـ"الاشتراكي الديمقراطي"، تقدم بنسبة 43.5% مقابل 36.4% لصالح كومو، بعد فرز نحو 95% من الأصوات، متجاوزًا بذلك تسعة مرشحين آخرين، فيما بدا أنه إعادة رسم لخريطة السلطة في قلب الحزب الديمقراطي.
أندرو كومو، الذي حاول العودة للحياة السياسية بعد استقالته عام 2021 على خلفية اتهامات بالتحرش الجنسي، أقر بالهزيمة مساء الثلاثاء في خطاب مقتضب أمام أنصاره، معلنًا أنه اتصل بممداني لتهنئته، وقال: "الليلة هي ليلته".
نظام تصويت معقد
ورغم أن النتائج النهائية لن تُعلن قبل الأسبوع المقبل بسبب نظام التصويت التفضيلي في نيويورك، والذي يسمح للناخبين بترتيب حتى خمسة مرشحين حسب الأفضلية، إلا أن تقدم ممداني كان كبيرًا لدرجة يصعب تعويضها، خاصة أن المرشح صاحب المركز الثالث، براد لاندر، دعا أنصاره إلى منح صوتهم الثاني لممداني. لاندر، الذي حصل على 11.6% من الأصوات، أعلن تحالفًا غير رسمي مع ممداني، ما يعزز احتمال توسيع الفارق لصالح الأخير في الجولات المقبلة من إعادة توزيع الأصوات.
وجه جديد للحزب
الصراع الانتخابي حمل رمزية سياسية أكبر من مجرد معركة عمدة مدينة، فقد عكس تصادمًا مباشرًا بين جناحين داخل الحزب الديمقراطي: كومو المدعوم من المؤسسة التقليدية واللوبي الإسرائيلي، وحائزًا على تأييد أسماء بارزة مثل الرئيس الأسبق بيل كلينتون ورئيس بلدية نيويورك الأسبق مايكل بلومبرغ، في مواجهة ممداني التقدمي المدعوم من رموز اليسار مثل السيناتور بيرني ساندرز والنائبة ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز.
بالنسبة لكثير من الناخبين، بدا ممداني بوابة لتجديد الحزب بقيم جذرية تشمل العدالة الاجتماعية، وحقوق المهاجرين، والدعم الصريح لفلسطين، ورفض التحالفات التقليدية التي تربك مواقف الحزب الخارجية والداخلية على حد سواء.
هزيمة قوى النفوذ
المشهد لا يقتصر على رقم انتخابي. فوز ممداني كان تحديًا صريحًا لهيمنة القوى الداعمة لإسرائيل داخل الحزب الديمقراطي، خصوصًا وأن ممداني خاض الحملة تحت وابل من الهجمات الإعلامية، التي وصمته بمعاداة السامية، والإرهاب، لا لشيء إلا لأنه رفض إدانة شعارات مؤيدة للانتفاضة الفلسطينية، وتمسك بدعمه لحقوق الفلسطينيين. حملات تشويه منظمة شنها خصومه السياسيون ركزت على هويته كمسلم، وصوروا لحيته باستخدام الفوتوشوب في ملصقات تهدف إلى إثارة الخوف في نفوس الناخبين، ووزعوا منشورات تتهمه بتعاطف مزعوم مع "الإرهاب"، في واحدة من أكثر الحملات المحمّلة بالإسلاموفوبيا في تاريخ المدينة.
رغم كل ذلك، خرج ممداني منتصرًا، واعتبر مؤيدوه ذلك “هزيمة مدوية” للوبيات الضغط وعلى رأسها اللوبي الإسرائيلي، ومؤشرًا على أن القاعدة التقدمية الجديدة داخل الحزب الديمقراطي باتت قادرة على فرض مرشحيها وتحدي التمويل الضخم والدعم المؤسسي.
رمزية ممداني الشخصية
ولد زُهران ممداني في أوغندا لأبوين من أصول هندية، والده البروفيسور المرموق محمود ممداني، ووالدته المخرجة المتميزة ميرا ناير، ولم يحصل على الجنسية الأميركية إلا عام 2018. نشأ في كوينز، نيويورك، التي ما تزال تمثل دائرته الانتخابية، ويعيش فيها حتى الآن. متزوج من الفنانة السورية راما دواجي، ويُعد من أبرز وجوه الجيل السياسي التقدمي في المدينة.
كان انتخابه سابقًا لعضوية الجمعية التشريعية لولاية نيويورك أول محطة لظهوره السياسي، لكن مسيرته خلال الحرب على غزة وضعت اسمه في واجهة المشهد، بعد رفضه التنديد بشعارات مؤيدة للانتفاضة في وقت كان فيه ساسة الحزب يتهافتون على إرضاء القوى الداعمة لإسرائيل.
تصويت ضد كومو
اللافت في نتيجة التصويت أن كثيرين من الناخبين لم يصوتوا لممداني فقط بدافع الإعجاب، بل أيضًا بدافع الرفض لكومو. ناخبة من كوينز قالت صراحة: "لن أصوت لرجل وُجهت إليه اتهامات موثوقة بالتحرش بالنساء"، في إشارة إلى كومو الذي دافع عن نفسه قائلًا إن تصرفاته كانت "محاولات سيئة الفهم لأن يكون محبًا أو ظريفًا".
ممداني بدوره لم يتوان عن مهاجمة كومو بشأن تلك الاتهامات، واعتبرها دليلًا على فساد السلطة التقليدية، مؤكدًا أن مدينته تستحق قيادة نظيفة وشفافة.
تأثير الضربة الإيرانية
المثير أن هذا الانتصار جاء بعد أيام فقط من تنفيذ إدارة ترامب (في ولايته الثانية) ضربة عسكرية ضخمة على منشآت نووية إيرانية. ورغم أن ممداني لم يعلق بشكل مباشر، فإن قاعدة مؤيديه—المؤلفة من ملونين ومهاجرين ومسلمين وتقدميين—ترى أن مثل هذه السياسات الخارجية العدوانية تُفاقم مناخ العنصرية والإقصاء في الداخل، وهو ما جعل فوزه يُقرأ أيضًا كصفعة على وجه السياسة الخارجية التي ساهمت في المجازر بغزة.
المستقبل يبدأ من هنا
من المتوقع أن يكون ممداني المرشح الأوفر حظًا في انتخابات نوفمبر، حيث إن مدينة نيويورك تميل بشكل كاسح نحو الحزب الديمقراطي. أما العمدة الحالي، إريك آدامز، فيخوض الانتخابات كمرشح مستقل، لكنه يعاني من قضايا فساد وعلاقات متوترة مع الجالية التقدمية بسبب مواقفه الغامضة من ترامب.
أما منافسه الجمهوري كورتيس سليوا، فهو شخصية إذاعية بارزة ومؤسس "الملائكة الحراس"، لكنه خسر سابقًا أمام آدامز عام 2021، ويبدو أن حظوظه تراجعت أكثر في ظل الزخم الذي خلقه صعود ممداني.
عهد جديد
فوز زُهران ممداني لا يمكن اختزاله في حدود الانتخابات البلدية لمدينة نيويورك. إنه إعلان صريح من القواعد التقدمية بأن زمن الهيمنة الصهيونية والمؤسسة التقليدية في الحزب الديمقراطي قد بدأ يتآكل. إنه مؤشر على صعود جيل جديد، يرى أن مناصرة فلسطين، ورفض العنصرية، والمطالبة بالعدالة الاجتماعية، ليست قضايا هامشية، بل جوهر المشروع السياسي الديمقراطي الجديد.
ومن نيويورك تبدأ موجة سياسية جديدة، قد تصل أصداؤها إلى البيت الأبيض في قادم السنوات.









