-
℃ 11 تركيا
-
25 يونيو 2025
عمر محمد العرب يكتب: العار المزدوج: حين تتصالح تل أبيب وطهران على دماء غزة
عمر محمد العرب يكتب: العار المزدوج: حين تتصالح تل أبيب وطهران على دماء غزة
-
25 يونيو 2025, 12:54:22 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في لحظة مفصلية من تاريخ الشرق الأوسط، حين ظنّ البعض أن خطوط النار بين تل أبيب وطهران لن تهدأ إلا على رماد الصراع، انقشع غبار المرحلة ليكشف عن حقيقة صادمة: اتفاق معلن، ودماء بريئة تُراق، وقضية تنزف بلا حسيب ولا رقيب. هكذا إذاً، قُتلت غزة فقاتلت، ثم اتفقت الأضداد فوق جثتها، في مشهد يبدو فيه الغدر هو سيد الموقف، والتواطؤ صارخاً لا لبس فيه.
أين ذهبت العداوة؟
لطالما روّجت طهران لعداوتها الأبدية مع الكيان الصهيوني، ونسجت سرديات متشابكة تحت يافطة "محور المقاومة"، بينما رفعت تل أبيب لواء الحرب على "التهديد النووي الإيراني". لكن الحقيقة، أن النار التي أوقدت بين الطرفين لم تكن يوماً بهدف الحسم، بل كانت وقوداً لتثبيت المصالح، وتدوير الصراعات، وتمديد خطوط النفوذ. اليوم، يشهد المشهد انقلاباً كاملاً: صواريخ تُطلق، واتفاقات تُبرم، فيما العدو المزعوم يصبح شريكاً مضمرًا، والضحية كما في كل مرة: الشعب الفلسطيني.
غزة: الدية المدفوعة على مذبح التوازنات
لم تكن غزة يوماً مجرد جغرافيا، بل كانت ضمير الأمة. غير أن دماء أهلها أصبحت اليوم دية سياسية تُدفع على موائد "اللاعبين الكبار". كلما احتدمت المواجهة بين طهران وتل أبيب، دفعت غزة الثمن، لتُستخدم ساحة تصفية حسابات، ثم تُعاد إلى حالة الكمون في صمت عربي مريب.
والأدهى، أن تلك الأرض المحاصَرة باتت ميداناً للفضائح الإنسانية لا للمساعدات، حيث يُقتل أهلها وهم يصطفون في طوابير "المعونة"، ويُذلّون تحت راية ما يسمى "توزيع الأغذية"، الذي تحوّل إلى غطاء لانتهاكات صريحة بحق الكرامة والعدالة. المساعدات، التي يُفترض أن تُخفف الألم، صارت وسيلة للانتقام من الفقراء، وضبطهم ضمن أجندات الفصائل والجهات "الراعية"، في مشهد لا يقل وحشية عن العدوان العسكري المباشر.
قطر... حين يغدر الصديق
أن تُقصف غزة من تل أبيب مفهومٌ في ميزان الاحتلال، لكن أن يُخترق الأمن العربي من عمق الصداقة المعلنة، فذلك أمرٌ لا يُغتفر. السماء التي اخترقتها الصواريخ، كانت فوق قطر، الدولة التي طالما تبنّت خطاباً داعماً للمقاومة، والمفارقة أن أحد "الحلفاء" الجدد هو من سمح للعدو بالعبور، أو تغاضى عنه.
لكن الأخطر، أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ذاتها، التي تدّعي الدفاع عن فلسطين، أقدمت على قصف القواعد العسكرية القطرية - الأمريكية المشتركة، في اعتداء صارخ على سيادة قطر، وعلى الأمن الخليجي والعربي برمّته. تلك ليست قواعد أمريكية أجنبية محضة، بل هي جزء من منظومة الدفاع السيادي لدولة ذات سيادة وشراكات، مما يجعل العدوان عليها خيانة مزدوجة: خيانة للصداقة، وخيانة لسيادة دولة عربية.
أي تبرير يمكن أن يُقدّم لهذا الغدر؟ وأي "محور مقاومة" يبدأ بالعدوان على الداعم لا على العدو؟! تلك ضربة لم تستهدف جغرافيا فقط، بل طعنت في مبدأ التضامن العربي، وكشفت عن نوايا أبعد من مجرد رسائل عسكرية.
الجامعة العربية ومجلس الأمن: صمت مطبق
في هذا الخضم، ينهض السؤال الأبدي من تحت الركام: أين الجامعة العربية؟ وأين مجلس الأمن الدولي؟ الأجوبة أصبحت محفوظة: الجامعة في سبات، ومجلس الأمن لا تهتزّ سيادته إلا إذا هُدّد أمن تل أبيب أو مسّت مصالح الغرب. أما حين تُقصف قطر، أو تُباد غزة، فإن لغة الإدانات تختنق داخل صدور البيانات الباهتة، ويتحول الانتهاك إلى مادة للنقاش العقيم، لا للفعل الحاسم.
أين أمة المليارين؟
ما عادت القضية قضية أرض فقط، بل قضية كرامة، وامتحان ضمير. أين الشعوب العربية؟ أين أمة المليارين؟ فلسطين اليوم لا تطالب بدبابات ولا بجيوش، بل تطالب بالوعي أولاً، ثم بالموقف الشريف. لكن يبدو أن "الأمة" قد تم تفكيكها إلى مربّعات مصالح، وصناديق اقتراع، وأسواق نفوذ، فغابت فلسطين، وتوارى شهداء غزة خلف سحب الغاز وصفقات التطبيع والتنسيق.
سياسة رعناء... أم خيانة مقنّعة؟
لا يمكن لعاقل أن يفسّر ما جرى ويجري إلا من خلال واحد من احتمالين: إما رعونة سياسية تجاوزت كل الأعراف، أو خيانة ناعمة مغطاة بقفازات الدبلوماسية. وفي الحالتين، فإن النتيجة واحدة: تعرية المشروع المقاوم، وتفكيك روافعه، وتحويل القضية الفلسطينية من عنوان جامع إلى ملف قابل للتفاوض أو التصفية.
الخاتمة: لا أمن دون فلسطين
إن أمن الأمة لا يمكن أن يُبنى على أنقاض غزة، ولا يمكن لعلاقة مع العدو أن تُصنّف ضمن الخيارات السيادية طالما كان ثمنها دماء الأبرياء. المصالح لا تعلو على المبادئ، وإن علا صوت البراغماتية اليوم، فإن التاريخ لا يرحم. ومن ظنّ أن الزمن سيطوي خيانة فلسطين، فإنه لم يقرأ بعد دروس الماضي القريب ولا البعيد.
فإلى من باع، ومن سكت، ومن تواطأ، نقول:
قد يغيب الوعي لحظة، لكن الشعوب لا تنسى...
والحق لا يموت ما دام خلفه من يُحييه.








